21-أكتوبر-2019

الكاتب أحمد شوقي علي

ألترا صوت – فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


أحمد شوقي علي كاتب وصحفي من مصر، من مواليد عام 1988، صدر له عام 2010 كتاب قصصي بعنوان "القطط أيضًا ترسم الصور" عن دار صفصافة بالقاهرة، وصدرت روايته الأولى "حكايات الحُسن والحُزن" من دار الآداب اللبنانية 2015. يعمل في الصحافة.


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

أذكر أنني -وكنت صغيرًا، ربما في عمر الثمانية-  قررت فجأة أن أقرأ، واقترضت من ابنة عمي-وبيتنا واحد، نسكن في شقتين متقابلتين- عددًا من السلسلة المصورة "فلاش"، أنهيته في ساعة، أو أقل، فأخذت ثانيًا فثالثًا، وهكذا حتى انتهيت من مجموعتها وكان النهار ما يزال في نصفه، ولما لم أجد كتبًا أخرى عندها، اقترضت ما كان مقررًا عليها في المرحلة الإعدادية، رواية اسمها "الصقر الجريء"، وتدور حول الثورة العُرابية، لم أمش كثيرًا فيها. توقفت بعد فصلها الأول، أظن. ثم أخذت رواية "The count of Monte Cristo" المقررة عليها أيضًا في مادة اللغة الإنجليزي، لم أفهم منها سوى الصور، فطلبت أن تحكها لي، ومنذ ذلك اليوم، وبعد أن لاحظ أبي النشاط الجديد الطارئ عليَّ، لم يتوقف عن شراء الكتب لي، كان بيننا اتفاق أن يشتري لي الكتاب أقرأه ثم يستبدل آخرًا جديدًا به، كانت كلها كتب عن قصص الأنبياء والرواد المسلمين والفتوحات العربية، ومجلدات لـمجلتي "ميكي" و"السندباد"، والأخيرة قرأت أعدادها كاملة. ومثلما أمسكت الكتاب فجأة، تركته فجأة، أو أنني في ذلك الوقت كنت أفضل كرة القدم على كل شيء آخر، حتى  كتبت قصتي الأولى، وبعدها عدت، أقل اندفاعًا، ولكن أكثر شغفًا.

  •  ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

تلك معضلة، أنت أمام فخين: التباهي بالمعرفة (السعي لإثبات سعة المعرفة)، والذاكرة. ثمة أعمال كثيرة شكلت وعيّ، طهته، صارت مثل العوامل الأولية في الطبخة، تتعرّف إلى نكهتها لكنك لا تتذوق طعمها الأصلي منفردًا، وقد تنسى مذاقها الأصلي فلا تتعرف إلى نكهته، عندما أطرح هذا السؤال على نفسي، وأنا أثب إلى الفخين، في شجاعة، أو في تهور، أو استسلام، قد أمحو وأضيف كتبًا كثيرة، لكنني أكتشف أن أي قائمة أنشئها وأمحها، لا تخلو من ثلاثة كتب رئيسة: "الحقائق القديمة صالحة إثارة الدهشة" ليحيى الطاهر عبدالله، و"ملحمة الحرافيش" لنجيب محفوظ، و"الحكاية العجيبة والحزينة لطيبة القلب إيرنديرا وجدتها القاسية" لماركيز.

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

لم يؤثر في  كاتب قط مثلما أثّر يحيى الطاهر عبدالله، ليس لأنه الأفضل، ولكن لأنه أول من عرفني إلى الأدب الحقيقي. أعتقد أنني اتجهت للسرد بسببه أولًا وأخيرًا. كنت موزعًا بين كتابة الشعر بالعامية المصرية، والقصص القصيرة، وبالصدفة اكتشفت اهتمامًا لأحد جيراني بكتابة القصة، كان عالمًا في الفيزياء، سافر إلى روسيا في شبابه، ويعمل في معهد الطاقة الذرية في مصر، وكنت أهابه، وودت لو أجذب انتباهه، فدفعت إليه بالقصص التي كتبتها، وبعد أن قرأها أخبرني أن ألقي بها إلى الترعة (وهي مجرى للسيل تحول مع الأيام إلى مكب للقمامة)، وأعطاني "أنا وهي وزهور العالم" ليحيى الطاهر عبدالله، قال لي هذا الأدب، قرأتها ولم أستوعب نصوصها كما يجب، وانصرفت عن جاري، واستكملت ما أفعل، وذات يوم كتبت قصة عن بنت أحببتها، قرأها شاعر صديق، قبل أن يهدني ديوانه وقد كتب على صفحته الأولى إلى "يحيى الطاهر عبد الله 2008"، ساعتها شعرت للمرة الأولى أن ثمة قيمة حقيقية فيما أكتبه. لكن يحيى لم يتوقف عند هذا القدر، دفع أمامي، أو دفعني إلى مجموعة أعماله الكاملة، وكان شراؤها وأنا أبحث في المكتبة عن أي نسخة أخرى للكتاب وفي جيبي عن ثمنها مستحيلًا، فخبأت الكتاب وقلت هو نصيبي إن جئت بثمنه ووجدته لا يزال قائمًا في مكانه، وقد حدث. ومن بعد قراءته لم أكتب شيئًا، وخلال سنوات كثيرة تالية سوى السرد.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟

نعم. وأشتري  كراسات كثيرة لذلك، قد لا يعجبني خطي، لم يعجبني في أي من الأيام، وأغبط فؤاد حداد على الخط الجميل الذي امتلكه كلما نظرت إلى ملاحظاتي التي أدونها في الكراسة.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

لا زلت أعتمد وبشكل كبير على الكتاب المطبوع، وألجأ إلى الإلكتروني في حالات نادرة، فقط عندما تضطرني الحاجة إلى ذلك، كأن لا أجد نسخة ورقية للكتاب الذي أبحث عنه.

  • حدّثنا عن مكتبتك؟

أخشى أنني أسّست مكتبي على الكتب التي اقترضتها ولم أعدها أبدًا، ثم بدأت أشتري الكتب بنفسي لأنه صار من العيب أن يعرف عني سرقة الكتب!

كنت أضع ما أملك من كتب في البداية مرتبة على أرضية غرفتي، حتى ارتفعت إلى منتصف الجدار، وعندما كنت أجهز نفسي للانتقال إلى بيت الزوجية، وجدت أنها تملأ كرتونة غسالة أوتوماتك، فصنعت مع أبي مكتبة تشبه الأرفف الموجودة في محلات البقالة، وعلقتها على الحائط مثلما تعلق الأرفف في محلات البقالة، ومع الأيام كنت أشعر أنها ستسقط بما تحمل على رأس من يجلس أسفلها فتهشمه، ولم يكن أمامي غير أن أذهب للنجار من أجل مكتبة حقيقية، رتبتها بحسب ما أملك: "تراث إنساني، دراسات لغوية، دراسات تاريخية، أدب شعبي، فكر، نجيب محفوظ، فن تشكيلي، شعر، رواية، قصة ومسرح، أدب مترجم".

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

"الجنس في السينما المصرية" لمحمود قاسم. إن للكتب الرديئة أهمية كبيرة، ذلك أنها تدل الكاتب/ القارئ على ما يجب تلافيه عند الكتابة، وتعزز قدرته النقدية على التصنيف، ومن هذا المنطلق، يبدو كتاب محمود قاسم ذا أهمية كبرى. حيث إنه لا يمكن النظر إلى الكتاب بوصفه دراسة عن السينما أو حتى عن الجنس، والأوقع التعامل معه باعتباره كتالوج يجمع بعض المعلومات –المقتبسة من الموسوعات والدوريات الفنية- عن الأفلام السينمائية العالمية والمصرية، والتي يمكن للقارئ من خلالها تكوين صورة عن الوجهة التي ينظر من خلالها المجتمع المصري المحافظ إلى السينما، حيث إن المؤلف في هذا الكتاب يمثل النظرة الأصولية للسينما باعتبارها مفسدة للأخلاق.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة دلال نصر الله

مكتبة طه عدنان