30-نوفمبر-2022
gettyimages

من المعارك التي دارت في ماريوبول (GETTY)

شكل الهجوم المعاكس الذي أعلنت عنه القوات الأوكرانية في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، واستعادت على أثره السيطرة على مساحات واسعة من جنوب وشرق أوكرانيا، نقطة تحول في مسار الحرب الروسية على أوكرانيا المندلعة منذ شباط/ فبراير من العام الحالي.

شكل الهجوم المعاكس الذي أعلنت عنه القوات الأوكرانية في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي نقطة تحول في مسار الحرب الروسية على أوكرانيا

وكانت القوات الأوكرانية قد انتقلت من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، فيما أصبحت القوات الروسية في موقع دفاعي، وأصبحت أولوياتها محاولة الحفاظ على المناطق التي سيطرت عليها بدلًا من التوسع. وعلى هذا الأساس يقوم الجيش الروسي بتطوير أنظمة دفاعية عن المدن والبلدات التي لا تزال تحت سيطرته، والعمل بجهد لإعداد المجندين المدربين للقتال في المعارك المتوقعة. من جانبها، تعمل القوات الأوكرانية على مواصلة عملياتها الهجومية واشغال القوات الروسية باستمرار.

وبعد انسحاب القوات الروسية من مدينة خيرسون، واستعادتها من قبل الأوكرانيين، تتجه الأنظار نحو شبه جزيرة القرم، التي تشير الهجمات عليها إلى أن القوات الأوكرانية تتحضر لاستعادتها أو إنهاك القوات الروسية فيها، خاصةً أن التصور العسكري الأوكراني يعتبرها نقطةً للقوة الروسية. ويتضح ذلك من خلال حوار صحفي مع القائد العام للجيش الأوكراني الجنرال فاليري زالوجني، والذي قال إن القرم هي "مركز ثقل" روسيا، وهى مفتاح الحرب.

تم نقل شبه الجزيرة إلى أوكرانيا في عام 1954 من قبل الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف، وفي تلك المرحلة  كانت أوكرانيا تشكل إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي، واعتبرت موسكو أن استقلالها أمر مستحيل فعليًا.

gettyimages
من المعارك في مدينة ماريوبول الأوكرانية (GETTY)

وتعتبر القرم مركزًا استراتيجيًا لروسيا الكبرى منذ الاستيلاء عليها عام 1783 من الدولة العثمانية التي حكمت المنطقة، وتحتوي مدينة سيفاستوبول الواقعة على الساحل الجنوبي على قاعدة بحرية روسية، ويمنحها موقعها الاستراتيجي إمكانية الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، ​​وجميع النقاط خارجها.

ارتباط المنطقة بالمصالح الاستراتيجية لروسيا، دفعها بعد تفكك الاتحاد السوفياتي واستقلال أوكرانيا في عام 1991 استئجار القاعدة البحرية في سيفاستوبول من أوكرانيا، وهو اتفاق ألغاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014. وقد عملت روسيا منذ ضمها لشبه جزيرة القرم على تحصينها عسكريًا من خلال تثبيت القواعد العسكرية، ولم يقتصر الأمر على ميناء سيفاستوبول، فهناك العديد من القواعد العسكرية المهمة الأخرى في شبه الجزيرة، كما تم بناء رادار للإنذار المبكر للصواريخ الباليستية خارج سيباستوبول مباشرةً، وهو جزء من نظام أكبر بكثير يحيط بروسيا، بالإضافة لبناء جسر إلى الأراضي الروسية، وهو جسر كيرتش الذي تعرض للهجوم مؤخرًا، وأصبح خارج الخدمة حاليًا.

ويبدو الآن أن أوكرانيا مُصممة على استعادة كل أراضيها، والسلطات في كييف، تضع استعادة جميع الأراضي الأوكرانية بما فيها القرم شرطًا للمفاوضات مع روسا، لكن خبراء عسكريين يحذرون من أن محاولة استعادة شبه الجزيرة ستكون أصعب بكثير من استعادة أوكرانيا سيطرتها على خاركيف أو منطقة خيرسون.

وتتمتع شبه الجزيرة بأهمية بالغة لكلا الطرفين، وتاريخيًا مثلت القرم تحديات ومعضلات عسكرية حرجة، للبريطانيين والفرنسيين خلال حرب القرم، وبشكل خاص للألمان الذين احتلوا شبه الجزيرة ثم طردوا منها خلال الحرب العالمية الثانية.

على المستوى العسكري، يجعل موقع شبه جزيرة القرم استعادتها أمرًا صعبًا، وذلك نظرًا لغياب قوة بحرية وبرمائية وازنة تتمكن من الوصول إلى شبه الجزيرة، التي ترتبط مع البر الرئيسي لأوكرانيا، بواسطة ممر ضيق يطلق عليه مضيق بيريكوب، والذي يبلغ عرضه 3 أميال، وستكون العملية مستحيلة ما لم يكن لدى الأوكرانيين تفوق بحري وجوي.

gettyimages
الجسر الذي يربط شبه جزيرة القرم مع روسيا بعد تفجيره (GETTY)

وبعيدًا عن الحسابات الميدانية، فالهجوم على القرم محفوف بالمخاطر السياسية، عكس بقية الأراضي التي احتلتها روسيا  في أوكرانيا، حيث يتفق معظم الروس على أن شبه جزيرة القرم - بأغلبية سكانها الروس – هي أرضٍ روسية بشكل شرعي، عكس أقاليم دونباس وزاباروجيا وخيرسون، التي ضمتها روسيا مؤخرًا، وينطبق ذلك على الموالين وحتى على شخصيات المعارضة الروسية مثل أليكسي نافالني في حين أن معظم الروس يمكن أن يتصالحوا مع خسارة ماريوبول على الساحل الجنوبي الشرقي لأوكرانيا، لكنهم يجمعون على روسية شبه الجزيرة.

ويمكن أن تتعامل أوكرانيا تكتيكيًا مع الأمر، وبدلًا من محاولة استعادة القرم، قد تتجه إلى اختراق خطوط الدفاع الروسية في مناطق جنوب البلاد، واستعادة كامل إقليم زاباروجيا على الرغم من صعوبة العمليات الهجومية حاليًا بسبب التعزيزات الروسية الأخيرة، بالإضافة إلى إمكانية التوجه إلى الجنوب الشرقي لاستعادة مدينة ماريوبول التي شهدت صمودًا كبيرًا، دافعت خلاله القوات الأوكرانية عن المدينة بشراسة قبل سقوطها.

وإمكانية تحقيق إنجاز أوكراني على جبهة واحدة من هذه الجبهات، يمكن أن يترجم باعتباره نصرًا استراتيجيًا، وينعكس ذلك بتحسين موقعها في المفاوضات.

يقول محللون إن إجراء عملية عسكرية واسعة النطاق لاستعادة شبه جزيرة القرم قد يثير ردًا  عنيفًا من قبل روسيا

ويقول محللون إن إجراء عملية عسكرية واسعة النطاق لاستعادة شبه جزيرة القرم قد يثير ردًا  عنيفًا من قبل روسيا، لكن وضعها تحت الحصار من شأنه أن يضع بوتين تحت ضغط محلي هائل، فأداء الأوكرانيين كان ناجحًا من قبل، وستكون لهم فرصة للاستمرار على نفس الأداء. فيما يتحدث وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، في إفادة صحفية أن "القرم هي قضية يجب التفكير فيها وتسويتها من قبل القيادة الأوكرانية، وإن الطريقة التي ستحل بها القيادة العليا الأوكرانية هذه القضية ستحدد مسار ونتائج بقية الحرب".