03-فبراير-2020

الشاعرة سنيا الفرجاني

ألترا صوت - فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


سنيا الفرجاني شاعرة من تونس. متحصلة على الأستاذية في التاريخ من كلية العلوم الإنسانية. ناشطة في المجتمع المدني، ومنشطة سابقة في إذاعة أوليس إف إم. مديرة بيت محمود درويش للشعر ومُؤسّسته. تنشر وتكتب في الصحافة. صدر لها : "صباح الخزامى" 1998، "امرأة بني باندو" 2019، "فساتين الغيب المزررة" 2018، "ليس للأرض باب وسأفتحه" 2019.


  • ما الذي جاء بك الى عالم الكتب؟

في بيت أهلي مكتبة كبيرة، كان أبي قد صنعها عند نجار ماهر، على مقاسات جدران غرفة الجلوس الواسعة. احتوت هذه الكتلة الضخمة من خشب بنيّ مقسّم إلى رفوف مختلفة الأحجام كتبًا كثيرة الألوان والعناوين والمواضيع واللغات. أبي دليل سياحيّ يتقن الألمانية والفرنسية والإنجليزية إتقانًا تامًا، لذلك كان في المكتبة رفّ كامل للمعاجم والقواميس، وكانت فيها كتب تاريخ وجغرافيا وعلوم فضاء بحكم ولع أختي الوسطى بعلم الفضاء في صغرها، واحتوت أيضًا مصادر متنوعة في كتب الشريعة والدين إلى جانب كتب أخرى وروايات عالمية مختلفة اللغات، وكتب طبخ وموسوعات علميّة ودواوين شعر قديمة صفراء هدية أمي من عمها خرّيج جامع الزيتونة. كل تلك الكتب لم تكن تثيرني وتستهويني، وحدها كتب الشعر التي سحبتني إليها بمجسات كبيرة وعملاقة ولم أستطع الهروب من قبضاتها.

  • ما هو الكتاب أو الكتب الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

سؤال يعود بي إلى زمن جميل ومراحل من عمري ظننتها عابرة، لكنها كانت شرارات النور الأولى التي داهم فيها الشعر عالمي بضوئه المخيف.

"تاريخ الأدب العربي" لحنا الفاخوري، ذلك الكتاب الأصفر الضخم كان كتابي الأول المقدس، قضيت معه ليالي طويلة، وعشت بين طيات دفئه ساعات لا تحصى، فلّيته فليًا كما يفلّى الشعر على ركبة جدة تداعب حفيدًا مدلّلًا.

انتقلت بعده إلى كتاب "المعلقات السبع"، ثم كتب "سلسة الروائع" وفيها قرأت الحطيئة والمهلهل والفرزدق ومجنون ليلى، ولم أعثر على بقية الأعداد من سلسلة الروائع الصفراء المعتقة برائحة المكتبات القديمة. تقول أمي ضاعت بقية الأعداد بين أبناء عمومتها. ثم جاء كتاب "الأعمال السياسية" لنزار قباني الذي كان هدية خالي لي في امتحان اختتام الابتدائي، جاء به من باريس خصيصًا لي، وقد شاع في الأسرة نبأ أنّ ابنة أختهم شاعرة.

ثم عشت مرحلة لم أخرج منها، ولن أخرج مع كتب درويش، خاصة "الجدارية"، تخلّلتها قراءات موسّعة لموسوعتيْ الشعر العربي والعالمي والرواية العربية والعالمية.

  • من هو كاتبك المفضل ولماذا أصبح كذلك؟

درويش كاتبي الذي على رأس هرم قراءاتي، لكن هذا لا يلغي انبهاري بتجربة محمد الماغوط وسركون بولص وسليم بركات وأنسي الحاج وفروغ فرخزاد وسيلفيا بلاث وفرجينيا وولف وت س اليوت ونيرودا ولوركا.. إنني أقطن داخل عوالمهم دون ملل. أحببت هؤلاء العباقرة لأن نصوصهم تخلّصت من سلطة الشعر الموروث، وحلقت في نطاقات بعيدة متجاوزة المألوف ومباغتة بلا هوادة، بلغة مربكة ومجازات لا تنتهي.

  • هل تكتبين ملاحظات أو ملخّصات لما تقرئين عادة؟

دائمًا، كثيرًا، لا أستطيع القراءة من دون قلم بين يدي، أسطر وأضع علامات استفهام وعلامات + أمام المواضيع التي تشدني وأرى ضرورة ملحة في العودة إليها.

  • هل تغيرت علاقتك بالكتب بعد دخول الكتاب الالكتروني؟

لم تستطع التكنولوجيا أن تسيطر على عالمي مطلقًا، تأخرتُ لأدخل عالم التواصل الاجتماعي، وتعبت لأتعلم طرق التفاعل فيه، بل إني حتى الآن أستعين بأطفالي لأحل بعض ألغاز التعامل وأسراره التي تجعل المسألة أقل تعقيدًا. لذلك يسهل القول إن الكتاب الإلكتروني فشل في أن يكون رفيقي. قلّما قرأت كتبًا إلكترونيًا إلا إذا حدث وأحرجني بعض أصدقائي بذلك. لا أستطيع أن أتفاعل مع النص إذا لم أتلمّسه، وأشمه، الرائحة والصوت والملمس ضرورات القراءة بالنسبة لي، صوت تقليب الصفحات ولفح نسيمه على خدي، ملمس الورقة ثقل الكتاب، شكله، حجمه، لونه، كل تلك التفاصيل ضرورية لأعيش مع النص علاقة تفاعل وصدق. علاقة ضمّ. الكتاب الإلكتروني حزين وغامض ومخيف ومرهون بتوفر الكهرباء والضوء والجلوس، أنا أعيش القراءة كما أعيش الكتابة، لذلك لا أحتمل التعامل مع الإبداع وأنا رهينة بطارية شحن أو خيط كهرباء. أحب امتلاك ما أقرأ وليس استعارته من الإنترنت. لا بد أن يدفأ الكتاب بأنفاسي وأشعر بنسيم تقليب صفحاته على مسامات وجهي.

  • حدثينا عن مكتبتك 

مكتبتي ليست جزءًا معينا من غرفة أو غرفة مفصولة عن بقية أجزاء البيت، لقد صممت بيتي بطريقة تتواجد فيها أشكال على الجدران محفورة بأحجام وألوان مختلفة ،تسمى في العمارة المحلية "طاڨة" 

وفي هذه المساحات أرتب الكتب بحيث في كل زاوية حولي كتب، وهي كتب أدب وشعر علوم وانجليزية ، بحكم تخصص زوجي فيها. المكتبة جزء من كل ركن في البيت حتى المطبخ، لكن المكتب على حدة في غرفة النوم.

 

  • ما الكتاب الذي تقرئينه في الوقت الحالي؟

حاليا أقرأ مجموعة من الكتب لأني لا أستطيع أن أتفرغ لكتاب واحد، مزاجية في قراءتي وأحب أن أنوع سلّة الغلال أمامي. بصدد قراءة كتاب "دراسات نقدية في فلسفة الدين" للشاعر دكتور أديب صعب، وكتاب "المائت" للروائي الشاعر التونسي لطفي الشابي، وكتاب جاك دريدا: "في الروح، هايدغر والسؤال"، تعريب عماد نبيل. وهذه المراوحة بين الكتب الثلاثة تشعرني بالارتواء والبذخ الفكري اللغوي. عالمي يصير متوازنًا باللغة، ومجازاتها وأصنافها. أعيش كيميائية اللغة التي أنبأ عنها رامبو وأحب أن أشتم روائح خلطاتها العجيبة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة نبيل محمد

مكتبة محمد طلبة رضوان