16-ديسمبر-2022
gettyimages

تشكيكات في إمكانية أن تقلب المنظومة مسار الحرب الروسية على أوكرانيا (Getty)

بعد تردد طويل، والالتزام بحصر المنظومة داخل الدول الأعضاء في "حلف شمال الأطلسي" أوروبيًا، تخطط الولايات المتحدة لتزويد أوكرانيا بمنظومة صواريخ "باتريوت"، وذلك سعيًا لإيقاف الهجمات الروسية التي ارتفعت في الآونة الأخيرة، وتستهدف البنية التحتية بأوكرانيا. 

تخطط الولايات المتحدة لتزويد أوكرانيا بمنظومة صواريخ "باتريوت" وذلك سعيًا لإيقاف الهجمات الروسية

وبحسب مسؤولين أميركيين تحدثوا لقناة "CNN" الأمريكية، فإن واشنطن بصدد وضع اللمسات الأخيرة على خطة لتزويد كييف  بصواريخ "باتريوت"، وأن تلك الخطة تنتظر موافقة وزير الدفاع لويد أوستن قبل إحالتها على الرئيس جو بايدن للتوقيع عليها. وعلى الرغم من رفض نائبة المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية سابرينا سينغ، التعليق على التقارير المتعلقة بأن الولايات المتحدة تضع اللمسات النهائية على خطط لإرسال منظومة صواريخ "باتريوت" الدفاعية إلى أوكرانيا، لكنها أكدت في مقابلة مع قناة الحرة أن "واشنطن تدرس احتياجات كييف للتغلب على الغزو الروسي".

ومع هذه الأنباء، أكدت واشنطن على أنها ليست في حالة حرب مع موسكو، لكنها ستدعم أوكرانيا في هذه الحرب، وأضاف البنتاغون أنه سيقوم بتوسيع نطاق تدريباته للقوات الأوكرانية في ألمانيا، وسيتم تدريب 500 جندي أوكراني شهريًا، بدايةً من شهر كانون ثاني/ يناير المقبل.

getty

وذكرت مجلة بوليتيكو أن وزير الدفاع الأمريكي ناقش مع أعضاء بالكونغرس إمكانية إرسال منظومة باتريوت الصاروخية إلى أوكرانيا، مؤكدًا على أن هذه الخطة لم تقر بعد، كما قامت مجموعة دبلوماسية أمريكية بنقاش الأمر مع الأوروبيين والتداعيات المحتملة لذلك.  في المقابل، أعلن الكرملين أن الأسلحة الأمريكية في أوكرانيا هي "أهداف مشروعة له". فيما تزايد الحديث عن تقديم المنظومة الدفاعية مع التأكيد على أن إيران قدمت طائرات مُسيّرة لروسيا، بالإضافة للحديث عن نيتها تزويد موسكو بصواريخ بالستية.

وينظر لإرسال منظومة الصواريخ باتريوت إلى أوكرانيا باعتباره نقطة تحول في مسار الحرب الروسية على أوكرانيا من ناحية سياسية، مع التشكيك في فعالية النظام الدفاعي من ناحية عسكرية تجاه كل التهديدات الروسية، وبالأخص الطائرات المُسيّرة.

ما هو نظام "باتريوت"؟

"باتريوت" هو نظام صاروخي موجه أرض– جو، تم نشره لأول مرة في ثمانينات القرن الماضي، ويمكنه استهداف الطائرات وصواريخ كروز والصواريخ البالستية قصيرة المدى. وتتكون المنظومة الصاروخية من مركز مراقبة يشغله ثلاثة عسكريين، وبطارية فيها نظام إطلاق مثبت على شاحنة مع ثمانية قاذفات يمكنها استيعاب ما يصل إلى أربعة صواريخ اعتراضية لكل منها، ورادار أرضي، ومحطة تحكم ومولد، وتعترض المنظومة تلقائيًا أي مقاتلة أو طائرة مُسيّرة أو صاروخًا ضمن دائرة نطاق أكثر من 100 كلم. وتعد صواريخ "باتريوت" عنصرًا أساسيًا في دفاعات حلف شمال الأطلسي على جناحه الشرقي.

getty

وكشف تقرير صادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في العام 2018 أن "الجيش الأمريكي لديه حاليًا 16 كتيبة للمنظومة الصاروخية "باتريوت"، وهذه الكتائب تشغل 50 بطارية بها أكثر من 1200 صاروخ اعتراض". وتنتشر البطاريات الأمريكية في أماكن متفرقة من العالم، حيث يتم تشغيل أو شراء الصواريخ من قبل كل من هولندا وألمانيا وإسبانيا والسويد واليونان ورومانيا وبولندا واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان والمملكة العربية السعودية والكويت وقطر والبحرين والإمارات وإسرائيل.

هل ستغير مسار الحرب؟

وحول النظام، قال الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية توم كاراكو إنه "أحد أكثر أنظمة الدفاع الصاروخي الجوي تشغيلًا وموثوقيةً وثباتًا، ويمكن أن يساعد في الدفاع عن أوكرانيا ضد الصواريخ الباليستية التي توفرها إيران"، بحسب حديثه لوكالة "أسوشيتد برس". وخلال سنوات عمله، تم تعديل نظام باتريوت وصواريخه باستمرار، حيث تبلغ تكلفة صاروخ الاعتراض الحالي لنظام "باتريوت" حوالي 4 ملايين دولار، وتكلفة القاذفات حوالي 10 ملايين دولار، بحسب ما أفاد به مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "CSIS"، في تقرير الدفاع الصاروخي الصادر في تموز/ يوليو الماضي.

ويرى أن استخدام صواريخ "باتريوت" لن يكون فعالًا من حيث التكلفة، ولن يكون الخيار الأمثل لإسقاط الطائرات الإيرانية المُسيّرة، الأصغر والأرخص، والتي تشتريها روسيا وتستخدمها  في هجماتها على أهداف البنية التحتية في أوكرانيا، حيث يشير مارك كانسيان وهو جنرال احتياطي متقاعد من مشاة البحرية الأمريكية ومستشار أول في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إلى أن "إطلاق صاروخ بقيمة مليون دولار على طائرة مسيرة قيمتها 50 ألف دولار هو اقتراح خاسر".

ويصل التشكيك إلى فعالية المنظومة في قدرتها على إسقاط طائرات مُسيّرة ذات "بقعة حرارية صغيرة"، على عكس الصواريخ التي تمتلك "بقعةً حراريةً كبيرةً"، كما أن الصواريخ تنطلق في مسارات واضحة نسبيًا أو يمكن توقعها ورصدها بشكلٍ أطول خلال تواجدها في الجو، على عكس المُسيّرات. كما أن تجارب إسقاط المُسيّرات من خلال منظومة باتريوت لم تكن فعالةً عندما اختبرتها دولة الاحتلال الإسرائيلي، ضد مُسيّرات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.

كما تبرز عقبة رئيسية أخرى، وهى أن منظومة بطارية باتريوت تحتاج إلى حوالي 90 جنديًا لتشغيلها وصيانتها، بالإضافة إلى عدم قدرة القوات الأوكرانية على تشغيلها وصيانتها، حيث يتلقى جنود الجيش الأمريكي في كتائب باتريوت "تدريبًا مكثفًا ليكونوا قادرين على تحديد موقع الهدف بشكلٍ فعال". لكن ضباط الجيش الأمريكي دربوا عناصر من  الجيش الأوكراني على أنظمة أسلحة معقدة أخرى، بما في ذلك راجمة الصواريخ "هيمارس"، والتي لعبت دورًا محوريًا في هجوم القوات الأوكرانية المضاد في جنوب وشرق البلاد في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، وتمكنت من تحقيق اختراقات ونجاحات على جبهات الحرب.

getty

وتمكنت القوات الأمريكية، من إنجاز التدريبات خلال فترات قصيرة، مما مكن من إدخال قاذفات "هيمارس" في وقتٍ قصير إلى الحرب في أوكرانيا. لكن المسؤولين الأمريكيين رفضوا تقديم تفاصيل عن المدة التي سيستغرقها التدريب على منظومة "باتريوت"، وأين سيتم ذلك بالضبط، وفقًا لوكالة "أسوشيتد برس". مع ترجيحات بأن تتم التدريبات داخل ألمانيا، خاصةً أنه من المستبعد إرسال جنود من الجيش الأمريكي لتشغيل المنظومة.

من جهة أخرى، تحدث مسؤول عسكري أمريكي سابق، مطلع على نظام "باتريوت"، قائلًا إنه "سيكون فعالًا ضد الصواريخ الباليستية قصيرة المدى، وسيمثل رسالةً قوية للدعم الأمريكي"، لكنه أشار إلى أن  "بطارية واحدة لن تغير مسار الحرب". وأوضح المسؤول الذي تحدث لوكالة "أسوشيتد برس"، أن "بطارية واحدة من طراز باتريوت لها مدى إطلاق نار طويل، ولكنها لا تغطي سوى مساحة محدودة"، وأضاف "يمكن لباتريوت حماية قاعدة عسكرية صغيرة بشكلٍ فعال، ولكن لا يمكنها حماية مدينة كبيرة مثل كييف بشكلٍ كامل". حيث أنه غالبًا ما يتم نشر صواريخ باتريوت ككتيبة تضم أربع بطاريات، ولن يكون هذا هو الحال مع أوكرانيا، التي قال مسؤولون أمريكيون إنها ستتلقى بطارية واحدة.

روسيا تهدد

على الجانب الروسي، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، إن "جميع الأسلحة التي قدمها الغرب لأوكرانيا أهداف مشروعة لروسيا، وسيتم تدميرها أو الاستيلاء عليها"، بينما هدد نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيديف، بأن "ما سيسلّم للأوكرانيين من تلك المنظومة سيكون هدفًا مشروعًا لقواتنا"، كما أكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن "صواريخ باتريوت ستكون بالتأكيد هدفًا لروسيا"، لكنه لم يعلق على تقارير إعلامية قال إنها غير مؤكدة.

بدورها قالت سفارة روسيا في واشنطن من خلال بيان نشر على حسابها في تيليغرام إن "النقل المقترح لصواريخ باتريوت عمل استفزازي، ويمكن أن يؤدي إلى عواقب لا يمكن التنبؤ بها".

قالت سفارة روسيا في واشنطن من خلال بيان نشر على حسابها في تيليغرام إن النقل المقترح لصواريخ باتريوت عمل استفزازي

يذكر أن القرار الأمريكي جاء استجابةً لطلب أوكرانيا التي دعا رئيسها فولوديمير زيلينسكي مرارًا الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين إلى تزويد بلاده بأنظمة دفاع جوي، بما في ذلك صواريخ باتريوت الأمريكية، من أجل التصدي للضربات الصاروخية الروسية التي تزايدت بشكل مكثف في الفترة الأخيرة، والتي تستهدف بشكل خاص البنية التحتية الحساسة لبلاده وتحديدًا قطاع الكهرباء.