03-نوفمبر-2023
جندي إسرائيلي عند حدود قطاع غزة

(Getty) جندي إسرائيلي عند حدود قطاع غزة

بعد مرور ثلاثة أسابيع على العدوان على غزة، بدأ الجمهور الإسرائيلي بالتركيز على قضية واحدة أعطى لها الأولية عن كل القضايا الأخرى، وهي مصير المحتجزين في غزة، ما يعني أنها أصبحت القضية السياسية الرئيسية الآن في دولة الاحتلال.

نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالًا للصحفي الإسرائيلي ميرون رابوبورت، صاحب تحقيق حول سرقة أشجار الزيتون من أصحابها الفلسطينيين، يتناول فيه الخيارات المتاحة أمام نتنياهو في حربه على غزة، لا سيما في ظل تفاعل قضية المحتجزين لدى حركة حماس، حيث يؤكد أنه مع بداية الأحداث كان أقارب المحتجزين، وخاصة "المدنيين" منهم، يتجمعون في تل أبيب وأماكن أخرى، في محاولة للفت الانتباه إلى "محنتهم" في مظاهرات شبه هادئة. ولكن حدث تحوّل نهاية الأسبوع الماضي، حيث بدأت العائلات تطالب بإطلاق سراح المحتجزين بسرعة. وعلى الرغم من أنهم لم يقولوا ذلك علنًا، إلا أنهم ألمحوا إلى أن الهجوم البري على قطاع غزة من شأنه أن يعرض حياة المحتجزين للخطر.

وبعد إعلانهم معارضة الهجوم البري، الذي لن يكون ببساطة مقبولًا لدى الجمهور الإسرائيلي الداعم للانتقام من هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والذي أسفر عن مقتل حوالي 1400 إسرائيلي؛ بدأت عائلات الأسرى تقترح بدلًا من ذلك أن تكون الأولوية لإعادة أبنائهم، قبل انطلاق الهجوم البري المدعوم بالطائرات على غزة.

العدد الدقيق للمحتجزين في غزة لا يزال غير معروف، وتواصل "إسرائيل" مراجعة العدد الإجمالي الذي يرتفع تصاعديًا، وتقول الآن إن هناك 240 محتجزًا، من بينهم 30 جنديًا إسرائيليًا

ويبدو أن هذا قد فرض بعض الضغوط على الجيش، وعلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. 

ورد جيش الاحتلال بالقول إن بدء الهجوم البري هو السبيل لتشجيع حماس على تخفيف شروطها لأي نوع من الصفقات التي ستحدث، على الرغم من أنه لم يحدد أحد نوع الصفقة التي ترغب "إسرائيل" في الوصول إليها.

ووفقًا للجيش الإسرائيلي، فإن هذا هو السبب في أن الهجوم البري الذي بدأ نهاية الأسبوع الماضي كان محدودًا إلى حد ما، حيث لم تصل القوات الإسرائيلية بعد إلى المناطق السكنية أو مدينة غزة نفسها.

ورغم أنه من الصعب أن نرى كيف ستؤدي العملية البرية إلى زيادة الضغوط على حماس لدفعها إلى قبول صفقة أفضل، إلا أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تقبلت على الرغم من ذلك ما قاله لهم الجنرالات.

أما بالنسبة لنتنياهو، فإن انتقادات عائلات الأسرى كانت أكثر شخصية بكثير، وأجبرته على مقابلة بعض ممثليهم يوم السبت الماضي في الاجتماع الذي كان صعبًا للغاية، إذ تحدثت العائلات بعبارات قاسية، واتهمت نتنياهو شخصيًا بالمسؤولية عن "الكارثة" برمتها.

وبعد ذلك، نظمت عائلات المحتجزين مظاهرة صغيرة في تل أبيب، حيث طرحوا مطلبًا جديدًا وهو "الكل مقابل الكل".

ولكن مرة أخرى، لم يحدد أحد ما يعنيه ذلك عمليًا. وفُهم على نطاق واسع على أنه مطلب بتأمين إطلاق سراح جميع المحتجزين في غزة، بما في ذلك الجنود، مقابل إطلاق سراح جميع السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

خرق أبرز المحرمات في "إسرائيل"

يشير رابوبورت إلى أن العدد الدقيق للمحتجزين لدى حركة حماس، والجماعات الفلسطينية الأخرى في غزة، لا يزال غير معروف. وتواصل "إسرائيل" مراجعة العدد الإجمالي الذي يرتفع تصاعديًا، وتقول الآن إن هناك 240 محتجزًا، من بينهم 30 جنديًا إسرائيليًا.

وعندما سئل عن هذا الاحتمال، لم يستبعد نتنياهو مثل هذه المبادلة، قائلًا: "إنها مطروحة على الطاولة"، لكنه رفض الخوض في أي تفاصيل.

فكرة إطلاق سراح جميع السجناء الفلسطينيين، الذين حكم على بعضهم عدة أحكام بالسجن المؤبد بسبب هجمات خلال الانتفاضة الثانية، تثير الاهتمام للغاية بخصوص الموقف الصعب وانعدام الخيارات أمام القيادة في "إسرائيل".

علاوة على ذلك، قال شاؤول موفاز، الذي كان رئيسًا للأركان العسكرية ثم وزيرًا للدفاع خلال الانتفاضة الثانية، إنه يؤيد مثل هذه الصفقة. وكان موفاز نفسه مسؤولًا عن وضع العديد من السجناء البارزين خلف القضبان، والآن ها هو يعلن رسميًا عن ضرورة إطلاق سراحهم.

أهداف متناقضة

بعد هجوم 7 تشرين الأول /أكتوبر على مستوطنات غلاف غزة، كان لدى "إسرائيل" هدف عسكري واحد فقط، هو "سحق حماس"، وفق تعيير الصحفي الإسرائيلي.

أرادت "إسرائيل" الانتصار على حماس بالكامل بأي وسيلة، بما في ذلك ممارسة عملية التهجير، أي عبر إجبار جميع سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة على الرحيل إلى مصر. ولكن الآن، إلى جانب هذا الهدف المتمثل في "تفكيك" حماس، يعتبر إطلاق سراح الأسرى هدفًا رئيسيًا آخرًا للعملية العسكرية، ويبدو أن الهدفين يتناقضان مع بعضهما البعض.

ليس من الواضح كيف يمكنك حقًا الانتصار على حماس، في قتال من منزل إلى منزل، ومن شارع إلى شارع، بينما تأمل في تحرير المحتجزين الإسرائيليين. يتساءل كاتب المقال.

سيكون الأمر صعبًا للغاية، إن لم يكن مستحيلًا. وهذا يضع "إسرائيل" في موقف شديد التعقيد.

أرادت "إسرائيل" الانتصار على حماس بالكامل، وبأية وسيلة كانت، بما في ذلك ممارسة عملية التهجير، أي عبر إجبار جميع سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة إلى الرحيل إلى مصر

كما أنه من المحتمل جدًا أن يؤدي إلى مقتل معظم المحتجزين، الأمر الذي سيكون بمثابة صدمة جماعية للإسرائيليين.

يضاف إلى ذلك حقيقة أن التوجه الرئيسي للهجوم الإسرائيلي حتى الآن كان القصف الجوي المكثف على قطاع غزة، والذي أدى بالفعل إلى مقتل أكثر من 8500 فلسطيني، بما في ذلك أكثر من 3500 طفل.

فيما يدعي الجيش الإسرائيلي أنه قتل حوالي 50 من كبار أعضاء حماس و"المئات" من المقاتلين. وإذا أخذنا هذه المزاعم على محمل الجد فإن عدد الشهداء في صفوف حماس يبلغ نحو 500 شهيد، وهو جزء صغير من عدد الأطفال الذين قتلوا وحدهم.

تغير الموقف الدولي

لا تولي وسائل الإعلام الإسرائيلية الكثير من الاهتمام لكيفية رد فعل العالم على الخسائر الفادحة في الأرواح في غزة، لكن ينبغي لها أن تفعل ذلك. ربما يتغير الرأي العام. وقد شهدت الولايات المتحدة وبريطانيا، وأماكن أخرى في أوروبا، وكذلك تركيا، وفي مختلف أرجاء العالم العربي، مظاهرات حاشدة مؤيدة للفلسطينيين.

في هذه الأثناء، بدأت لغة المسؤولين الغربيين تتغير: فقد بدأ مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، على سبيل المثال، في حث "إسرائيل" علنًا على حماية أرواح المدنيين في غزة، وهو تحول ملحوظ بالنظر إلى مدى قرب إدارة بايدن من "إسرائيل" منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

ولا يتزايد الضغط على إسرائيل من الغرب فحسب، بل من داخل العالم العربي أيضًا. بالإضافة إلى زيادة الهجمات من لبنان وسوريا واليمن.

الأثر العكسي للحرب على حلفاء الولايات المتحدة

إن الهجوم البري الضخم يهدد أيضًا بزعزعة استقرار حكومتي مصر والأردن، وهذا يشكل مصدر قلق عظيم للولايات المتحدة، التي تهتم بمصير حلفائها الاستراتيجيين في القاهرة وعمان أكثر من اهتمامها بأهل غزة. بحسب طرح الصحفي الإسرائيلي.

مع هذه الأسباب، لا يبدو أن الهجوم البري الشامل محتمل للغاية. إن استمرار الحرب كما هي، قصف وعمليات برية محدودة وربما تقسيم القطاع إلى قسمين والوصول إلى مشارف مدينة غزة، قد يكون الخيار الأمثل.

ولكن ما مدى استدامة ذلك على المدى الطويل؟ إذا ما وضعنا في الحسبان أن عدد الشهداء سوف يتجاوز عتبة العشرة آلاف، وسوف تتزايد الضغوط الدولية.

تداعيات الحرب على الوضع الداخلي والاقتصاد الإسرائيلي

لقد وُعد الإسرائيليون بحرب طويلة، على الأقل بضعة أشهر. ويستعد جنود الاحتياط العسكريون لهذا الاحتمال.

ومع ذلك، لن يكون من السهل مواصلة الحرب، من دون التأثير على الاقتصاد الإسرائيلي، حيث ومن المتوقع أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 11% في هذا الربع بعد الحرب. وإذا استمر الوضع لعدة أشهر، فإنه بالطبع سيصبح أسوأ بكثير. يمكن للصناعات الرئيسية مثل التكنولوجيا المتقدمة سحب استثماراتها والموظفين.

يشير الصحفي الإسرائيلي إلى تداعيات الحرب داخل مناطق 48، حيث يقول إن تلك المناطق لم تشهد اضطرابات كالتي شهدناها عام 2021، عندما اندلعت أعمال عنف في المدن المختلطة بين الفلسطينيين واليهود، بسبب الحرب على غزة، إلا أن هناك توترات داخلية خطيرة. حيث ستقوم "إسرائيل" بطرد المواطنين الفلسطينيين، الذين يشكلون 20% من السكان، من أماكن عملهم والجامعات التي يدرسون فيها.

وفي بعض الأحيان، يتم استهدافهم بسبب تعبيرهم عن تعاطفهم مع سكان قطاع غزة الذين يتعرضون للهجوم، ويتم ملاحقتهم بشكل متزايد لمجرد أنهم عرب.

واقتحمت حشود من الإسرائيليين، السبت، سكنًا جامعيًا في نتانيا، يقيم فيه طلاب فلسطينيون، وهتفوا "الموت للعرب".

وفي الوقت نفسه، وعدت السلطات الإسرائيلية بتسليم 10 آلاف قطعة سلاح للمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة، وتخفيف اللوائح المفروضة على المدنيين للحصول عليها في "إسرائيل" أيضًا.

هذه التوترات لديها القدرة على أن تكون مدمرة للاقتصاد. يؤدي المواطنون الفلسطينيون في "إسرائيل"، ناهيك عن العمال من الضفة الغربية، العديد من الخدمات الأساسية. وحوالي ثلث أطباء "إسرائيل" هم من الفلسطينيين.

وإذا أخذنا كل هذه الاعتبارات، هل تستطيع "إسرائيل" حقًا مواصلة حربها لعدة أشهر متواصلة؟

لا عودة إلى الوضع الراهن

تشير كل الأمور إلى أن النهاية المثالية لنتنياهو ستكون بالعودة إلى 6 تشرين الأول/ أكتوبر، وإعادة إحياء الوضع الراهن مع حماس من خلال وقف إطلاق النار.

على مدى ثلاثة عقود، راهن رئيس الوزراء على منع قيام دولة فلسطينية من خلال فصل الضفة الغربية عن غزة، وتأليب حماس ضد فتح.

ولكن بقاء حماس في غزة أمر غير مقبول على الإطلاق بالنسبة للجمهور الإسرائيلي. وحتى لو أراد نتنياهو ذلك، فمن المرجح أنه لن يتمكن من تحقيقه. ومن المؤكد أنه أكثر شخص مكروه في "إسرائيل" خلال الوقت الحالي، حيث يعتبر مسؤولًا عن أكبر كارثة شهدتها البلاد منذ عام 1973.

التدخل الدولي

"إسرائيل" عالقة بين الرغبة في إبقاء المحتجزين على قيد الحياة من خلال الامتناع عن القيام بعمليات برية كبرى، والسعي إلى مواصلة حملة القصف العنيف، ومحاولة إخراج حماس من غزة.

لقد أصبحت الحرب على غزة بالفعل إلى حد ما صراعًا دوليًا أكثر بكثير من الانتفاضة، أو الحروب السابقة على قطاع غزة.

سافر العديد من رؤساء الدول إلى "إسرائيل" بعد اندلاع الحرب. ويرى البعض أن الصراع بات على غرار حرب أوكرانيا، وحرب الولايات المتحدة الباردة مع روسيا والصين.

فجأةً، أصبح هناك إلحاح في المجتمع الدولي بشأن التوصل إلى حل بين "إسرائيل" وفلسطين، وهو ما كان مفقودًا خلال العقدين اللذين أعقبا فشل قمة كامب ديفيد.

يبدو أن واشنطن، أو على الأقل إدارة جو بايدن، لم تعد مقتنعة بأن الإسرائيليين قادرين على إدارة الصراع بمفردهم.

ومن هنا، ربما نرى نوعًا ما من قوة دولية في غزة (وربما حتى قوة عربية) كوسيلة للخروج من الحرب، وتكون مقبولة لدى "إسرائيل"، فضلًا عن الفلسطينيين، وربما حتى لدى حماس.

وهناك طريق آخر أكثر شرًا بكثير: القتال المطول، ومحاولة طرد جميع الفلسطينيين من غزة، وعشرات الآلاف من القتلى. وقد يؤدي ذلك إلى صراع إقليمي يشمل حتى الأردن ومصر، وربما يهدد وجود "إسرائيل" ذاته.

إن مثل هذه السيناريوهات الأسوأ حقيقية للغاية، ولا ينبغي لنا أن نتجاهلها. كما يقول صاحب المقال.

ولكن ربما لهذا السبب، هناك أمل بأن يتدخل المجتمع الدولي قبل أن يتكشف الأسوأ.