14-سبتمبر-2020

من عمليات التنقيب عن الغاز شرق المتوسط (Getty)

تصاعدت حدة الخلافات التركية اليونانية في الآونة الأخيرة، رغم كون تركيا واليونان عضوين  أساسيين في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهما في الوقت ذاته الخصمان التقليديان في شرق البحر المتوسط. ووصلت الخلافات ذروتها مع حشد البلدين قواتهما العسكرية مع مضاعفة التدريبات والمناورات، على خلفية عمليات التنقيب الأخيرة التي نفذتها أنقرة قبالة سواحل جزيرة قبرص المتنازع عليها بين الطرفين.

تصاعدت حدة التهديدات خلال الأسابيع الماضية بين تركيا واليونان الحليفين الأساسيين في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والخصمين التقليديين في شرق البحر المتوسط

واعتبارًا من عام 1950 كادت التوترات بين أنقرة وأثينا تقترب من مواجهة عسكرية لثلاث مرات على الأقل بشأن الخلاف على جزيرة قبرص المقسمة أساسًا إلى شطرين، بسيطرة القبارصة الأتراك على الأجزاء الشمالية من الجزيرة المعترف بها من أنقرة فقط، ويطلق عليها قبرص التركية، فيما تخضع الأجزاء الجنوبية المعترف بها دوليًا لسيطرة القبارصة اليونانيين، ويطلق عليها قبرص اليونانية.

اقرأ/ي أيضًا: فرنسا تزود اليونان بمقاتلات رافال ومخاوف من تصعيد مع تركيا شرق المتوسط

ووفقًا لتقرير نشرته وكالة بلومبيرغ الأمريكية فإن الخلاف المتصاعدة حدته بين البلدين الجارين ترجع أسبابه لمجموعة من القضايا التي مضت عليها عقود من الزمن، يمكن تلخيصها بالتالي:

1. الصراع على جزيرة قبرص

يعود الخلاف المتجذر على جزيرة قبرص المتوسطية إلى القتال الذي نشب بين القبارصة الأتراك واليونانيين على الجزيرة في عام 1964، وجرى تقسيم الجزيرة بشكل كامل بعدما تدخلت أنقرة لصالح القبارصة الأتراك الذين بسطوا نفوذهم على كامل الأجزاء الشمالية من الجزيرة في عام 1974، وأرجعت أنقرة تدخلها لحماية القبارصة الأتراك من الانقلاب الذي حاول تنفيذه المؤيدون للاتحاد مع أثينا بدعم من الحكومة اليونانية، مما دفعهما للاقتراب من المواجهة العسكرية لأكثر من مرة.

وعلى عكس قبرص اليونانية المعترف بها دوليًا في الأمم المتحدة باسم جمهورية قبرص، فإن أنقرة الدولة الوحيدة التي تعترف بقبرص التركية كدولة مستقلة، فيما عادت التوترات بين الجزيرتين للواجهة مجددًا، بعدما أعلنت واشنطن تخفيفها القيود المفروضة على قبرص اليونانية بشأن صفقات الأسلحة في أيلول/سبتمبر الماضي، وهي خطوة قامت أنقرة بإدانتها مهددة بالرد بالمثل عبر تسليح قبرص التركية.

2. من التنقيب على الغاز إلى الصراع على الحدود المائية

عادت التوترات الدبلوماسية بين البلدين إلى الواجهة مجددًا، بعدما أعلنت أنقرة بدئها التنقيب عن الغاز والنفط داخل المياه الإقليمية المتنازع عليها مع أثينا في شرق المتوسط، خصيصًا بعد الإعلان عن اكتشاف مخزون ضخم من الغاز الطبيعي في شرق المتوسط قبل عقد من الآن، مما أدخل الأطراف الفاعلة في المنطقة، بما فيها إسرائيل ومصر وقبرص وتركيا، في صراع عليها من أجل ضمان حصتها من المخزون، إضافة إلى تفسيراتهم المتضاربة لمعاهدات ترسيم الحدود البحرية.

وترفض أنقرة ادعاء أثينا بأن حدودها الإقليمية يجري ترسيمها من خلال مواقع جزرها التي يقع معظمها قبالة السواحل التركية، مرجعة ذلك إلى أن الجرف القاري لأي بلد يقاس من البر الرئيسي، وفقًا لقانون الأمم المتحدة لقانون البحار، والذي يشير لإمكانية احتفاظ الدول الساحلية بحدود إقليمية بحرية تصل إلى مائتي ميل بحري (ما يعادل 370 كم) انطلاقًا من سواحلها، مما يعطيها أحقية الصيد والتنقيب عن الثروات المعدنية ضمن هذه المساحة، ويفرض قانون البحار على الدول التي تملك سواحل مقابلة لبعضها الاتفاق على تسوية بشأن الحدود الإقيليمية.

ويشير تقرير بلومبيرغ إلى عدم مصادقة أنقرة على القانون الأممي، في مقابل اتخاذها موقفًا يؤكد على أن الدول الجزرية، كما الحال مع قبرص اليونانية، يحق لها التمتمع بكافة حقوقها داخل حدود الإقليمية، والتي تمتد إلى 12 ميلًا كحد أقصى، في حين تطالب قبرص التركية التي أعلن عليها القبارصة الأتراك حكمًا ذاتيًا بالموارد الطبيعية التي يجري اكتشافها من قبل الجانب اليوناني في المتوسط.

3. الصراع على بحر إيجه

كاد الصراع بين أنقرة وأثينا المرتبط بحقوق التنقيب عن الغاز في بحر إيجه أن يؤدي إلى صراع عسكري للمرة الثانية في عام 1987، وعادت التوترات مجددًا للظهور بين البلدين على خلفية تنازعهما السيادة على جزيرة إيميا أو كارداك بالتركية في عام 1996.

ويتركز الصراع بين البلدين في بحر إيجه حول رغبة أثينا بزيادة حدود مياهها الإقليمية من ستة إلى 12 ميلًا بحريًا، والذي يعيد للأذهان محاولاتها السابقة بهذا الشأن، مما دفع بالبرلمان التركي للتصويت على قانون استخدام القوة العسكرية إذا ما أقدمت أثينا على مثل هذه الخطوة في عام 1995، حيث تخشى أنقرة من أن يؤدي توسيع أثينا لمياهها الإقليمية لحرمانها من الموارد البحرية، بينما تستند خطط أثينا التوسعية إلى القانون الأممي.

وتزايدت التوترات مؤخرًا بعدما ظهر جنود يونانيون بعتادهم العسكري في جزيرة كاستيلوريزو التي تبعد أقل من ثلاثة كم عن السواحل التركية، وهي الجزيرة الأبعد عن البر الرئيسي الأوروبي، وتعد جزءًا من جزيرة دوديكانيسيا التي تنازلت عنها إيطاليا لصالح اليونان في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية شريطة أن تكون منزوعة السلاح، مما دفع أنقرة للتحذير من كسر قيود حظر السلاح المفروضة على الجزيرة، بينما قالت أثينا إن جنودها كانوا ينفذون مهمة روتينية فيها.

ويمتد الخلاف بين البلدين إلى تحديد مجالهما الجوي، والذي تطالب اليونان بأن يكون على مسافة 10 أميال بحرية من سواحلها، في الوقت الذي ترفض أنقرة ذلك محددةً المجال الجوي اليوناني بستة أميال بحرية انطلاقًا من سواحلها، وتقول إن ذلك يتوافق مع المياه الإقليمية اليونانية، معتبرًة الأميال المتبقية مجالًا جويًا دوليًا.

اقرأ/ي أيضًا: ملف شرق المتوسط.. تعقيدات تزيد من احتمالات التصعيد

4. حماية الأقليات

يؤكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تعرض السكان من أصول تركية في القسم الخاضع لسيطرة اليونان من منطقة تراقيا للتمييز، إضافةً لإغلاق أثينا عشرات المدارس الخاصة بالأتراك، وكان أردوغان قد طالب في أول زيارة يقوم بها رئيس تركي إلى اليونان منذ 65 عامًا في عام 2017، بمراجعة معاهدة لوزان الموقعة عام 1923، وذلك بهدف حماية حقوق المسلمين المقيمين في اليونان، وإيجاد حل للنزاع المرتبط ببحر إيجه.

يؤكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تعرض السكان من أصول تركية في القسم الخاضع لسيطرة اليونان من منطقة تراقيا للتمييز

لكن اليونان رفضت الاتهامات بشأن تعرض الأقلية المسلمة على أراضيها للتمييز، وردت على الرئيس التركي بالقول إنه ليس في وضع يسمح له بإلقاء المحاضرات المرتبطة بمثل هذه القضايا، نظرًا لإغلاق تركيا مدرسة دينية أرثوذكسية يونانية في عام 1971، بموجب قانون وضع التدريب الديني والعسكري تحت سيطرة الدولة، فضلًا عن إعلانه تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد في إسطنبول مؤخرًا، بعدما كانت حتى منتصف القرن الخامس عشر تعرف بكنيسة الحكمة الإلهية عند البيزنطيين، مما زاد حدة التوترات بين البلدين.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

أزمة شرق المتوسط تدفع الاتحاد الأوروبي للتهديد بفرض عقوبات على أنقرة