26-يونيو-2016

علم الاتحاد الأوروبي ممزقا في بريطانيا بعد الاستفتاء (Getty)

في مقاله بصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، يشرح الكاتب الأمريكي من أصل بريطاني روجر كوهين كيف يرى تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.

____

سدد البريطانيون لكمةً هائلة للمؤسسة السياسية والمالية والتجارية العالمية بتصويتهم لصالح ترك الاتحاد الأوروبي، وهو قرارٌ تاريخي سيلقي بالمملكة في غياهب المجهول لأعوامٍ قادمة ويعكس الاندماج الذي قام عليه استقرار القارة.

فوز ترامب أكثر معقولية الآن لأن له سابقةً مباشرة في ديمقراطيةٍ متقدمة( بريطانيا) مستعدة للتخلص من الوضع القائم من أجل المجهول مرتفع المخاطر

أثبتت التحذيرات بشأن العواقب الوخيمة لخروج بريطانيا من قِبل الرئيس الأمريكي باراك أوباما والقادة السياسيين البريطانيين والشركات الكبيرة التي تعمل في بريطانيا وصندوق النقد الدولي عدم جدواها. إن كان لها تأثير، فقد كان تهيئة مزاج عام من الغضب المتحدي ضد تلك النخب ذاتها.

للسخط جذوره في الكثير من الأشياء لكن من الممكن تلخيصه كتمردٍ ضد الرأسمالية العالمية. ليذهب الخبراء والصواب السياسي إلى الجحيم، أصبح هو المزاج السائد في النهاية. ضاق أغلب البريطانيون ذرعًا بالسياسين الذين تسببوا في حربٍ كارثية في العراق والأزمة المالية عام 2008 والتقشف الأوروبي وركود أجور الطبقة العاملة وزيادة الهجرة والملاذات الضريبية لفاحشي الثراء.

اقرأ/ي أيضًا: ماهي تأثيرات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

لم يكن مهمًا أن بعض تلك المشكلات ليس لها علاقةٌ مباشرة بالاتحاد الأوروبي أو بيروقراطيي بروكسل المفترى عليهم. لقد كان الاتحاد الأوروبي هدفًا مناسبًا في تلك اللحظة المتقلبة التي جعلت أيضًا ترامب المرشح الجمهوري المفترض – وربما تأخذه الآن أبعد ضمن موجةٍ مماثلة من الغضب المعادي للأنظمة القائمة وللمهاجرين.

دفع يمين حزب المحافظين رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى إقامة الاستفتاء، والذي قال إنه سوف يستقيل، وسيظل في منصبه لتسيير الأعمال لبضعة أشهر. كان هذا قرارًا صائبًا، وحتميًا. لقد قاد كاميرون البلاد إلى كارثة.

انخفض الجنيه الإسترليني، كما كان متوقعًا، نحو 10 نقاط إلى أقل مستوىً له منذ عام 1985. اهتزت الأسواق العالمية. أعرب السياسيون الأوروبيون عن أسفهم في مواجهة ما اعتبروه يومًا حزينًا لأوروبا؛ بينما ابتهج اليمينيون مثل مارين لوبان في فرنسا بشدة. لقد دخل العالم مرحلة تقلبٍ هائل.

كان المزيد من الوحدة هو حجر الأساس منذ الخمسينيات ليس فقط للسلام في أوروبا ووضع نهايةٍ للحروب المتكررة التي عصفت بأجيالٍ من الأوروبيين، لكن أيضًا للنظام السياسي العالمي. اليوم أصبح كل شيءٍ محتمل. ربما تكون عملية تفكك أوروبي قد بدأت. لقد تم تقويض افتراضٍ أساسي للسياسة الخارجية الأمريكية، وهو أن أوروبا موحدة قد تغلبت على انقساماتها.

غرّد خيرت فيلدرز، السياسي الهولندي اليميني المعادي للمهاجرين، على الفور: "مرحا للبريطانيين! الآن دورنا. حان الوقت لاستفتاءٍ هولندي!" لم يكن الاتحاد الأوربي معرضًا للخطر في أي وقتٍ آخر منذ إنشائه مثل اليوم. خسرت الصور القديمة -مثل الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران والمستشار الألماني هيلموت كول يدًا بيد في فردان- صداها. قادت متاعب اليورو وموجة الهجرة "داخل الاتحاد الأوروبي من الأعضاء الأفقر إلى الأغنى ومن الخارج" والبطالة المرتفعة إلى مزيجٍ غريب من فقدان الصبر والحكمة والذاكرة. أي شيء خلاف هذا أصبح شعورًا واسع الانتشار، اللاعقلانية تنتشر في الهواء.

يجب أن تؤخذ القفزة الهائلة إلى المجهول التي كان شعبًا حذرًا في العادة -البريطانيين- مستعدًا للقيام بها بجدية. إنها تشير إلى أنه من الممكن حدوث قفزاتٍ مماثلة في أماكن أخرى، ربما في أمريكا ترامب. إن فوز ترامب في تشرين الأول/نوفمبر أكثر معقولية الآن لأن له سابقةً مباشرة في ديمقراطيةٍ متقدمة مستعدة للتخلص من الوضع القائم من أجل المجهول مرتفع المخاطر.

اقرأ/ي أيضًا: خطوات الحكومة المصرية لإعادة اتفاقيتها مع السعودية

كان 52% من البريطانيين مستعدين لمواجهة بطالةٍ أعلى وعملةٍ أضعف وركودٍ محتمل واضطرابٍ سياسي وخسارة النفاذ إلى سوقٍ يضم نصف مليار شخص وطلاقٍ فوضوي قد يستغرق ما يصل إلى عامين لإتمامه ومفاوضاتٍ طويلة تالية بشأن علاقة بريطانية بأوروبا وإعادة صياغة شاقة للقوانين والمعاهدات التجارية والتشريعات البيئية – كل ذلك مقابل ما أسماه الزعيم اليميني نايجل فاراج بحمق "يوم الاستقلال". كانت بريطانيا دولة ذات سيادة قبل هذا التصويت من كل الجوانب المهمة. وهي تظل كذلك. سيكون من المناسب أكثر تسميته بيوم الانفصال.

كان الإنجليز متسعدين أيضًا للمخاطرة بشيءٍ آخر: تفكك المملكة المتحدة. صوتت اسكتلندا لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي بنسبة 62%. صوتت أيرلندا الشمالية لصالح البقاء بنسبة 56%. من المرجح أن يسعى الاسكتلنديون الآن إلى استفتاءٍ ثان على الاستقلال.

لم تكن الانقسامات على المستوى القومي فقط. صوتت لندن بأغلبيةٍ كبيرة لصالح البقاء، لكن الريف والبلدات الصغيرة والمراكز الصناعية الإقليمية المتضررة صوتت بأغلبيةٍ كبيرة لصالح ترك الاتحاد الأوروبي ونجحت في حسم النتيجة. تم الكشف عن بريطانيا منقسمة بين طبقةٍ مدينية ليبرالية تتركز في لندن والبقية.

أوجه الخلل في أوروبا -وقد كانت واضحة خلال العقد الماضي- ببساطة ليست كافية لشرح ما فعلته بريطانيا بنفسها. كان هذا تصويتًا ضد النظام الاقتصادي والاجتماعي العالمي الذي أنتجته السنوات الـ16 الأولى من القرن الواحد والعشرين. من غير الواضح إلى أين سيؤدي. الأسوأ ليس محتمًا لكنه قابل للحدوث. سوف تظل بريطانيا قوة مهمة، لكن مكانتها سوف تصبح أقل من إمكانياتها. إنها تواجه خطرًا سياسيًا واقتصاديًا جديًا طويل المدى.

كان الغضب مركزًا أكثر على مئات الآلاف من المهاجرين الآتين إلى بريطانيا كل عام، أغلبهم من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى مثل بولندا. استطاع حزب استقلال المملكة المتحدة تحت قيادة فاراج، بمساعدة أغلب الصحف، إعداد عاصفة دمجت بين الهجرة من الاتحاد الأوروبي والتقطر من الشرق الأوسط. تمت ترويج أساطير جامحة عن انضمام تركيا الوشيك إلى الاتحاد الأوروبي. دخل العنف الحملة في صورة موجة من خطاب معاداة الأجانب واسترجاع البلاد.

 قال ترامب إن التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي هو "شيءٌ عظيم" وأن البريطانيين "قد استرجعوا بلادهم مجددًا"

في ضوء هذا، فإن سعادة مؤيدي ترامب ليست مفاجئة. رحبت سارة بالين بـ"الأخبار الجيدة". تقول تغريدة لأحد داعميه: "إنني شديد السعادة بالخطوة الأولى للمملكة المتحدة – حان وقت سقوط جميع أحجار الدومينو، حيث تغادر جميع البلدان لينتهي الاتحاد الأوروبي".

وصل ترامب إلى بريطانيا يوم الجمعة، في زيارةٍ في الوقت المناسب. قال ترامب إن التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي هو "شيءٌ عظيم" وأن البريطانيين "قد استرجعوا بلادهم مجددًا". لم يذكر ترامب ممن، لكن شبح عصرنا هو قوة عالمية مظلمة تسرق الهوية الوطنية.

من المرجح بشدة أن يصبح خليفة كاميرون هو بوريس جونسون، رئيس بلدية لندن السابق المنمق والزئبقي وأحيانًا الخالي من الحقاق بشعره الأشقر المميز. كان جونسون قائدًا في الحملة الداعية إلى الخروج، يمكنه الآن حصاد جائزته السياسية. إن عصر الشعر يلوح في الأفق.

كتب المؤرخ تثموثي جارتون آش قبل الاستفتاء مستعيرًا كلمات الزعيم البريطاني وينستون تشرشل عن الديمقراطية أن: "أوروبا التي لدينا اليوم هي أسوأ أوروبا ممكنة، باستثناء جميع الأوروبات الأخرى التي تم تجربتها من وقتٍ إلى آخر".

لقد كانت دعوة حكيمة إلى التعقل في العالم الحقيقي الخالي من الكمال. الآن، مدفوعةً بأساطيرٍ عن السيادة والجحافل الغازية، أذنت بريطانيا ببدء محاكمة جديدة لا يمكن التنبؤ بنتائجها للقارة الأوروبية ولنفسها.

كتب نجل شقيقتي على فيسبوك أنه لم يكن يومًا أقل فخرًا ببلاده. إنني أشعر بنفس الشيء تجاه البلد الذي نشأت فيه وتركته.

اقرأ/ي أيضًا:

مصر.. ثعابين في زنازين المعتقلات