06-أكتوبر-2016

من الفيلم

حين أخرج جورج إيه. روميريو "1940" فيلم الرعب "أرض الموتى" (عام 2005) كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أتمّت غزوها للعراق في  أيار/مايو 2003، وتجسّد ذلك رمزيًا في إسقاط تمثال صدام حسين، وكانت قد خرجت من جلباب الجهادي أبي مصعب الزرقاوي عام 2004، جماعة ستصبح هي "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، داعش، بهدف واحد هو بعث مشروع الخلافة الإسلامية، ووسيلة واحدة هي قطع الرؤوس وإزهاق النفوس.

جاء فيلم الرعب "أرض الموتى" مزامنًا لظهور رعب تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"

أنفق المنتج المنفذ رايان كافانو 15 مليون دولار أمريكي على الفيلم، متوقعًا أن يحصد من خلاله الضعفين وهذا الذي كان، ولا ندري هل توقّع، حين عرض عليه روميريو السيناريو، أن يكون شبيهًا بما سيقترفه هذا التنظيم الإرهابي في حق الإنسان والمكان، إذ تعوّدنا على أن يكون الفارق بين زمن عرض أفلام الخيال العلمي وزمن تطبيقها على أرض الواقع كبيرًا، أما هنا، فلم يكن الفارق إلا شهورًا قليلة.

اقرأ/ي أيضًا: "الانقلاب" فيلم تلفزيوني في تركيا

ومثلما نصح الخبراء ذوي "القلوب الصغيرة التي لا تتحمّل" بأن يتجنبوا مشاهدة فيديوهات داعش، منها فيديو حرق الطيّار الأردني معاذ الكساسبة، والعمّال الأقباط في ليبيا، فقد نصحتهم أسرة الفيلم بتجنّب مشاهدته، ذلك أن العنف والرعب يبلغان فيه أوجّهما، منذ لحظاته الأولى.

في زمن ما وفي مدينة ما من الكرة الأرضية، يطلع الأموات من حياتهم الأخرى، على الأشكال التي ماتوا عليها، ويصبحون أحياء غير عاقلين، تسيّرهم غريزة مبرمجة على تدمير المكان وأكل الإنسان، غيرَ مفرّقين بين كبير وصغير ورجل وامرأة، ولم يتورّع المخرج عن نقل تلك المشاهد طازجة مثل الدماء والأمعاء المتطايرة، مراهنًا على جودة الماكياج، الذي حصل بموجبه على جائزة أحسن ماكياج في مسابقة "Saturn Award" المتخصصة بأفلام الخيال وأفلام الرعب.

ينبري الأحياء الحقيقيون عفويًا إلى الهروب من هذه الكائنات الغريبة، غير أن الطبقية الاجتماعية تفرض نفسها حتى في هذا المقام الخاص، إذ يبقى الفقراء في الشوارع، فيما يتحصّن الأثرياء في ناطحات سحاب تبدو عصية على الاختراق، يمكن تمثيل الوضع بالساحة الخضراء في بغداد وباقي شوارع المدينة.

في "أرض الموتى"، يبقى الفقراء في الشارع ويتحصّن الأثرياء في ناطحات سحاب عصية على الاختراق

من هؤلاء الأثرياء كوفمان، الممثل دينيس هوبر، الذي يرفض أن يأوي شابًا منحرفًا في قلعته، كان يعمل لحسابه في السابق يدعى شولو ديمورا، الممثل جون ليجويزامو، فيعمد الفتى إلى الاستحواذ على دبابة عملاقة ومزودة بتقنيات حديثة، ليدمّر بها المدينة. إلى هنا، تنتعش الأنانيات البشرية في التملّك والبقاء، بين الأحياء الحقيقيين، وهو ما أعطى فرصة للأحياء الموتى لأن يقتحموا النهر والأسوار والأبواب، ويضاعفوا عدد ضحاياهم.

اقرأ/ي أيضًا: تورناتوري.. ساعتان من الضجر للاحتفاء بالحب

يحيلنا هذا المعطى، على واقع القوى العالمية المنخرطة في محاربة داعش، إذ يتحرّك كل طرف وفق مصالحه الخاصّة، لا وفق مصالح الإنسانية، بما يجعلنا نشكّ في صدق الجميع في مسعى القضاء على التنظيم، إذ هل يُعقل أن تتجنّد ضدّه كلّ أسلحة الدنيا، فلا تزيده إلا انتشارًا؟

يتمكن كثيرون من تفجير رؤوس هذه الكائنات، لكنها سرعان ما تتكاثر من جديد، ذلك أن كل حي يعضّونه، يصبح مثلهم تمامًا، مالكًا الاستعداد لأن يأكل الناس الذين كان يحاربهم معهم. ما يُحيلنا على الشباب الذين تستقطبهم داعش، وتعزلهم فكريًا ونفسيًا عن بيئتهم، التي ترعرعوا فيها، قبل أن تفجّرهم داخلها، مثلما يحدث في أوروبا هذه الأيام.

تشبه العملية التي قادها الفتى ريلي ديمبو، الممثل سايمون بيكر، لانتزاع الدبابة من الفتى المخرب شولو ديمورا، واستعمالها في فكّ الحصار عن المدينة، عوض تخريبها، ما يذكرنا بعمليات تحرير المدن العراقية اليوم، تبدأ بتحرير الناس، وتنتهي بهروب الدواعش إلى فضاءات جديدة. يجتمع بقايا الأحياء الموتى فوق الجسر، فتطلب الفتاة سلاك، الممثلة آسيا آرجنتو، من ريلي ديمبو أن يسمح لها بتفجير الجسر للتخلّص منهم نهائيًا، فيغسلها بنظرة شبقية خاصّة: "دعيهم، إنهم مثلنا يبحثون عن طريقهم".

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم "زيزو"... أحلام الشباب التائه

فيلم "حب وصداقة".. حين تلعب جين أوستن بذيلها