27-يونيو-2016

رسم في بريطانيا لترامب وهو يقبل زعيم حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بوريس جونسون (Getty)

رغم تشابه الأسباب والدوافع التي أدت إلى تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي وصعود المرشح الرئاسي دونالد ترامب، إلا أن هناك أيضًا بعض الاختلافات الهامة. المقال التالي ترجمة لمقال في "النيويورك تايمز" يتحدث عن هذه الاختلافات.

___

أرسل تصويت بريطانيا لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي رجفة عبر العاصمة واشنطن يوم الجمعة، حيث أجبرت قوى القومية الاقتصادية وغضب الطبقة العاملة الزعماء السياسيين الأمريكيين على التساؤل: هل يمكن أن يحدث ذلك هنا؟

"سوف يُطلب من الأمريكيين التصويت لصالح أو ضد شخص واحد: ترامب"، قال توني فراتو، وهو متحدث رسمي سابق باسم البيت الأبيض

تقف الكثير من الدوافع التي حركت المجال السياسي الأمريكي في عام الانتخابات المضطرب الجاري خلف "البريكسيت": الغضب من النخب المنعزلة، القلق بشأن فقدانٍ متصور للهوية الوطنية، وهو ربما الأهم، السخط تجاه المهاجرين واللاجئين.

إنها نفس الموضوعات التي استغلها دونالد ترامب خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري بنجاحٍ ساحق، والتي ينوي استغلالها مجددًا في سباقه الانتخابي ضد هيلاري كلينتون. أيد ترامب ترك بريطانيا للاتحاد الأوروبي وأشاد بنتيجة التصويت خلال زيارةٍ له إلى اسكتلندا يوم الجمعة.

اقرأ/ي أيضًا: القفزة البريطانية إلى المجهول

يقول المحللون الاستراتيجيون المحنكون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي أن ترامب، وبنسبةٍ أقل، السناتور بيرني ساندرز في السباق الانتخابي للحزب الديمقراطي، يمثلان صدىً أمريكي لتيارٍ سياسي يتطلع إلى الداخل اجتاح أوروبا في الأعوام الأخيرة.

"هناك مشكلة رئيسية على جميع الاقتصادات المتقدمة مواجهتها، وهي أن العولمة والتغيرات التكنولوجية قد عنت أن ملايين الأشخاص شهدوا تهميش وظائفهم وتراجع رواتبهم"، حسب ديفيد أكسلورد، وهو محلل استراتيجي سابق عمل لصالح الرئيس أوباما ومستشارٌ لحزب العمال البريطاني في الانتخابات العامة العام الماضي.

"لذا فإن الكثيرين يرغبون في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وجعل أمريكا، أو بلدهم، عظيمة من جديد"، في إشارةٍ إلى شعار ترامب الانتخابي.

رغم أن ترامب قد يجد صعوبة في تحويل رسالة التخندق القومي التي يحملها إلى فوزٍ هنا، إلا أن بعض الانقسامات شديدة الوضوح التي تبدت في بريطانيا تماثل بالفعل الاتجاهات السياسية في هذا البلد (الولايات المتحدة).

يتشارك المصوتون الأصغر سنًا والأعلى تعليمًا حول لندن الذين صوتوا لصالح البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، بعض القواسم المشتركة مع سكان المدن الأمريكيين الذين كانوا عماد تحالف أوباما. وقد نجح ترامب على أكتاف النظراء الأمريكيين للمصوتين البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي: الأشخاص البيض الأكبر سنًا الذين يفتقدون إلى شهادةٍ جامعية ويعيشون في المناطق الأقل ازدهارًا من الريف الإنجليزي.

لكن أسفل أوجه الشبه العامة تلك، توجد فروقات حاسمة بين الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016.

في الولايات المتحدة، ليس هناك تاريخ حديث لانتخاب رؤساء قوميين معادين للهجرة، وحتى آخر الرؤساء الجمهوريين احتفلوا بالقادمين الجدد باعتبارهم جزءًا أساسيًا من الازدهار والهوية الأمريكية.

تُقرَر الانتخابات الأمريكية بشكلٍ كبير من قِبل جمهور ناخبين مدني ومتنوع، يعيش في مدن وضواحي الولايات المتحدة. تمثل تلك المجتمعات لندن أكثر من لينكولنشاير. مثلت الأقليات أكثر من ربع جمهور الناخبين في الحملة الرئاسية الأخيرة.

وبينما قررت بريطانيا ترك الاتحاد الأوروبي من خلال تصويتٍ شعبي، فإن السباق إلى البيت الأبيض سوف يقرره المجمع الانتخابي، والذي يميل ناحية الديمقراطيين. ظلت بعض الولايات الكبيرة التي يوجد بها عددٌ كبير من السكان غير البيض بعيدًا عن متناول المرشحين الجمهوريين طوال أغلب العقود الثلاثة الماضية؛ صوتت كاليفورنيا ونيويورك ونيوجيرسي وإلينوي وبنسلفانيا لكل مرشحٍ ديمقراطي منذ عام 1992. فاز أوباما أيضًا بفلوريدا مرتين، وتتقدم كلينتون هناك الآن جزئيًا لأن ترامب لا يحظى بشعبية لدى ذوي الأصول اللاتينية. 

معًا توفر تلك الولايات الست 166 من بين الأصوات الـ277 بالمجمع الانتخابي التي يتطلبها الفوز بالرئاسة.

بل إن وضع ترامب أكثر سوءًا من المرشحين الجمهوريين الآخرين للرئاسة في التاريخ الحديث بسبب شعبيته شديدة التدني لدى غير البيض وحاملي الشهادات الجامعية والناخبين الإناث. إن لم يستطع ترامب عكس التصورات شديدة السلبية التي يحملها هؤلاء الناخبين عنه فمن غير المرجح أن يفوز بالمجتمعات الغنية بالمصوتين حول فيلادلفيا ودنفر وميامي وواشنطن الضرورية للفوز بالبيت الأبيض.

قال جو تريبي، وهو محلل سياسي بالحزب الديمقراطي كان مستشارًا لرئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، إنه توقع أن يشجع التصويت لصالح البريكسيت الأمريكيين المحافظين. لكن ابتهاجهم، يتابع تريبي، سوف يكون "قراءةً خاطئة" للنتائج.

وضع ترامب الانتخابي أكثر سوءًا من المرشحين الجمهوريين للرئاسة في السابق، بسبب شعبيته المتدنية لدى غير البيض وحاملي الشهادات الجامعية والإناث

اقرأ/ي أيضًا: ماهي تأثيرات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

"هناك بعض الأشياء شديدة الشبه – كان من الواضح أن الاستقطاب بين جمهور الناخبين والعداء للمهاجرين والقومية من العوامل الهامة، وترامب يمثل نموذجًا لها هنا"، قال تريبي.

"لكن هناك فارقًا في التعدد الثقافي وتنوع الولايات المتحدة، مقابل عدم وجود تلك العوامل بنفس القدر في المملكة المتحدة".

رغم المستويات المرتفعة للقلق بشأن الهجرة والتجارة الخارجية، تظهر استطلاعات الرأي أن أغلب الأمريكيين ليسوا متقبلين حتى الآن لاقتراحات ترامب المحددة، مثل ترحيل 11 مليون مهاجر غير شرعي.

وجد استطلاع رأي قام به معهد الأبحاث الدينية العامة يوم الخميس أنه بينما ينقسم الأمريكيون بالتساوي تقريبًا بشأن فوائد الهجرة ويقول أغلبهم إن التجارة العالمية مضرة، فإن أغلبيةً كبيرة ترفض وعود ترامب ببناء سور على الحدود المكسيكية ومنع هجرة المسلمين.

علاوةً على ذلك، كان التصويت في بريطانيا استفتاءً على كيانٍ أوروبي كان من السهل الحشد ضده، بينما يصبح التصويت في الانتخابات الرئاسية أكثر فأكثر استفتاءً على شخصٍ استقطابي.

"سوف يُطلب من الأمريكيين التصويت لصالح أو ضد شخص: ترامب"، قال توني فراتو، وهو متحدث رسمي سابق باسم البيت الأبيض في عهد الرئيس جورج بوش الابن.

"وهذه عقبة أكبر. إذا كنت تريد التعبير عن نفسك بتصويتٍ احتجاجي، فإنه سيكون عليك التصويت لترامب، وهو شخصٌ غير جذاب على نحوٍ استثنائي بل ومكروه من قِبل أغلبية كبيرة من الأمريكيين".

إذا بدا أن اللحظة تدعو إلى خطاب نصر مبتهج ذي علاقة بالموضوعات المطروحة من قِبل ترامب يوم الجمعة، فإن المرشح نفسه كانت لديه أفكارٌ أخرى.

خلال ظهوره في منتجعٍ للجولف يملكه في ترنبيري باسكتلندا، أشاد ترامب بنتيجة التصويت معتبرًا إياها تعبيرًا عن غضبٍ قومي. لكن في مؤتمرٍ صحفي أعقب ذلك، أسهب ترامب في الحديث عن مناقب ملكيته هناك، وقارن صعوبات الرئاسة الأمريكية بمهمة تجديد ملعبٍ للجولف.

قلل ترامب من شأن التبعات الاقتصادية للاستفتاء، وتوقع أن انخفاض قيمة الجنيه الاسترليني سوف يفيد مشروعه. "عندما ينخفض الجنيه، فسوف يأتي المزيد من الأشخاص إلى ترنبيري، صراحةً"، قال ترامب.

كان رد كلينتون متحفظًا، حيث أصدرت بيانًا يعبر عن "احترام" قرار حليفٍ مقرب ويقدم ضمانات بشأن "التزام الولايات المتحدة الراسخ بالعلاقة الخاصة مع بريطانيا".

ربما لا يظهر الأثر الأوسع لنتيجة التصويت في الانتخابات بين كلينتون وترامب في الخريف القادم. لكن من شبه المؤكد أنها سوف تسبب انقسامًا في الحزب الجمهوري يستمر لسنوات، معمقًا من الصدع الداخلي الذي سببه صعود السيد ترامب وتحالفه.

أصدر السناتور تيد كروز الذي يمثل ولاية تكساس والسناتور توم كوتون الذي يمثل ولاية أركنساس، وكلاهما يُعتقد على نطاقٍ واسع أنهما يدرسان الترشح للرئاسة عام 2020، سريعًا بيانين اعتبرا فيهما التصويت لصالح الخروج دليلًا على الانفصال بين الناخبين والزعماء الأممين في واشنطن ولندن وبروكسل.

قالت لورا إنجراهام، وهي مذيعة محافظة مؤثرة تدعم ترامب، إن كلا من الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة وحزب المحافظين في بريطانيا قد مزقتهما "الصراعات حول العولمة". في كلا الحالتين، قالت إنجراهام، "يسعى القوميون من الطبقة العاملة إلى تغييرٍ كبير" – محققين بعض النجاح، حتى الآن.

"إن الحزب الجمهوري يصبح أكثر قومية، ويرجح أن يستمر ذلك التوجه أيًا كان ما سيحدث للسيد ترامب"، كتبت إنجراهام في بريدٍ الكتروني قبل إعلان نتيجة الاستفتاء.

اقرأ/ي أيضًا:

 مصر..أحاديث المصالحة مرة أخرى