08-يوليو-2018

مارك شاغال/ روسيا

"وأخبرني بأنّ الحب نورٌ، ونور الله لا يهدى…" ثمّ صمت، وتجاوزتُ عن أن البيت يتحدّث عن العلم، وقلت لنفسي: إنه لفضل الحبّ على العلم.

كنّا نسير نحو الأوبرا، على كوبري قصر النّيل، لما حرّف بيت الشّعر، وقد كان يُنظّر لـ"الحب الحلال"، ويؤكّد على أن الله يعطي الحبّ للمتزوجين الصالحين. فقط للمتزوّجين. شعرت وقتها أنني أدور في حوار مستهلك، فلم أستمع إلا لبداية حديثه، ثمّ حين حرّف بيت الشعر، كانت تلك فرصتي للرد على هرائه، لكنّ صورة راقصة الباليه لم تكن قد غادرتني بعد، ففكرتُ في "فضل الحب على العلم"، وأنا أنظرها، ثمّ اتخذت له العذر؛ ثمّة وجهة نظر فيما يقول، أنا لم أفهمها، وهذا خطئي.

عبرنا إلى الطّرف الآخر، ودخلنا الأوبرا. كانت هناك حفلة باليه، لكننا لن ندخلها، إننا لا نرتدي الزيّ الرسمي، لكنني سأنتظر أمام الصالة حيث يرقصن، وذهب صديقي ليتناول البرتقال.

لا يوجد ما يفسّر بقائي حيث كنت أمام صالة الرقص. كنت أظن أنها حين تنتهي رقصتها ستخرج راكضة إليّ لتخبرني أنها رأتني في الدورة الثانية من الرقصة، حين كانت تنظر إلى السماء وهي تدور حول البحيرة، وحين تذكرَتْ أنها متصوّفة بحكم العمل، وأنها كتمت ضحكتها حين تذكرت مقولتي هذه. 

وحين أشعلتُ السيجارة المتبقية من آخر علبة سجائر اشتريتُها. تركتها معي لأشعلها في مثل هذا الموقف، وقد كنت أقلعت عن التدخين، وبقيت في مخيلتي صورتي وأنا أنفث الدخان غير عابئ، في الوقت الذي أنظر فيه إلى الفراغ، وأتجنب أن تلتقي عيني بأحد، وأنفث الدخان. حين أشعلت السيجارة، وبعد أن سعلتُ، تذكرتُ أنني لم أخبرها في أي يومٍ أي شيء، لكنني ظللت أنتظرها أمام الصالة، وكانت السيجارة في منتصفها، إن تأخرتْ أكثر من ذلك فلن تراني أنفث الدخان غير عابئ؛ تلك علامتي.. أنا الذي راودها الحلم بشأني، وأخبرتُها فيه أنها متصوفة بحكم العمل. 

صديقي طلب كأس برتقال آخر -كما أخبرني لاحقًا- وكان -على قوله- يتمنى ليَ التوفيق، كما أخبرني أيضًا لاحقًا،
لم أصدقه إذ كنت أرى ظلّه خلف الشجيرة، وكنت -بطبيعة الحال حين أنفث الدخان- غير عابئ. 

لكنّها في النهاية خرجت، وأنا أنظر لقدمي تدهس السيجارة، وأنفث الدخان. لم أحدد وقتها هل كنت عابئًا أم لا، لكنني اهتممت بأن أدهس السيجارة بعنف، واهتممت بأن أنظر لها بعنف وهي تخرج من الصالة، أما هي فقد نظرت خلفها عدة مرّات متتاليات، ثم تقدّمت بسرعة، ونظرتُ أنا خلفي عدة مرات متتاليات، ثم وقفت مكاني، وكنتُ قادرًا على تحديد شعوري: كنت غير عابئ، حين سألتني بسرعة وثمة بعض الغضب في سؤالها: "هو أنا أعرفك؟" وحين أجبتها بنفس السرعة وبنفس بعض الغضب: "اسألي نفسك!". تأفأفت ثم غادرت بسرعة مرة أخرة، وبقيتُ غير عابئ، لكنني بتُّ أنظر للشجيرة أبحث عن ظل صديقي، لمّا نَكزَت كتفي، وقالت قبل أن أستدير لها: "على فكرة أنا شوفتك قبل كده في الحلم، وأنا مش بعاكس على فكرة.. بس انت بتجيلي في الحلم ليه يعني؟".

ركضتُ نحو الشجيرة، ولم يكن صديقي خلفها. ثم عدت إليها وأنا أركض ثانية، وتخيلت نفسي لأول مرة أنفث الدخان وأنا عابئ. وقلت لها: "آه.. كنا بنقول إيه بقى؟". وخطر لي أنني بالفعل عابئ. قالت كلامًا كثيرًا، وأنا عُدت للتدخين.. فقط كي لا أعبأ بالنظر إليها وهي تتحدث، وأنا أبتسم.

 

  • تموز/ يوليو 2012

 

اقرأ/ي أيضًا:

مثل شمسٍ في حقيبة

ليكن النهرُ بريدنا