14-ديسمبر-2017

تثبت أزمة سد النهضة فشل الدبلوماسية المصرية (أشرف شاذلي/ أ.ف.ب)

خلال أقل من شهرين، تستعرض مصر أزمة سد النهضة على المجتمع الدولي للمرة الثالثة، وذلك خلال ندوة حول الدبلوماسية المائية والتغير المناخي من أجل السلام في الشرق الأوسط، والتي تعقد في فرنسا. وفي الأثناء، ترفض كل من السودان وإثيوبيا التوقيع على المذكرة الاستهلالية لمكتب الاستشارات الفرنسي الذي يتولى إعداد دراسة بشأن تأثير بناء السد على دولتي المصب، فيما طالبت إثيوبيا والسودان من مصر بالتوقيع على "اتفاقية للملء" دون انتظار نتائج الدراسات التي لم تبدأ بعد.

بعد الوصول المفاوضات لطريق مسدود، تلجأ مصر للمرة الثالثة خلال أقل من شهرين إلى استعراض أزمة سد النهضة على المجتمع الدولي

توقيت مناسب للعبة إثيوبيا

منذ عام 2011 مع انشغال مصر بالثورة، كان ذلك التوقيت بداية اهتمام إثيوبي واضح للعمل على مشروع "سد النهضة"، الذي ربما يتسبب في أزمات خطيرة فيما بعد من جهة تقليل حصة مصر المائية التي تبلغ 55 مليار متر مكعب. يقع سد النهضة في أرض شديدة الاتساع بمساحة 1800 كيلومتر، على حدود السودان في منطقة بينيشانغول، ويُكلّف بناؤه 4.7 مليار دولار، بغرض تخزين 74 مليار متر مكعب من المياه، مع العلم بأنّ إثيوبيا تملك أكبر مخزون مائي في أفريقيا كلها.

اقرأ/ي أيضًا: العطش قادم.. فهل توافق مصر على اتفاقية "عنتيبي"؟ 

بدأت المفاوضات على بناء السد منذ نحو ستة أعوام، وتمكنت الدول الثلاثة المعنية: مصر والسودان وإثيوبيا، من التوصل لاتفاق فيما بينهم لإجراء الدراسات الفنية لتحديد الآثار الاجتماعية والبيئية والاقتصادية المترتبة على بناء السد، لكن توقفت المفاوضات ولم تسفر الاجتماعات عن نتائج على الأرض، وتوقفت المفاوضات بعد أن طلب وزير الري المصري مهلة للتشاور، بعد خلافات بين الدول الثلاث في اجتماعهم الأخير.

لكن بعد الكثير من المفاوضات والجدال، ما زالت دولة إثيوبيا تعتزم استكمال عمليات بناء سد النهضة بالرغم من عدم توصلها بعد إلى اتفاق مع مصر، وذلك بحسب تصريحات وزير الري الإثيوبي سيليشي بقلي، الذي قال فيها إنه من جانب إثيوبيا "نحن نُشيّد السد وفقًا للجدول الزمني والجودة والمعايير المطلوب توفرها في بناء سد بمثل هذا الحجم"، مُؤكدًا أنه تم إنجاز 63% من أعمال بناء السد، وتتم أعمال البناء فيه على مدار الساعة دون الانشغال بالخلافات مع الجانب المصري، على حد قوله.

ثُمّ تصاعد الخلاف بين مصر من جهة، وإثيوبيا والسودان من جهة أخرى، بعد رفض البلدين التوقيع على التقرير الاستهلالي الخاص بدراسة تأثير سد النهضة. وعلى ما يبدو، لم يُؤثر عدم التوصل إلى اتفاق مع مصر على استكمال بناء السد، وهذا ما يُؤكده المسؤولون الإثيوبيون. 

تتهم كلا الدولتين بعضهما بعرقلة المفاوضات الوصول لتسوية ترضيهما. لكن الاتهامات وتوقف المفاوضات لا يُثني إثيوبيا عن استكمال عملها في السد الذي يفترض به أن يكون الأكبر في المنطقة. كما يبدو من جهة أخرى أن التحركات المصرية حتى الآن تنحصر في رد الفعل على الخطوات الإثيوبية، مع تردد وخوف واضح من اتخاذ الرد المناسب، وقصور دبلوماسي مصري جليّ في التعامل مع الأزمة بالمفاوضات.

اكتمال بناء سد النهضة وملء خزانه، سيخسّر مصر خلال 3 سنوات 51% من أراضيها الزراعية (Getty)
اكتمال بناء سد النهضة وملء خزانه، سيخسّر مصر خلال 3 سنوات 51% من أراضيها الزراعية (Getty) 

هذا ويُشار إلى أنه وفقًا لصحيفة تيليغراف البريطانية، فإنه حال امتلاء خزان سد النهضة، فخلال ثلاث سنوات فقط ستفقد مصر حوالي 51% من أراضيها الزراعية، فأمام كل مليار متر مكعب من المياه يقتطع من حصة مصر، ستفقد أمامه 200 ألف فدان زراعي.

ارتجاف الدبلوماسية المصرية

أمام ارتجاف الدبلوماسية المصرية وفشلها في التعامل مع أزمة سد النهضة، تسعى مصر إلى تقليب الدول الإفريقية المجاورة لإثيوبيا عليها والتي قد تتضرر بنسب مختلفة من سد النهضة. لكن المؤشرات الأولية تُشير إلى انعدام فرص نجاح هذا المخطط المصري الذي كشفت عنه مصادر مطلعة في تصريحات صحفية. إذ إن فشل مصر في استمالة الجانب السوداني، الدولة العربية الجارة ذات التاريخ والإرث المُشترك، يكشف عن ترجيح فشلها في تكوين اللوبي المخطط له.

وتكشف تصريحات المسؤولين المصريين المتكررة، عن وصول الأزمة إلى "حارة سد"، كما يقول المثل، في ظل استمرار إثيوبيا على خططها دون أن تعبأ كثيرًا بالاعتراضات المصرية غير المجدية.

يتوالى فشل الدبلوماسية المصرية، بخسارتها الفادحة في قضية سد النهضة، وإعادة إنتاجها لهذا الفشل في صور مخططات غير واقعية

ومع تكرار استجداء المجتمع الدولي للوقوف غلى صفها، حاولت الدبلوماسية المصرية محاولة أخرى لا يبدو أنه قد كُتب لها النجاح، بعرضها الأزمة على مجلس وزراء المياه والري الأفارقة، خلال اجتماعات المجلس التي انطلقت أواخر الشهر المنصرم في العاصمة النيجيرية أبوجا.

ما كانت تمتلكه مصر لإيقاف المحاولات الإثيوبية لبناء سد النهضة على مدار عشرات السنوات، يبدو أنها فقدته الآن، لتترك "حابي" إله النيل عند الفراعنة حزينًا على فقدان مصر هبتها، بسبب ارتجاف الموقف المصري، وتداعي قوة دبلوماسيتها وسياساتها الخارجية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ارتفاع جديد لأسعار المياه وحلول الحكومة المصرية: "معلش"

أبوظبي والمخابرات بديلًا عن الخارجية المصرية.. وسامح شكري "نايم في العسل"