04-مارس-2018

من أنشطة النادي

كان التّعليم أكثر الحقول، التي راهن عليها الاحتلال الفرنسي (1830 ـ 1962) لفرنَسَة ملامح الهوية الوطنية الجزائرية، وراهنت عليه حكومات الاستقلال الوطني في استرجاع تلك الملامح، من خلال جملة من القرارات والمساعي، يأتي في مقدّمتها جعل التعليم المجّاني حقًّا دستوريًا لكلّ طفل يبلغ سنّ السّادسة.

كان التّعليم أكثر الحقول، التي راهن عليها الاحتلال الفرنسي (1830 ـ 1962) لفرنَسَة ملامح الهوية الوطنية الجزائرية

أدّت تلك القرارات والمساعي إلى رفع عدد المتمدرسين والمعلّمين والكوادر المسيّرة لقطاع التّربية والتّعليم في الجزائر، حيث بات عددهم مجتمعين عشرة ملايين، أي ربع إجمالي عدد السكّان تمامًا.

اقرأ/ي أيضًا: الكاتب السوداني عبد الغني كرم الله في الزنزانة

غير أنّ أصواتًا كثيرة باتت تشير إلى تدنّي مستوى التّعليم، وتعتبر المكاسب البيداغوجية المحققة فيه غير مجدية في ظلّ تدنّي المضمون العلمي والمعرفي، مرجعةً ذلك إلى جملة من الأسباب الموضوعية، منها تراجع العناية بتكوين المعلّمين، من طرف المنظومات المعنية بذلك، وانتشار ثقافة الاستسهال في أوساط المعلّمين والجامعيين، إذ تبلغ نسبة المقروئية في أوساطهم 0.87 بالمئة، حسب بعض الدّراسات.

أثّر هذا الواقع خلال السّنوات الأخيرة في صورة المعلّم الجزائري، الذي انضمّ إلى قائمة الأشخاص، الذين طالهم التّنكيت عليهم من طرف الشّارع الجزائري، "ذلك أن التّنكيت على شريحة معيّنة في مجتمع معيّن دليل على تشوّه صورتها في نظر مجتمعها أو هو محاولة لتشويهها لأغراض سياسية موجّهة، ونستطيع أن نفهم على ضوء هذا كيف بات بعض المعلّمين يُضربون على أيدي التّلاميذ أو أوليائهم"، يقول الباحث في علم الاجتماع الثقافي محمّد بن زيان.

تجاوزًا لهذا الواقع ونفيًا لهذه الصّورة، بادرت نخبة من الأساتذة والمعلّمين في مدينة عين وسّارة، 200 كيلومتر إلى الجنوب من الجزائر العاصمة، إلى إطلاق "نادي الأستاذ للمطالعة"، تحت شعار "أستاذي يقرأ فهو قدوتي". حيث يلتقي الأساتذة والمعلّمون ظهيرة كلّ سبت، لمناقشة كتاب يختاره أحدهم، في حوار مفتوح على السؤال العلمي والأدبي والمعرفي.

يقول رئيس النّادي مولود إمسعودان إن مشروع النّادي كان ثمرة لإنجاز مكتبة مدرسية عام 2013، "حيث نطالب القرّاء الصّغار بتقديم ملخصات صغيرة للمعنى الإجمالي للقصّة، ولقيمها الإنسانية المختلفة، وكنّا ننوّع ونجتهد في طرق وآليات التعامل مع القراءة والقرّاء وكيفية تناول الكتب في كلّ مرّة".   

ومن زاوية خاصة، يقول محدّث "الترا صوت"، أردنا أن يكون من ضمن الأهداف المستقبلية للنادي الانتقال من تجربة القراءة إلى تجربة الكتابة وضرورة اكتشاف موهبة الإبداع وسط أفراد النادي. وهكذا تبلورت عملية القراءة بالقدوة والاستعانة بحضور القرّاء الصغار من حين لآخر حتى تنتقل إليهم مهارة التفكير والنقاش وإبداء الآراء والتموقع الإيجابي ضمن مجموعة معينة، وصقل الشخصية بمهارات الخطابة وقوة التأثير وفنّ التواصل مع الغير.

ويضيف رئيس النّادي أن وزارة التّربية لم تقصّر في التّكوين، من خلال ترتيبها ثلاثة محاور أساسية هي التحوير البيداغوجي والتكوين الحقيقي والفعّال وتفعيل تكنولوجيات الإعلام والاتصال والمناجمنت في الحقل التربوي، "إلاّ أنّ مجال المعرفة أوسع وأعمق ومفتوح الأبعاد، وعلى رجل التّربية أن يؤمن بالتّكوين الذّاتي ليواكب المستجدات في مجال البحث العلمي والعلوم الإنسانية".

من جهته يقول الكاتب وعضو النّادي مسعود قايدي إنّ اكتفاء رجل التّربية بالمقرّر المدرسي يجرّه بالتّراكم إلى التكلّس والتقوقع، "ممّا يجعله عاجزًا عن مواكبة نفسية وذهنية تلميذه، وما يستجدّ حوله من علوم وأفكار، فيصبح عاجزًا عن فهم الجديد ناهيك عن تقديمه". يضيف: "إذا كان هناك إنسان مطالب بتجديد معارفه يوميًا، بعد نيل الشّهادة الجامعية، فهو المعلّم والطّبيب".

مسعود قايدي: اكتفاء رجل التّربية بالمقرّر المدرسي يجرّه بالتّراكم إلى التكلّس والتقوقع

اقرأ/ي أيضًا: شريفة القيادي.. رحيل بطعم بؤس الواقع اللّيبي

عن طبيعة الكتب، التي يتمّ تناولها في جلسات النّادي، يقول مسعود قايدي إنها متنوّعة ومفتوحة على السؤالين العلمي والأدبي في الوقت نفسه، "فقد تناولنا على سبيل المثال رواية "1984" لجورج أورويل، و"فصول من الكتابة العلمية الحديثة" لريتشارد دوكنز، ومذكرات مالك بن نبي، و"قواعد العشق الأربعون" لإليف شافاق، و"رحلتي من الشّك إلى الإيمان" لمصطفى محمود، و"مذكّرات قارئ" لمحمّد حامد الأحمري". يختم: "كيف يعلّم من لا يقرأ؟".

 

اقرأ/ي أيضًا:

إدموند وايت.. جائزة القلم/سول بيلو للإنجاز المهني

مسابقة شعرية لمدح المسجد الأعظم في الجزائر.. سخرية النّخبة