06-أبريل-2018

فشلت جولة مفاوضات سد النهضة بالخرطوم (حميد إبراهيم/ الأناضول)

بكل ما فيها من قلقٍ وجمود لم يبارح نقاط الخلاف القديمة، التأمت جولة أخرى لمفاوضات سد النهضة الأثيوبي في الخرطوم أمس الخميس. والعاملون في فندق "كورنثيا" الذي انعقدت فيه الجولة إلى وقت متأخر من الليل، نابهم من طول السهر رهقٌ شديد، وأباريق الشاي والقهوة لم تفلح في إنعاش الفتور البائن، فثمة سياج من السرية والحذر ضرب حول غرف التفاوض الثلاثة: الدبوماسي والمخابراتي والفني.

فشلت جولة مفاوضات سد النهضة التي جرت في الخرطوم على مدار يومين، بعد أن رُفعت اجتماعتها دون التوصل لاتفاق مشترك

نصف ساعة بعد انتصاف الليل، خلع الفريق صلاح قوش مدير المخابرات والأمن السوداني معطفه الرمادي، بينما غادرت الابتسامة وجوه الوفود بلا استثناء؛ في هذه اللحظة تحديدًا كانت فتوق الاتفاق قد اتسعت على الراتق، ما يشي بفشل الجولة.

اقرأ/ي أيضًا: أزمة سد النهضة.. دليلٌ على فشل الدبلوماسية المصرية

وبالفعل، خروج وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور، معلنًا عن رفع اجتماع اللجنة الثلاثية الخاصة بسد النهضة دون التوصل إلى قرار مشترك. ورغم ذلك وصف الجولة التي انعقدت في الخرطوم لمدة يومين، بأنها كانت بناءة ومهمة، مستدركًا بقوله: "كان من الممكن أن تخرج بإجابات شافية"، عازيًا الفشل في الوصول إلى اتفاق أو بيان مشترك بأنه "حال القضايا الخلافية عمومًا"!

كل وفد تمسك بمواقفه المسبقة، بينما أخذ السودان دور الوسيط لتقريب وجهات النظر. وعطفًا على ذلك تقرر أن تحال كل القضايا التي لم يتم الاتفاق حولها إلى وزراء الري في الدول الثلاثة، دون تحديد موعد أو مكان لاجتماع الوزراء المعنين بذلك الأمر.

فيما لم يجد سامح شكري وزير الخارجية المصرية، ما يصرح به، مكتفيًا في الموتمر الصحفي بالقول: "المفاوضات التى جرت بشأن أزمة سد النهضة لم تسفر عن مسار محدد أو نتائج محددة يمكن الإعلان عنها".

ولعل أهم ما في هذه الجولة أنها توغلت أكثر في المناطق الخلافية، واصطدمت بجبل من الممانعة بين طرفي الأزمة؛ مصر وأثيوبيا. لكنها على كل حال وضعت العربة أمام الحصان، ليقرر بشأنها رؤساء الدول الثلاثة، الذين كان لقاءهم بأديس أباب في كانون الثاني/يناير الماضي، على هامش انعقاد القمة الافريقية؛ محفزًا للوصول إلى نتائج إيجابية كما أُعلن حينها!

وبعد 16 ساعة من التفاوض المباشر بين لجان ضمت في عضويتها وزراء الخارجية ووزراء الري وقادة الأجهزة الأمنية، إلى جانب الفنيين في مجال المياه بالدول الثلاثة، لم يحدث شيء، بينما كان الحدث الأبرز على هامش الجولة الأخيرة، هو الاعتداء على ميكروفون قناة الجزيرة من قبل الوفد المصري، بشكل لفتَ الأنظار.

وقبيل انعقاد الاجتماع، ظُهر أمسٍ الخميس، حرص عضو بالوفد المصري على إبعاد ميكروفون الجزيرة أكثر من مرة من على طاولة الاجتماعات، وإلقائه جانبًا. فيما سبق أن أزاح وزير الخارجية المصري سامح شكري ميكرفون ذات القناة في اجتماع مماثل بالخرطوم في كانون الأول/ديسمبر 2015.

مدير مكتب الجزيرة في الخرطوم، المسلمي الكباشي، دفع بمذكرة احتجاج إلى نقابة الصحفيين السودانيين، مناشدًا فيها النقابة مراجعة الجهات المسؤولة والاحتجاج لديها، بشأن إصرار الوفد المصري المشارك في اجتماعات سد النهضة بالخرطوم، على إبعاد ميكرفون القناة من المنصة.

تقدمت قناة الجزيرة بمذكرة لنقابة الصحفيين السودانيين، لإدانة تكرار "اعتداء" الوفد المصري على ميكروفون القناة

وقال الكباشي في المذكرة الذي اطلع "ألترا صوت" على نسخة منها: "يبدو أن عدم تدخل السلطات السودانية لمنع هذا السلوك، خلق حالة استمراء لدى الوفد المصري، ونحن إذ نخاطبكم، نأمل في التعامل الحاسم مع مثل هذا السلوك".

اقرأ/ي أيضًا: مصر تحت حكم المماليك.. مشاهد ووقائع فاضحة

وأهابت المذكرة بالمجتمع الصحفي بالسودان، التضامن لمواجهة هذا النوع من الاعتداء على حرية الصحافة، واليقظة من محاولات تصدير صور قاسية من الكبت الصحفي من بلدان أخرى إلى السودان.

مذكرة الجزيرة إلى نقابة الصحفيين السودانيين
مذكرة الجزيرة إلى نقابة الصحفيين السودانيين

أما سبب الخلاف الذي أدى لإنسحاب القاهرة من المباحثات الفنية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، فهو عدم التوافق بين ممثلي الدول الثلاثة في اللجنة الفنية الوطنية، على التقرير الاستهلالي للمكاتب الاستشارية المعنية بعمل الدراسات، ومرجعية خط الأساس الذي سيتم وفقًا له تحديد المخاطر، أو التأثيرات المحتملة للسد، سواء على معدلات تدفق المياه، أو أي تأثيرات اجتماعية واقتصادية وبيئية أخرى، وذلك وفقًا للصحفية المصرية.

بينما يرى الكاتب والمدون المهتم بالشأن الإثيوبي، محمد حامد جمعة، أن الاجتماعات "لن تحرز تقدمًا لا اليوم ولا بعد شهر"، عازيًا السبب إلى أن "إثيوبيا دخلت في بناء السد مرحلة اللا عودة، وهي في مرحلة إعادة تشكيل يتسق سياسيًا وأمنيًا مع توجهات رئيس الوزراء الجديد (أبي أحمد علي)".

وأضاف جمعة في تدوينة له على صفحته بفيسبوك: "الثابت في توجهات رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد، أن السد من الأحجار التي لا تغيير في مواقعها، حتى إن عاد الزمن لتاريخ منليك (ملك إثيوبي توفي قبل أكثر من 100 عام)، لا تغيير حول هذه القضية".

وعليه ففرصة التحرك للأمام بيد مصر، في أن تنتقل من مرحلة الرفض المتشدد لأي اقتراح، إلى نقطة التعايش والبحث عن مساحات الإفادة من واقع أن السد قائم قائم. وخلص جمعة إلى أن "المعطيات كلها تشير إلى أن أديس أبابا لن تتراجع، وبما أن القاهرة لا تملك جراءة الانفكاك من شعورها بأنها (انضربت على قفاها)، فمحصلة أي اجتماع ستكون زيرو (صفر)" على حد تعبيره.

وبلا مواربة، يمكن القول إن النيل جمعهم وفرقهم في ذات الوقت، أي السودان ومصر وإثيوبيا، فيما نجحوا في ركل الأزمة إلى الأمام لعدم رغبة أي طرف تحمل مسؤولية وصمه بالتنازل عن حقوق بلاده، من أجل الوصول إلى اتفاق نهائي دون الوقوع في فخ المعركة الصفرية.

بيد مصر الآن إما أن تخسر كل شيء أو أن تنتقل من الرفض المتشدد لأي اقتراح إلى التعايش والبحث عن مساحات للإفادة من واقع سد النهضة

كما أن خط النهاية الذي استبدلت البلدان الثلاثة مواقيت بلوغه في غير سانحة من قبل، لم يكن أمام مفاوضيهم هذه المرّة أيضًا من سبيل لتأجيل الوصول إليه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أزمة جيوسياسية كبيرة حول السيطرة على النهر العظيم

مصر.. إنها حرب المياه