16-يوليو-2020

عامل إثيوبي في مشروع سد النهضة (إدواردو سوتراس/أ.ف.ب/Getty)

ألترا صوت – فريق التحرير 

بعد شد وجذب مصحوبًا بتضارب في الأنباء حول صحة بدء إثيوبيا تعبئة خزان سد النهضة المطل على النيل الأزرق، قال مسؤول إثيوبي إن بلاده بدأت فعليًا بتعبئة سد النهضة، على الرغم من معارضة القاهرة لإجراء أديس أبابا الذي وصفته بـ"الأحادي"، مما ينذر من طرف الجانب المصري  باحتمالات للرد عسكريًا في محاولة لاستعادة الحضور الإقليمي على مستوى الخارطة السياسية العالمية بشكل عام، ودول حوض النيل بشكل خاص.

يرجح أن يدفع قلق عبد الفتاح السيسي من تحرك يأتي من داخل الجيش المصري رفقة موجة من الاحتجاج والغضب الشعبي ردًا على أزمة سد النهضة أن يجرب خيار التحرك العسكري في مواجهة إثيوبيا وحفاظًا على وجوده في السلطة

نقل التلفزيون الإثيوبي الرسمي على لسان وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي سيليشي بيكيلي قوله إن "بناء السد وتعبئة الخزان (سد النهضة) يسيران جنبا إلى جنب"، ولفت الوزير الإثيوبي في حديثه إلى عدم حاجة السد الانتظار لحين الانتهاء من بنائه لبدء تعبئته بالنظر لارتفاع منسوب المياه من 525 مترًا إلى 560 مترًا.

اقرأ/ي أيضًا: مصر على حافة العطش.. وإسرائيل تشرب نخب السلام

فيما تضاربت تصريحات بيكيلي للتلفزيون الرسمي التي تؤكد في مضمونها على أن أديس أبابا نفذت تصريحاتها السابقة بشأن بدء تعبئة السد اعتبارًا من الشهر الجاري، مع ما كتبه عبر صفحته الرسمية على منصة فيسبوك للتواصل الاجتماعي بالإشارة إلى أن "تدفق (المياه) صوب الخزان جاء بسبب الأمطار الغزيرة"، وتابع مضيفًا بأن جريان المياه "فاق التدفق الخارجي ليحدث تخزين طبيعي".

لكن فيما أظهرته صور التقطتها الأقمار الاصطناعية  نهار الثلاثاء 14 تموز/يوليو  يبدو بدء أديس أبابا تعبئة السد بالمياه جليًا، وهو ما يتوافق مع تصريحاتها السابقة بأنها ستمضي بتعبئة السد حتى في حال فشلها بالتوصل لاتفاق نهائي مع القاهرة، التي تخشى من المساس بحصتها السنوية من مياه نهر النيل البالغة 55.5 مليار متر مكعب، وتصر على وجود اتفاق ينظم تعبئة السد في أوقات الجفاف.

كما أشارت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية إلى أن وكالة الفضاء الأوروبية التقطت صور تعبئة السد يوم التاسع من الشهر الجاري، وأضافت نقلًا عن المحلل في مجموعة الأزمات الدولية ويليام دافيسون أن الترجيحات تدور في إطار أن تكون تعبئة الخزان ناجمة عن "التراكم الطبيعي للمياه خلف السد" خلال موسم الأمطار، وتابع دافيسون مستدركًا بالقول إن أديس أبابا بانتظار فيضان موسم الأمطار على النيل لبدء تعبئة السد منتصف الشهر الجاري.

جانب من أعمال إنشاء سد النهضة الإثيوبي (إدواردو سوتراس/أ.ف.ب/Getty)

بينما طالبت وزارة الخارجية المصرية بتقديم الحكومة الإثيوبية "إيضاح رسمي عاجل" بشأن الإعلان عن بدء تعبئة السد، قال المتحدث باسم وزارة الري والموارد المائية المصرية محمد السباعي إن الإجراء الذي ستتخذه مصر بعد إعلان أديس أبابا بدء تعبئة السد  "سيكون سياسيًا عبر وزارة الخارجية"، مشيرًا لالتزام القاهرة بما خلص إليه الاجتماع الأخير للمفاوضات الثلاثية بحضور مراقبين دوليين.

في حين أوضح مصدر دبلوماسي مصري لموقع صحيفة العربي الجديد الإلكتروني أن القاهرة شرعت بإجراء اتصالات استخباراتية ودبلوماسية بالدول ذات الصلة للوقوف على مستجدات الموقف، لافتًا إلى أنه في حال التأكد من خطوة أديس أبابا أحادية الجانب، فإن رد القاهرة سيكون عبر انسحابها من المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، وما سينجم عنها من إيقاف الإجراءات لإعداد القمة الأفريقية المصغرة.

من جانبها كانت وزارة الري والموارد المائية السودانية قد علقت على الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية بالقول إنه "اتضح جليًا من خلال مقاييس تدفق المياه في محطة الديم الحدودية مع إثيوبيا أن هناك تراجعًا في مستويات المياه بما يعادل 90 مليون متر مكعب يوميًا ما يؤكد إغلاق بوابات سد النهضة"، وشددت الوزارة في بيانها على رفض الخرطوم أي "إجراءات أحادية الجانب يتخذها أي طرف خصوصًا مع استمرار جهود" التفاوض بين الدولتين ومصر.

في حين كشف وزير الطاقة والتعدين المكلف في الحكومة السودانية خيري عبد الرحمن عن وجود اتفاقيتين وقعتهما الحكومة السودانية مع نظيرتها الإثيوبية، وقال عبد الرحمن في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السودانية يوم الأحد الماضي، إن الخرطوم وأديس أبابا وقعتا على اتفاقية تنص على توفير الأخيرة ثلاثة آلاف ميغاواط من الكهرباء للسودان، بالإضافة لاتفاقية جديدة إقليمية تخص خمسة دول تحصل بموجبها الخرطوم على ألف ميغاواط بأقل كلفة.

تشير التقديرات بخصوص المخرج "السياسي" المتوقع إثيوبيًا ومصريًا من أزمة سد النهضة إلى احتمالية التحرك العسكري على خلفية الأزمة المتفاقمة دون حل أو توافق حتى اللحظة

وجاء قرار أديس أبابا الأحادي بعد فشل المفاوضات الثلاثية التي أعيد إحيائها يوم الثالث من الشهر الجاري، غير أنها اصطدمت بعد 11 يومًا، نهار الاثنين 13 تموز/يوليو، من انعقادها بالخلافات الأساسية بين الجانبين المصري والإثيوبي بشأن الأمور الفنية والقانونية لقواعد تعبئة السد، وقالت تقارير صحفية إن الأطراف المجتمعة اتفقت على نقطتين قانونيتين مرتبطتين بمدى إلزامية الاتفاقية، والآلية التي سيتم الاتفاق عليها لفض النزاعات، فيما بقي الخلاف قائمًا على باقي النقاط.

اقرأ/ي أيضًا: أزمة جيوسياسية كبيرة حول السيطرة على النهر العظيم

كما توقع تقرير أعده أحمد أبو دوح لموقع الإندبندنت أونلاين البريطاني أن المفاوضات المصرية – الإثيوبية وصلت إلى نهاية دبلوماسية مسدودة في مشهد ينذر بأن الصراع العسكري سيكون السيناريو الوحيد الممكن، ويرى أبو دوح أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لا يعتبر أن المياه "المصلحة الحيوية الوحيدة على المحك" فقط، بل ينظر كذلك إلى أنه مطالب بـ"القتال من أجل شرعيته أيضًا".

ويشير أبو دوح إلى أن السيسي منذ توليه السلطة في عام 2014 قدم نفسه في قالب "روائي شعبوي/قومي" يستند إلى "تنمية الكثير من الكبرياء بالقوة العسكرية ورفع توقعات الناس بشأن قدرته على حماية أمن مصر القومي ومصالحها"، لافتًا إلى أن السيسي يدرك أن خسارته للمعركة الدبلوماسية بشأن قواعد تعبئة السد سيكون بمثابة "المستسلم" للضغوط الإثيوبية، الأمر الذي سيجعله "يخاطر بإشعال الاضطرابات الشعبية وربما انقلاب عسكري" في القاهرة.

ينطبق الأمر عينه على رئيس الحكومة الإثيوبية آبي أحمد الذي تواجه حكومته اضطرابات سياسية وعرقية مؤخرًا، مما يمكنه من تحويل أزمة السد مع القاهرة لقضية سياسية يتوّحد خلفها الإثيوبيين كـ"قضية وطنية" يحتاجها بشدة للخروج من أزمته الداخلية، وتساعده على مواجهة الجنرالات الذين يعارضون إصلاحته الديمقراطية بوصفها "إصلاحات متهورة".

يرى أبو دوح أن الموقف الأمريكي من أزمة السد مضطرب نسبيًا، نظرًا لاعتبار واشنطن أديس أبابا شريكًا أساسيًا لها في مكافحة الإرهاب في القارة الأفريقية أولًا، وشريكًا في موازنة الاستثمارات والنفوذ الصيني المتزايد في إثيوبيا والقرن الأفريقي ثانيًا، غير أنه مثل تعثر المفاوضات بين واشنطن وبيونغ يانغ المرتبط بالترسانة النووية لكوريا الشمالية، فإن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فشلت بالتوسط لإنهاء الأزمة. 

ليختم أبو دوح تقريره بالقول إن التطورات الأخيرة مع فشل الإدارة الأمريكية في التوسط لإنهاء الأزمة، متأثرة بالضغوط التي أفرزتها انتخابات الرئاسة الأمريكية على حملة إعادة انتخاب ترامب لولاية ثانية، قد تدفع القاهرة إلى "القيام بعمل عسكري لتوجيه انتباه المجتمع الدولي نحو الصراع، وفرضه على جدول أعمال الرئيس الأمريكي المقبل"، لافتًا إلى أنها ستكون الاستراتيجية ذاتها التي استخدمها الرئيس السابق أنور السادات "لكسر الجمود الدبلوماسي حول وضع اللاسلم واللاحرب مع إسرائيل عام 1973".

 

اقرأ/ي أيضًا:

أزمة سد النهضة.. دليلٌ على فشل الدبلوماسية المصرية

خيبة أمل وميكرفون صريع.. لماذا فشلت مفاوضات سد النهضة الأخيرة بالخرطوم؟