يرى محبو القطط أنها كائنات ظريفة، وظرافتها هذه تمتد من مشاكستها ولعبها، وهيئة استرخائها وصوت موائها، وتفحصها للأغراض أو محاولة التقاطها، وتسلقها وقفزها من علو شاهق برشاقة شديدة، يجدون كل ذلك ظريفًا، لكن ما إن تُظهر القطة طرفًا من لسانها حتى تباغتها عدسات الكاميرات في محاولة لالتقاط صورة توثق هذه "الظرافة". هذا اللسان الوردي الظريف تحديدًا هو موضوع مقال اليوم، الذي سأتحدث فيه عن بعض المعلومات الغريبة والطريفة التي تتعلق به.
حقائق طريفة عن لسان القط
يشبه لسان القطة ورق الصنفرة؛ إذ تعلو سطحه مئات الأشواك الحادة المعقوفة نحو الخلف، هذه الأشواك ما هي إلا حليمات تغطي سطح لسان القط، تتكون من مادة الكيراتين وهي مادة ليفية قوية تدخل في تركيب مخالب القط وشعره، وهي المادة نفسها التي تدخل في تركيب أظفار الإنسان وشعره. ولهذه الحليمات دور شديد الأهمية في حياة القطط. وهذه بعض النقاط التي تجمع بين الطرافة والجدية حول لسان القط:
-
التقاط الطعام والتذوق
تلعب الحليمات الموزعة على سطح لسان القط دورًا مهمًا في تسهيل بلع الطعام عليه، كما أن لسان القط يحتوي على مئات براعم التذوق التي تعطيه فرصة لتذوق مختلف النكهات المالح والحامض والمر، والطعم اللحمي أو ما يسمى بـ(الأومامي)، ولكن لسوء الحظ القطط أو لحسن حظ البشر فإنها -على عكس الكلاب- مثلًا لا تملك القدرة على تذوق النكهات الحلوة لأنها لا تملك مستقبلات الذوق اللازمة لتمييز النكهة الحلوة في الأطعمة، ويُعتقد أن ذلك عائد إلى كون نظامها الغذائي يعتمد على اللحوم، وعوضًا عنها تمتلك القدرة (على عكس البشر) على تمييز النكهة المميِّزة للمركب الذي يكوّن اللحوم وهي نكهة الأدينيسين ثلاثي الفوسفات.
ولا تلتقط القطط الطعام وحده بلسانها، بل تعمد في كثير من الأحيان إلى تفحص بعض الأغراض به. ومن أخطر ما يمكن أن يُترك في متناول القط، الخيوط وشبر الزينة وما شابهها، ذلك لأنها تعلق في حليمات اللسان وهذا خطِر بما يكفي، وقد يؤدي بلعها إلى الاختناق وهذا أشد خطورة. وهنا لا يُفترض أن يحاول صاحب القط سحبها حتى لا يسبب ضررًا بالغًا للسان. ومن الضروري استشارة البيطري.
-
شرب الماء
يمتلك القط طريقة فريدة لشرب الماء أو السوائل عمومًا، تختلف عن باقي الحيوانات، فالمألوف أن الحيوانات كالكلاب مثلًا تجعل من لسانها مغرفة لتعبئة الماء فيه وسحبه إلى الفم، لكن القط يستخدم أسوبًا آخر.
عندما يمد القط لسانه إلى الماء فإنه لا يشكله على هيئة مغرفة، بل يدفع الماء بطرف اللسان نحو الأعلى ثم يثني لسانه نحو الخلف، معتمدًا على خاصية توتر السطحي للماء، فيندفع الماء نحو الأعلى باتجاه الفم بشكل عمودي ويغلق القط فكيه ويبتلع ما دخل إلى فمه من الماء، قد لا تكون هيئة اللسان واضحة في حال مراقبة القط يشرب بسبب السرعة الخاطفة التي يتحرك بها، والمهم في الأمر أن يشرب القط إلى أن يرتوي حتى لو كان ذلك بلسان معكوس.
-
تمسيد الشعر وتدليل النفس
لعل من أكثر المشاهد طرافة مشهد القط وهو يمسد شعره بلسانه بكل إخلاص، هذا الدلال الذي لا يبخل فيه القط على نفسه ليس من باب الترف فقط، وإنما منحة يحظى بها بفضل الحليمات المعقوفة التي تغطي سطح اللسان، الكفيلة بتنظيف جسم القط من الشعر المتساقط، أو بقايا الجلد الميت أو الغبار وكل ما يمكن أن بعلق في شعره، فهي تؤدي دور المشط تمامًا، وليس هذا فحسب، بل تعيد هذه الحليمات توزيع اللعاب في لسان القط على شعره وجلده، هذه العملية تساعد في تهدئة القط، بالإضافة إلى زيادة كفاءة التنظيف وتوزيع الزيوت الطبيعية على شعره. كما أن التمسيد يساهم أيضًا في تنظيم حرارة جسم القط، وتنشيط دورته الدموية. ومن اللافت أن القط يمكنه تحريك الحليمات، فعندما يكون في حالة استرخاء لا يفعل شيئًا، تظل الحليمات هامدة بهيئة مسطحة ومتجهة نحو الجزء الخلفي من الفم، فإذا ما رغب في تمسيد نفسه أو الأكل فإن مد اللسان كفيل بجعل هذه الحليمات تبرز استعدادًا للمهمة.
ورغم فوائد التمسيد إلا أنه يتسبب بمشكلة تكون كرات الشعر في معدة القطط، فالقطط لا تبتلع الشعر عادة بإرادتها، بل لأن الحليمات معقوفة باتجاه الجزء الخلفي من الفم نحو الحلق، فإن الشعر العالق فيها ينزل إلى الجهاز الهضمي، وتعجز عن هضمه وإخراجه، فإذا لم تتمكن القطط من بصق الشعر مباشرة فإنه سيؤدي إلى تكون كرات الشعر في بطنها، ولتجنب المشكلة يُنصح أصحاب القطط بتمشيط شعرها دوريًا للتخلص من الشعر المتساقط، أو حلاقته. وإذا تفاقمت المشكلة لا بد من التوجه إلى الطبيب البيطري.
-
مساعدة صغار القطط على قضاء الحاجة
عندما تولد الهريرات الصغيرة تكون أضعف من أن تقضي حاجتها بنفسها، وتحتاج إلى تحفيز من خارج جسدها. لذلك تتولى القطة الأم هذه المهمة، فنجدها تمسح أعضاء هريراتها وتدلكها بلسانها الخشن لتساعدها على قضاء الحاجة. لذا من الضروري لمن يعتني بهريرة فقدت أمها في أول أيامها أن يقدم للصغير هذه المساعدة، باستخدام قماشة رطبة ودافئة وتدليك المنطقة إلى أن تتخلص الهريرة من الفضلات.
-
مؤشر للحالة الصحية
يعطي لون لسان القط مؤشرًا عامًا حول الحالة الصحية التي يتمتع بها، واللون الطبيعي للسان هو اللون الوردي الفاتح. وفي حال لاحظ صاحب القط أن لون لسانه ولثته قد تغير إلى الأبيض أو الأزرق أو الأرجواني، أو حتى الرمادي، فيجب استشارة الطبيب البيطري فورًا، خاصة لو ظهرت بقع على اللسان لم تكن ظاهرة من قبل. لأن تغير لون لسان القط قد يدل على أنه لا يحصل على كفايته من الأكسجين.
-
يدلي القط لسانه لأسباب عديدة
لا يخرج القط لسانه ويتركه متدليًا لإغاظة صاحبه، بل لأن ترك اللسان خارج الفك فعل لا واعٍ عند القطط، فقد يكون السبب هو محاولة القط استكشاف رائحة ما، في هذه الحالة يفتح فمه ويكرمش شفته العليا ويخرج لسانه، ويطلق على هذا السلوك "رد فعل فليمن" والسبب فيه عائد إلى امتلاك القط عضوًا خاصُا (عضو جاكسون) في سقف الفم يحتوي على قنوات تربط الفم بالأنف، ويعمل كمحلل للرائحة. وفي حال بدا هذا التعبير على وجه القط أثناء تفحصه لغرض ما، فهذا دليل على أنه مهتم حقًا بغنيمته.
وهناك حالات أخرى غير تتبع القط الفضولي للأغراض ومحاولة شمها، فقد يدلي لسانه لمجرد الاسترخاء أو النوم، بسبب ارتخاء عضلات القط ومفاصله ومن ضمنها عضلة اللسان.
غير أن هذا السلوك في بعض الأحيان إذا بدا ظاهرًا أكثر من المعتاد قد يكون مؤشرًا على وجود مرض أو مشكلة يعاني منها القط قد تكون بسيطة كالإصابات في لثته أو أسنانه وصعوبات التنفس، أو شديدة السوء كتقرحات الفم أو الأورام وحتى أمراض الكلى، لذا يجب على صاحب القط مراجعة الطبيب البيطري لاكتشاف المشكلة وعلاجها.
في ثلاثيته عن القطط المترجمة حديثًا عن دار المدى وهي حكاية تروى على لسان القطط ومن منظورها، يستهلّ الصحفي والروائي الفرنسي برنار فيربير الجزء الأول من الرواية (ملكة القطط) باقتباس يُنسب إلى مجهول، ورد فيه:
يقول الكلب في نفسه :"البشر يطعمونني، ويحمونني، ويحبونني، لا بدّ أنهم آلهة" ويقول القط في نفسه: "البشر يطعمونني، ويحمونني، ويحبونني، لا بدّ أني آلهتهم". وبمعزل عن الفرق الواضح بين القطط والكلاب ولهفة كل منهما تجاه صاحبه (مع أنه من المبالغ فيه استخدام كلمة لهفة للحديث عن القطط)، إلا أن القطط تمتلك شعبية كبيرة عند مربي الحيوانات والراغبين بالاحتفاظ في حيوان أليف، فالقطط والحق يقال- من أظرف الحيوانات الأليفة إن سمح مزاجها بذلك.
