10-يناير-2021

هاجم الزعيم الكوري الشمالي جو بايدن بشكل غير مباشر (Getty)

شهد المؤتمر الثامن لحزب العمال الماركسي الحاكم في كوريا الشمالية برئاسة الزعيم كيم جونغ أون إعلان الشمال عن سياسته الاقتصادية والدفاعية للسنوات الخمس القادمة، مهاجمًا إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بوصفه الولايات المتحدة "العدو الأكبر" لبلاده، وذلك قبل نحو 15 يومًا من تولي إدارة بايدن الديمقراطية مهامها رسميًا في البيت الأبيض، في خطوة وصفها المحللون بأنها رسالة مباشرة لإدارة بايدن تعكس موقف بيونغ يانغ السياسي من الإدارة الأمريكية القادمة.

أمام حشد يزيد عن ستة آلاف عضو حضروا المؤتمر الذي يرأسه الزعيم الشمالي للمرة الثانية منذ توليه منصبه رئيسًا للبلاد في عام 2011، جدد الزعيم الأعلى لكوريا الشمالية مهاجمة الولايات المتحدة

جونغ أون يدعو لـ"ردع وإخضاع" واشنطن

أمام حشد يزيد عن ستة آلاف عضو حضروا المؤتمر الذي يرأسه الزعيم الشمالي للمرة الثانية منذ توليه منصبه رئيسًا للبلاد في عام 2011، جدد الزعيم الأعلى لكوريا الشمالية مهاجمة الولايات المتحدة بالتأكيد على أن أنشطة بلاده يجب أن ينصب تركيزها في السياسة الخارجية مستقبلًا على "إخضاع الولايات المتحدة" بوصفها "العقبة الأساسية والعدو الأكبر" الذي يقف في وجه "التطور الثوري" للشمال، مطالبًا مسؤولي الشمال بـالسعي الحثيث لبناء طاقة نووية.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا لو اندلعت الحرب ضد كوريا الشمالية؟.. سيناريو مُتخيّل لكارثة محتملة

واعتبر جونغ أون في كلمته أن السياسة العدائية للولايات المتحدة اتجاه بلاده ارتفعت خلال الفترة الأخيرة، رغم ممارسة ما وصفه بـ"أقصى درجات الصبر" لنزع فتيل التوتر المتصاعد في شرق آسيا، وتخلل المؤتمر دعوة الزعيم الشمالي لتعزيز القدرات الصاروخية لبلاده ما يجعلها تصيب الأهداف على مسافة 15 كم، في إشارة لأن يصبح البر الرئيسي للولايات المتحدة تحت مرمى هذه الصواريخ.

ونقلت وكالة الأنباء المركزية في البلاد أن الزعيم الكوري الشمالي أكد خلال كلمته في اليوم الأخير على أن بلاده انتهت من التصميم البحثي لغواصة نووية جديدة، لافتًا إلى أن الغواصة دخلت في عملية المراجعة النهائية، وأشارت الوكالة في تقريرها إلى أن "الواقع يظهر أننا بحاجة لتعزيز قدرات الدفاع الوطني دون لحظة تردد لردع التهديدات النووية للولايات المتحدة ولإحلال السلام والازدهار في شبه الجزيرة الكورية".

وكان جونغ أون الذي تحدث في الكلمة الافتتاحية لمؤتمر العمال – عُقد على مدار ثلاثة أيام اعتبارًا من يوم الثلاثاء الماضي – قد تطرق لفشل الخطة الخمسية التي أقرت في عام 2016 لانعاش اقتصاد البلاد المتراجع بفعل العقوبات الأمريكية – الأممية المشتركة على الشمال بسبب سياستها النووية، وقال الزعيم الشمالي إنه "على الرغم من انتهاء فترة تنفيذ الاستراتيجية الخمسية للتنمية الاقتصادية الوطنية في العام الماضي، فإن جميع القطاعات تقريبًا قد فشلت في تحقيق الأهداف المحددة".

ولعل من أبرز القرارات التي اتخذها الزعيم الشمالي خلال المؤتمر تعيين شقيقته الصغرى كيم يو جونغ كعضو بالتناوب في المكتب السياسي لحزب العمال الحاكم، إلى جانب إصدار قرار بترقية عشرات المسؤولين وفقًا لما ذكر موقع ديلي بيست الأمريكي، مشيرًا إلى أن القائمة ضمت 29 مسؤولًا من أصل 39 مسؤولًا في المجلس الداخلي للحزب المسؤول عن تنفيذ أوامر الزعيم، بمن فيهم يو جونغ التي تقود هيئة التنظيم والإرشاد، ووصف الموقع الأمريكي التعيينات الأخيرة بأنها "حركة تطهير".

هاجم بايدن بصورة غير مباشر ة

تجنب جونغ أون فيما يبدو توجيه الانتقادات للإدارة الأمريكية القادمة في الجلسات التي استبقت الجلسة الختامية للمؤتمر، لكنه في كلمته الختامية أشار بصورة غير مباشرة لموقفه من إدارة بايدن القادمة دون أن يذكرها بالاسم عندما قال "أيًا يكن الشخص الموجود في السلطة (في الولايات المتحدة)، فإن الطبيعة الحقيقية لسياسته ضد كوريا الشمالية لن تتغير أبدًا"، بعدما كان وصف بايدن في وقت سابق بأنه "كلب مسعور" ليرد بايدن على جونغ أون بالقول إنه "بلطجي".

وفشلت الاجتماعات الثلاثة التي نظمت خلال الأعوام الأربعة الماضية بين الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب من طرف، والزعيم الشمالي من طرف آخر، مما دفع ببيونغ يانغ لإعلان عودتها إلى تطوير ترسانتها النووية التي أوقفتها أثناء المفاوضات مع واشنطن، وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي كشفت بيونغ يانغ خلال عرض عسكري عن صاروخ باليستي عابر للقارات محمولًا على عربة نقل لها نحو 22 عجلة.

ولم يظهر الزعيم الشمالي في كلمته أنه يريد التخلي عن سياسته النووية بعدما أكد على ضرورة زيادة تطوير التكنولوجيا، ومنذ تولي جونغ أون منصب الرئيس كوريا الشمالية النسبة الأكبر من مواردها لتعزيز ترسانتها النووية وتطوير الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وتشير التقارير إلى أن البرنامج النووي الشمالي حقق تقدمًا سريعًا منذ صعود جونغ أون إلى هرم السلطة، والتي تخللها تنفيذ أكبر تفجير نووي في تاريخها حتى الآن، والإعلان عن امتلاك صواريخ باليستية تصل للبر الأمريكي.

ويرى الدبلوماسي والمبعوث الأمريكي السابق لشرق آسيا كورت كامبل أن أحد أبرز التحديات الرئيسية التي يمكن أن تواجه السياسة الخارجية لإدارة بايدن تكمن في السياسة التي ستنتهجها الإدارة الديمقراطية بشأن كوريا الشمالية، في الوقت الذي أكد بايدن خلال حملته الانتخابية للرئاسة الأمريكية بأنه على استعداد للقاء الزعيم الشمالي إذا ما وافقت بيونغ يانغ على تقليص قدراتها النووية، مشترطًا أن شبه الجزيرة الكورية منطقة خالية من السلاح النووي.

ودائمًا ما تصف بيونغ يانغ المناورات العسكرية الأمريكية – الكورية الجنوبية المشتركة بأنها تدريب على غزو الشمال، بما في ذلك طلعات الاستطلاع التي تنفذها الولايات المتحدة عبر الطائرات بدون طيار قرب شبه الجزيرة الكورية، فضلًا عن القواعد التي تضم القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية، والتي تنظر إليها بيونغ يانغ على أنها دليل واضح على السياسة العدائية اتجاهها من قبل واشنطن وسيول، وهو ما ينفيه الطرفان بشكل متكرر.

الشمال يواجه صعوبات "غير مسبوقة"

ينعقد المؤتمر الثامن لحزب العمال، والذي ينظر إليه على أنه أعلى هيئة لصنع القرار داخل الحزب الماركسي في وقت يواجه جونغ أون أصعب فترة منذ توليه السلطة قبل تسعة أعوام، بعدما تأثر اقتصاد البلاد المنكمش أساسًا بثلاثة عوامل أساسية، برز في مقدمتها إغلاق الحدود مع الصين بسبب فيروس كورونا الجديد، الأمر الذي أدى لتراجع التجارة الخارجية لبيونغ يانغ، فضلًا عن الكوارث الطبيعية من أعاصير وفياضنات التي ضربت البلاد العام الماضي، والتي عقدت من تجاوزها العقوبات الاقتصادية التي تقودها الولايات المتحدة.

وكان جونغ أون قد وصف الصعوبات التي تواجهها بيونغ يانغ في الوقت الراهن بأنها "غير مسبوقة"، قبل أن يعترف بفشل الخطة الاقتصادية التي أقرت قبل خمسة أعوام، بعدما أدت الاختبارات الصاروخية المتزايدة لفرض الولايات المتحدة المزيد من العقوبات على كوريا الشمالية، والتي شملت الصادرات الرئيسية للبلاد بما في ذلك الفحم والمأكولات البحرية والصناعات النسيجية إلى تقليص الواردات النفطية.

واعتبر الرئيس التنفيذي لمؤسسة كوريا ريسك غروب للبيانات والتحليل اتتشاد أوكارول أنه من غير المرجح أن تعمل الخطة الجديدة على تجاوز التدهور المتزايد لاقتصاد الشمال، مما يجعل من الصعب على جونغ أون الوفاء بوعوده، مشيرًا إلى عدم وجود "اهتمام واضح بالاصلاح أو تخفيف العقوبات أو انفتاح الاقتصاد"، فيما رأى الأستاذ في جامعة إيها في سيول ليف إريك إيسلي أن الزعيم الشمالي "من غير المرجح أن يعدل السياسات (الخارجية) لتلقي المساعدة".

وبحسب عديد التقارير التي راقبت مؤتمر حزب العمال الحاكم فإن الخطة الخمسية التي أعلن عنها جونغ أون تضمنت قائمة طويلة من الخطوات لتوسيع كل فئة من الصناعات تقريبًا، بدءًا من إنتاج المعادن والكيماويات وصولًا إلى تعدين الفحم، والسياحة، والسكك الحديدية الحديثة، وتعزيز النقل العام، فضلًا عن وضع استراتيجية للاستثمار في محطات المد والجزر والطاقة النووية.

ونقلت وكالة رويترز البريطانية أن الخطة الخمسية الجديدة تشمل الاستثمار في "المباني الخالية من الكربون والمباني الخالية من الطاقة بما يتماشى مع الاتجاهات العالمية للتنمية المعمارية"، كما وضع الزعيم الشمالي مخطط لبناء ما لا يقل عن 50 ألف شقة في العاصمة بيونغ يانغ، ونحو 25 ألف شقةأخرى في منطقة كومدوك التي تضم عمليات التعدين الرئيسية، فضلًا عن مطالبته بقدرة إنتاج تصل لثمانية ملايين طن من الإسمنت لدعم مشاريع البناء الكبيرة.

الترسانة النووية للشمال خلال السنوات الماضية

يقول جون هرسكوفيتز في تقرير نشر في موقع وكالة بلومبيرغ الأمريكي إن التطورات الأخيرة داخل شبه الجزيرة الكورية تشير إلى أن الشمال أصبح "أكثر خطورة وأكثر اعتمادًا على النفس"، نظرًا لامتلاكه ما لا يقل عن ثلاثة صواريخ باليستية عابرة للقارات، ولديها القدرة على حمل رؤوس حربية نووية يمكنها إصابة أي مدينة تقع داخل البر الرئيسي للولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن الترسانة النووية للشمال شهدت تطورًا كبيرًا خلال السنوات الأربع الماضية.

فقد نفذت بيونغ يانغ تجربة لقنبلة هيدروجنية معدة لتوضع على صواريخ بعيدة المدى في عام 2017، وصفتها تقارير غربية بأنها أقوى بعشر مرات من القنبلة التي أسقتطتها الولايات المتحدة على مدينة هيروشيما اليابانية في الحرب العالمية الثانية في عام 1945، وبحسب هرسكوفيتز فإن بيونغ يانغ أصبحت لديها القدرة على إنتاج يورانيوم مخصب بنسبة عالية، إضافة لإمكانية إنتاج الوقود الاندماجي الذي يحتاجه الديوتيريوم–والتريتيوم كمتفاعل أساسي لصناعة القنابل الهيدروجينية، ويقول خبراء أمميون إن كوريا الشمالية "طورت على الأرجح أجهزة نووية مصغرة لتناسب الرؤوس الحربية لصواريخها الباليستية".

إلى جانب ذلك، أقدمت بيونغ يانغ على عرض نماذج مختلفة من ترسانة الصواريخ الباليستية التي تمتلكها، والتي أظهرت وجود نوعين منها على الأقل، والتي تتضمن صواريخ أكبر حجمًا وأكثر قوة أو صواريخ صغيرة الحجم مما يسهل عليها الحركة والطيران، ويشير هرسكوفيتز إلى أن بيونغ يانغ أطلقت في أحد تجاربها صاروخًا باليستيًا يعتقد أنه أكبر صاروخ قادر على حمل رؤوس حربية متعددة في العالم، إضافة لاختبارها صاروخ من طراز بوكغوكسونغ العابر للقارات، إضافة لتنفيذ اختبارات على مجموعة من الصواريخ من طراز KN-23 التي تفوق سرعة الصوت.

كما أن بيونغ يانغ أظهرت في الاستعراض العسكري الذي حضره جونغ أون في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، قدرتها على إنتاج معدات عسكرية مختلفة، والتي تندرج ضمنها أنظمة الدفاع الجوي المضادة للطائرات، والمعدات الخاصة بالأسلحة الكيميائية، إضافة للبنادق المخصصة لجيشها المؤلف من مليون رجل، ويرى المحللون أن قاذفات الصواريخ المحمولة على شاحنات التي عرضتها بيونغ يانغ خلال الفترات السابقة، تدل على أن صناعة الشاحنات المخصصة لحمل مثل هذه الصواريخ الثقيلة حققت تقدمًا كبيرًا، من المفترض أن يكون لها أثر على بدء بيونغ يانغ صناعة المركبات القتالية الجديدة.

 بيونغ يانغ طورت من بحوثها العسكرية خلال الأعوام الأربعة الماضية، بعدما أظهرت تكيفها مع التكنولوجيا المتطورة في الدول الأجنبية لتكون مناسبة لاحتياجاتها الخاصة

ويختم هرسكوفيتز تقريره الذي نشر مع نهاية العام الماضي إلى أن بيونغ يانغ طورت من بحوثها العسكرية خلال الأعوام الأربعة الماضية، بعدما أظهرت تكيفها مع التكنولوجيا المتطورة في الدول الأجنبية لتكون مناسبة لاحتياجاتها الخاصة، وفيما ينظر إلى منظومة الصواريخ KN-23 على أنها صواريخ معدلة عن صاروخ إسكندر الروسي، وهو صاروخ باليستي قصير المدى، فإن الصاروخ الباليستي الذي أعلن عنه في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، هو صاروخ من تصميم بيونغ يانغ، وهو تطور ملحوظ بالنظر لاعتمادها سابقًا على تطوير صواريخ سكود المستوردة، أو من خلال مساعدة العلماء الباكستانيين لمساعدتها على تخصيب اليورانيوم.