12-يوليو-2019

مطعم "L'As du Fallafel" في باريس

بات من المعروف أن إسرائيل تسعى بكل قوتها من أجل تسويق ما يسمى "الثقافة الإسرائيلية" على أنها ثقافة أصيلة على أرض فلسطين، وعملها على تكريس اسم المطبخ الإسرائيلي جزء هام من تلك الحرب الثقافية التي تشنها ضد عناصر الثقافة الفلسطينية الأصيلة، من رموز ومعالم تاريخية وثقافية، تبدأ من الأرض ولا تنتهي عند المطبخ.،

لا توفر إسرائيل مناسبة لتقديم عدد من مأكولات المطبخ الشرقي على أنها مأكولات من المطبخ الإسرائيلي المزعوم!

يعتبر الأكل واحدًا من أهم المواضيع التي تحمل ثقل نقل الثقافة الإسرائيلية إلى العالم. فقد حرص الإسرائيليون على تسويق مطبخهم المزعوم والتجارة به في أوروبا والعالم، عبر الترويج لمأكولات شرق أوسطية ومنتجات غذائية معلبة تسافر عبر العالم، من خلال مطاعم عصرية، وأطباق متنوعة تغري أذواق مختلفة، بالإضافة للتأكيد فكرة رخص الطبق وقدرته على إرضاء الجائع. كل تلك المميزات التي لا يمكن لسائح أو هاو تجريب مطابخ العالم المتنوعة أن يقف أمامها حائرًا، بل تعتبر مجتمعةً مغريات ووسائل جذب.

اقرأ/ي أيضًا: الطعام أحد محددات الهوية الوطنية

لا يتوقف الموضوع عند يوم الحمص العالمي الذي تستغله دولة الاحتلال أحسن استغلال للتسويق له بوصفه طبقها الوطني، كما تدعي، أو الاعتراف مؤخرًا أن الشاورما أكلة إسرائيلية. فإسرائيل لا توفّر مهرجان طعام، أو أية احتفالية عالمية، أو أي زيارة رسمية لشخصيات هامة إلى إسرائيل، حتى تنتهز الفرصة لتقديم عدد من مأكولات المطبخ الشرقي على أنها مأكولات من المطبخ الإسرائيلي المزعوم.

هذا وتحرص شخصيات عامة إسرائيلية على الظهور في المناسبات الرسمية وهي تتناول شيئًا من تلك الأطباق، في خطة لتسويق المطبخ الإسرائيلي على أنه عامل من عوامل الثقافة الإسرائيلية "الراسخة".

الفهم العالمي لموضوع مثل هذا هو أمر في غاية الأهمية، حيث يُظهر الموضوع إسرائيل أصيلة في المكان لا بل إن لديها مطبخًا وتراثًا، وهذا يخدم صورتها عالميًا بشكل كبير. في المقابل نلاحظ غياب المطعم الفلسطيني والعربي عن الكثير من الاحتفالات والفعاليات العربية، مما يفسح المجال أمام الإسرائيلي لتقديم أكاذيبه عن أصالة أطباقه، بعض الاحتفالات تقدم فيها المقلوبة وورق العنب كتراث يهودي عمره آلاف السنين. بعض العرب قد ينسحبون من المشاركة في مثل هذه الاحتفالات بسبب المشاركة الإسرائيلية فيها وهذا ما يزيد الطين بلّة، ويترك لهم الفرصة للتعريف عن مأكولات المطبخ العربي المشرقي على أنها مأكولاتهم التراثية.

تساعد الاحتلال الاسرائيلي سلسلة من المطاعم الممتدة شرقًا وغربًا في أوروبا والعالم، تلك المطاعم التي لا تسعى فقط إلى سرقة المأكولات الفلسطينية والعربية، بل تعمل على استغلال واحدة من أهم مزايا ذلك المطبخ لتحقيق مميزات صارت ضرورية في أي مطعم في العالم، معتمدين على غنى المطبخ الشرقي بالأطباق النباتية التي تلقى رواجًا عند الكثير من الناس في أوروبا والعالم، وتشكّل عامل جذب كبيرًا ومهمًا عند النباتين، فيستغل الواقفون وراء المطاعم الإسرائيلية ذلك تنوع وتعدد أصناف الطعام النباتي الموجود في المطبخ العربي الشرق أوسطي على وجه الدقة، بينما تعتبر كثير من مطابخ العالم فقيرة بالمقارنة معه بالأطباق النباتية.

أحد هذه المطاعم التي تدعي بأنها تقدم مأكولات المطبخ الإسرائيلي النباتي وتسوّقها على أنها مأكولاتهم الأصيلة، موجودة في مدينة باريس، حيث تشمل قائمة الطعام على كل الأطباق النباتية التي قد تغري محبيّ الأكل النباتي ومن يفضلون الأكل الصحي أيضًا. هذا المطعم هو واحد من مطاعم الأكل النباتي في المدينة، يستقطب عدد كبير من النباتيين مستغلًا الأمر للتعريف بالمطبخ "الإسرائيلي" وتاريخه.

من هذه المطاعم سلسلة Pita Pit للأكل الصحي والسريع، المفهوم الذي تقوم عليه هو إيجاد البديل الصحي للوجبات السريعة، من خلال الخبز الصحي الذي تسميه خبر البيتا، وهو عبارة عن شريحة رقيقة من الخبز محشوة باللحوم المشوية أو الخضروات الطازجة، تُصنع في المطعم خصيصًا لزبائنه، وتُحضّر السندويشة أمام الزبون الذي يختار مكوناتها بنفسه، على طريقة مطاعم Subway الشهيرة في العالم. تلعب هذه السلسلة على مفاهيم الأكل الصحي والمنتجات عالية الجودة والمختارة بدقة وأساسيات النظام الغذائي المتوازن لجذب عدد كبير من الناس، بالإضافة لأنها تقدم سندويشة الفلافل كمنتج أساسي ومميز لها، وبنفس السعر الذي يقدمه أي مطعم تركي أو لبناني في أوروبا ما يقارب 7 إلى 9 يورو للخيار الواحد. وبذلك هي تقدم منتج غير معروف ومميز تسوقه على أنه قادم من إسرائيل وتنافس به مطاعم أخرى.

في الوصف المكتوب عند البحث عن مطعم للأكل المشرقي والمتوسطي، ستجد في أولى الخيارات توصيف أكل نباتي، خالٍ من الغلوتين، كوشر (أي لحم حلال مذبوح على الطريقة اليهودية)، ومن ثم استعراض لأهم الأطباق التي تسمى إسرائيلية في قائمة تبدأ من الحمص، ولا تنتهي عند المقلوبة والملوخية، مرورًا بعدد كبير من أطباقنا المعروفة.

تستقبل تلك المطاعم زبائنها في أجواء عصرية تجمع بين حسن الاستقبال والأسعار المقبولة، إلى جانب أمور أخرى يفكر فيها من يريد الذهاب للأكل في مطعم، مثل نظافة المكان ونوعية الطعام وجودته.

الحمص على رأس القائمة بالضرورة، هذا الطبق المسروق الذي لفّقت عنه إسرائيل مئات الأكاذيب يحظى اليوم باعترافٍ مقبول، خصوصًا في أوروبا، بعد أن ادعت أن الحمص هو طبقها الوطني، أيّ أنه طبق أساسي في الثقافة الإسرائيلية، وهو أيضًا طبق أساسي في قائمة طعام المطعم النباتي الذي يستقطب الكثير من محبي الأكل النباتي. كما أن إدمان تذوق الفلافل عند مطعم إسرائيلي صار أشبه باللوثة عند محبيّ هذا الطبق ممن يتبعون النظام الغذائي النباتي، ناهيك عن هوس التبولة وورق العنب والفتوش والزعتر، وغيرها من المأكولات الفلسطينية والعربية الموجودة في قائمة وجبات أي مطعم إسرائيلي.

لفّقت إسرائيل الكثير من الأكاذيب حول طبق الحمص، واعتبرته طبقها الوطني

أصدرت وزارة الثقافة الفلسطينية قبل أعوام قائمة بالتراث الفلسطيني الملموس وغير الملموس، بهدف توثيقه والحفاظ عليه، حتى يكون ردًا على كل ادعاءات الإسرائيليين الذي لا يتوانون عن الأكاذيب، ولكن تلك الإجراءات أمام سطوة القيمة التجارية والاقتصادية للطعام وتسويقه قد تبدو نوعًا ما ضعيفة، فمن يدخل إلى مطعم كالمطعم الإسرائيلي، بهدف تذوق واحد من أصناف الطعام المتوسطي، آخر ما قد يخطر على باله هو البحث عن جذور وأصول هذه المأكولات، بالإضافة لأنه لا يوجد مطاعم فلسطينية متخصصة بالأكل الفلسطيني في أوروبا، أو هي نادرة الوجود، حتى وأن وجدت فهي لا تنافس من ناحية الجودة ما تقدمة المطاعم الإسرائيلية، وهذه الحقيقة صعبة جدًا وتحتاج إلى الكثير من التفكير والعمل.

اقرأ/ي أيضًا: عندما يحلو الفلافل في عين الأباطرة

كتبت صحفية إسرائيلية تدعى رونين فيريند في هآرتس الإسرائيلية قبل عامين مقالًا بعنوان "هل يمكن أن تسمي الحمص والفلافل أطباقًا إسرائيلية؟". سخرت فيه من كتاب إسرائيلي يتحدث عن وصفات المطبخ الإسرائيلي المعاصر، فتقول إن الكتاب يتحدث عن الطعام العربي والتوابل وكأنها إسرائيلية ولم تتأثر بالطعام العربي. وتذكر أن الكتاب يعرض مطبخًا ليس إسرائيليًا ولا جيدًا، فخلال تسويقهم للفلافل والحمص والشكشوكة يتناسون أنها أكلات عربية جاء بها يهود عرب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

5 أطعمة ستساعدك في الحصول على نوم هانئ وعميق

المطبخ المغربي.. 5 من أشهى الأكلات الشعبية