24-ديسمبر-2020

مستقبل غامض لأزمة شرق المتوسط (Getty)

مع نهاية العام الحالي، واقتراب الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، من تولي منصبه رسميًا في العشرين من كانون الثاني/ يناير المقبل، ستجد الدول الفاعلة في ملف أزمة شرق البحر المتوسط، والمتصارعة حول ثرواته، نفسها أمام واقع جديد، تُحدد ملامحه سياسات الإدارة الأمريكية المرتقبة تجاه هذا الملف الذي من المتوقع أن يكون على رأس أولوياتها، باعتباره أحد أهم مصادر التوتر بين حلفائها في حوض المتوسط خلال العام الذي يشارف على نهايته.

مع نهاية العام الحالي ستجد الدول الفاعلة في ملف أزمة شرق البحر المتوسط نفسها أمام واقع جديد، تُحدد ملامحه سياسات الإدارة الأمريكية المرتقبة

قنبلة موقوتة

تصدرت الأزمة القائمة في منطقة شرق المتوسط المشهد العام الحالي، بعد أن وصلت حدة الخلافات بين الدول المتنازعة حول حدودها البحرية في المنطقة، وهي تركيا واليونان وقبرص اليونانية ومصر وإسرائيل، إلى مستويات غير مسبوقة، وضعت المنطقة على شفير مواجهة عسكرية مفتوحة، لا سيما بين أثينا وأنقرة، على خلفية عمليات التنقيب عن النفط والغاز في المياه المتنازع عليها بين الطرفين.

اقرأ/ي أيضًا: ملف شرق المتوسط.. تعقيدات تزيد من احتمالات التصعيد

وكانت المنطقة المقدّر احتياطي الغاز الطبيعي فيها بنحو 122 تريليون متر مكعب، بالإضافة إلى 107 مليارات برميل من النفط الخام، وفقًا لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية؛ قد تحولت خلال الأشهر القليلة الماضية إلى قاعدة عسكرية، بعد أن ازدحمت بالسفن الحربية اليونانية والتركية والفرنسية، إذ عززت باريس من تواجدها العسكري في المنطقة دعمًا لليونان، وتحسبًا لأي مواجهة محتملة بين الدولتين العضوين في حلف شمال الأطلسي.

في المقابل، واصلت أنقرة عمليات التنقيب عن النفط والغاز في المياه المتنازعة عليها مع اليونان وقبرص، مستندةً في تحركاتها إلى الاتفاق الذي توصل إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فايز السراج، نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، حول تحديد المجالات البحرية والجوية بين الدولتين، وضبط حدود الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية بينهما، الأمر الذي وفّر لأنقرة أرضية قانونية لصراعها مع اليونان والدول المتحالفة معها شرق المتوسط.

ساهمت الاتفاقية بين أردوغان والسراج في رفع وتيرة التوترات في منطقة حوض شرق المتوسط، إذ اعتُبرت أولى الردود إعلان دول مصر واليونان وقبرص اليونانية وإسرائيل وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية، تأسيس ما يُعرف بـ "منتدى غاز شرق المتوسط"، وهو تحالف اقتصادي الغاية المعلنة منه إنشاء سوق إقليمية للغاز، وترشيد كلفة البنية التحتية وتقديم أسعار تنافسية، فيما اعتبرته أنقرة تحالفًا سياسيًا واقتصاديًا يهدد أمنها القومي ومصالحها الاقتصادية، ومحاولة قائمة على دوافع سياسية لإخراجها من معادلة الطاقة شرق المتوسط.

رأت دول المنتدى، تحديدًا مصر وإسرائيل واليونان، في الاتفاقية التركية - الليبية محاولة شرعية وقانونية لإفشال مساعيها شرق المتوسط، الأمر الذي استدعى ردًا من قبلها على الاتفاقية التي قطعت المتوسط من الشمال إلى الجنوب تمثل في توقيع القاهرة وأثينا، في السادس من آب/أغسطس الفائت، اتفاقية تقضي بترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة لكلٍ منهما في البحر المتوسط، وذلك في محاولة لإفراغ اتفاقية أردوغان والسراج من مضمونها، وإعادة حصر أنقرة في مساحة ضيقة لا تتناسب مع مساحة سواحلها التي تعد الأطول مقارنةً بالدول المتحالفة ضدها.

فاقمت الاتفاقية بين مصر واليونان من الأزمة القائمة شرق المتوسط، واعتُبرت بمثابة الشرارة الأولى للتصعيد الذي تلاها، حيث صعّدت أنقرة من موقفها عبر مواصلتها عمليات التنقيب في المنطقة، واعتبارها الاتفاقية الأخيرة لاغية وباطلة، وتعهدها بإفشال أي مبادرة لا تكون جزءًا منها، بالإضافة إلى إرسالها عدة سفن حربية لتُرافق سفن التنقيب قبالة شواطئ قبرص اليونانية، الأمر الذي ردت عليه أثينا بالمثل، تزامنًا مع إعلانها إجراء تدريبات عسكرية بينها وبين باريس قبالة جزيرة كريت، وهو ما دل حينها على أخذ الأزمة منحىً مختلفًا أشد خطورة، استدعى تدخل حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي للتهدئة بين الطرفين.

وإذا كانت المساعي الأوروبية قد نجحت في خفض وتيرة التصعيد بين الطرفين، إلا إنها فشلت في إنهاء حالة الصراع القائمة بينهما، في ظل فشلها في الضغط على أثينا للقبول بمحاورة أنقرة، وعجزها عن ثني الأخيرة عن مواصلة عمليات التنقيب في المنطقة، وسط تحيز واضح لليونان، ترجمه الاتحاد الأوروبي في العاشر من كانون الأول/ديسمبر الجاري، عبر إعلان قادته فرض عقوباتٍ على تركيا بسبب أنشطة التنقيب في المياه المتنازعة عليها، والتصرفات التي وصفها المتحدث باسم المجلس الأوروبي بـ "العدوانية" وغير القانونية تجاه نيقوسيا وأثينا.

مستقبل أزمة شرق المتوسط بيد الإدارة الأمريكية المرتقبة

الملفت في إعلان دول الاتحاد الأوروبي فرض عقوباتٍ على تركيا، هو الانقسامات التي ظهرت فيما بينها حول هذا الموضوع، إذ إن المقاربة الفرنسية التي تقضي بفرض عقوبات مشددة على أنقرة، وجدت معارضة واسعة بين بقية الدول المشاركة في الاجتماع، لا سيما بالنسبة إلى المجر وبلغاريا اللتين أصرتا على الحفاظ على علاقاتهما التجارية مع تركيا، مقابل إظهار إيطاليا وإسبانيا ومالطا مواقف بدت شبيهة بموقفهما لاعتباراتٍ مختلفة، منها التعاون بينها وبين أنقرة فيم جالات عدة تشمل الطاقة والتجارة والصناعات العسكرية، وهو ما يفسر نوعية العقوبات المفروضة على أنقرة، والتي تعتبر أقل من متوسطة، بالإضافة إلى تأجيل عملية تنفيذها حتى آذار/ مارس المقبل.

في المقابل، بدا أن هذه الدول تنتظر ما ستؤول إليه الأمور في المنطقة بعد تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب جو يبايدن، خصوصًا وأنها تعول عليه لحل ملفاتٍ مختلفة، تتصدرها أزمة شرق المتوسط التي بات من الواضح أنها قد تؤدي إلى انقساماتٍ واسعة داخل حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي في آنٍ معًا، نظرًا لكون تركيا واليونان عضوين في الحلف من جهة، وأن غالبية دول الاتحاد تسعى إلى الحفاظ على علاقاتٍ جيدة مع أنقرة من جهةٍ أخرى.

وعلى الطرف الآخر، تعقد الدول المتحالفة ضمن "منتدى غاز شرق المتوسط"، آمالًا واسعة على إدارة بايدن لوقف ما تصفه بـ "الاستفزازات" التركية شرق المتوسط، بعد أن فشلت تهديدات الإدارة الأمريكية الحالية، بالإضافة إلى عقوبات الاتحاد الأوروبي، في ثنيها عن مواصلة عمليات التنقيب في المنطقة.

فاقمت الاتفاقية بين مصر واليونان من الأزمة القائمة شرق المتوسط، واعتُبرت بمثابة الشرارة الأولى للتصعيد الذي تلاها

وتسعى هذه الدول إلى استثمار مواقف بايدن من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لتحقيق ما فشلت في تحقيقه خلال عهد دونالد ترامب، إذ تشير توقعات مختلفة إلى أن العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا قد تشهد تدهورًا متصاعدًا في عهد بايدن، خصوصًا وأن الأخير كان قد دعا خلال حملته الانتخابية إلى دعمة المعارضة التركية لإسقاط حكم أردوغان، الأمر الذي يجعل من مستقبل الأزمة القائمة في شرق المتوسط مرتبطًا بموقف بايدن منها، وطريقته في معالجته، وكيفية تعاطيه مع أطرافها. إذ إن الانحياز إلى طرفٍ على حساب آخر، قد يجر المنطقة إلى مواجهة عسكرية مفتوحة، خصوصًا وأن أنقرة كانت قد أبدت خلال هذا العام استعدادها إلى اللجوء لكافة الخيارات المتاحة أمامها، بما في ذلك العسكرية، لحماية مصالحها وحقوقها في موارد الطاقة شرق المتوسط، الأمر الذي يترك احتمالات التصعيد مفتوحة خلال العام المقبل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 مصر تفاوض مجلس طبرق لتوقيع اتفاقية بحرية في المتوسط.. ما علاقة تركيا؟