28-أكتوبر-2019

الكاتب عمر سليم

ألترا صوت – فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


عمر سليم كاتب ومهندس من مصر، يكتب في القصة القصيرة وأدب الرحلات. شارك في ورشة كتابة "الدار المصرية اللبنانية" مع الكاتب الراحل مكاوي سعيد عام 2016، وشارك في الكتاب الصادر عن الورشة بعنوان "الطريق إلى النبع"، كما شارك في ورشة "قصص القاهرة القصيرة" التي نظمها معهد جوته الألماني في 2018.


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

كنت طفلا مهووسًا بقراءة مجلات الأطفال، مثل مجلة "ميكي" ومجلة "ماجد".  كنت أقرأ المجلة كلها في نصف ساعة، ثم أكرر قرائتها يوميًا على مدار الأسبوع حتى موعد صدور النسخة التالية، ثم قررت فجأة، وكنت في التاسعة أو العاشرة من عمري، أن أبدأ في قراءة سلسلة هاري بوتر، دخلت عالمها بحماسة شديدة، حماسة تتجدد ولادتها مع كل صفحة أطويها، ومرة أخرى وجدتني (إذا حدث وفرغت من عدد من السلسلة، ولم يقع تحت يدي كتابا آخر) أعيد قرائته وكأنني أفعل للمرة الأولى.

عندما لاحظ والدي ولعي بالقراءة عقد معي اتفاقًا، قال إنه سيعطيني كتبا من مكتبته، وفي ما قبل كل كتاب أقرأه وأناقشه فيه سيكون هناك هدية. كانت مكتبة أبي آنذاك تمثل لي عالم الكبار، شيء أتوق إليه وأخشاه، أذكر حتى الآن أول رواية قرأتها من مكتبته، "وكالة عطية" لخيري شلبي، ولأنها كانت مدخلي إلى "عالم الكبار" فقد ظلت أحداثها محفورة في ذاكرتي بعد 10 سنوات وكأنني قرأتها بالأمس فقط.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

حسنا، هذا سؤال يصعب وضع جواب محدد له، فالتأثير قائم على طول الوقت، وبشكل متجدد، ولا يحدث الأمر دومًا بشكل واع يتمكن الكاتب من رصده بنفسه. هناك تأثيرات، أو لعل التعبير الأنسب هو: انفعالات مباشرة تأخذ مكانها بعد أن تقرأ كتابا لم تقرأ مثله أبدًا، تتمنى لو كنت كاتبه، وتجد أنه يتسلل رغمًا عنك إلى كل ما تقول بعد ذلك. أفضل أن أنعت هذا بالانفعال ناحية الكتاب.

أما التأثر، بوصفه خبزًا للوعي، عملية طويلة قد لا يدرك الكاتب أبدًا حينها بمن تأثر، ومع ذلك هناك تأثيرات واضحة بالكتب التي تعرف طريقها إلى أحصن مواضع الذاكرة من القراءة الأولى، أذكر منها "ملحمة الحرافيش" لنجيب محفوظ، و"سفر" لمحمد المخزنجي، وكتاب الليالي أو "ألف ليلة وليلة" الذي أعتبره كتابا مقدسًا في طبعاته غير الملعوب فيها.

  • من هو كاتبك المفضل؟ ولماذا أصبح كذلك؟

العلاقة بالكاتب أشبه بالنار، تمر بلحظات من التوهج والاشتعال الشديد، ومع مرور الزمن تخبو، ولا يظل الانبهار كما كان، ومع ذلك، فالكاتب الذي لم تخبُ أبدًا علاقتي به هو إبراهيم أصلان، كان أول ما قرأت لأصلان مجموعته القصصية الأثيرة "حجرتان وصالة" وكمن وجد ضالته بعد سعي حثيث، قلت إن هذه هي القصص التي أحب قرائتها، وأحب لو أكتب مثلها (وهو أمر شديد الصعوبة). أعتقد أن أكثر ما أحب في كاتبي المفضل السيد إبراهيم أصلان ما يمكن أن نسميه العادية المدهشةقصص إبراهيم أصلان، تحكي العادي واليومي، بأدق تفاصيله الصغيرة المغفلة، وتضعه في مقام الأسطوري. واحدة من أقرب قصص أصلان إلى قلبي مثلا قصة بعنوان "الدرج" في مجموعته البديعة "وردية ليل"، تحكي القصة عن العم بيومي الذي يتهيأ لترك الشغل، ووداع الموظفون له، والعم جرجس الذي سيأخذ درج بيومي عندما يرحل، وبطل القصة الذي سيأخذ بالتبعية، درج جرجس، بالمفتاح النحاسي البلدي بمقبضه البيضاوي المشغول. ثم إنهم يفتحون الدرج، بمقدمته الجوزية النظيفة، ويجدون فيه، في وسط المظاريف والأقلام والزجاجات صورة قديمة جماعية باهتة، تفتح لهم حكاية ثم حكاية، وتنتهي الحدوتة كما بدأت، برهافة مطلقة، لكن المفتاح والدرج لا ينتهيان أبدًا، وأظل، حتى الآن، وبعد أربع سنوات من قراءة القصة، أتذكر أدق تفاصيلها كلما رأيت مكتب جديد ودرج جديد. هذا هو الأثر الذي يجب أن يتركه الأدب.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟

أعتقد أن القراءة كما ينبغي هي القراءة بالورقة والقلم، لكني أعتبر هوامش الكتب ورقتي، وأملؤها بالملاحظات والتعليقات.

  • هل تغيرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

يمكن أن نقول أنها أصبحت أسهل كثيرًا، فكل ما يصعب الوصول إليه ورقيًا أو لا تجده متوفرًا لنفاذ طبعاته مثلًا يمكن أن تجده متوفرا إلكترونيًا، لكنني رغم ذلك أفضل القراءة الورقية.

  • حدثنا عن مكتبتك؟

هي نتاج لخليط كتبي وكتب والدي، أساسها بالتأكيد كتب والدي، كبرت لأجد لديه مكتبة هائلة ومنظمة لدرجة مدهشة، فيها من الأدب والأديان والفلسفة وعلوم الاقتصاد واللغة والاجتماع، وأشياء لا تحصى، حتى أنّي لم أحتج للإسهام بشكل كبير فيها، فكل شيء أردته وجدته تقريبًا، أنا مدين له بالكثير.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟ وماذا وجدت فيه حتى الآن؟

حاليًا أقرأ "حلقات زحل" للكاتب الألماني فينفريد جورج زبيالد ومن ترجمة أحمد فاروق، يحكي الكتاب، المزود بأرشيف صور بديع، وقائع رحلة على الأقدام يقوم بها الراوي على الساحل الشرقي الإنجليزي، وتحديدًا ساحل مقاطعة سوفولك. يسرد بلغته الرشيقة تاريخ الأماكن التي يمر بها، وتقاطعاتها مع عالمه، ويتطرق للحكي عن أشياء عديدة كالتشريح وحرب الأفيون والإمبراطورية الصينية قصص عجيبة يلفها كلها بحبل الذاكرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة أحمد شوقي علي

مكتبة دلال نصر الله