10-ديسمبر-2023
فتاة فلسطينية تحمل قطة وسط أنقاض المباني التي دمّرتها الغارات الإسرائيلية

روحان بريئتان تنتظران من ينقذهما (Getty)

خضعت قبل أيام لعمل جراحي. وعندما عدت لمنزلي، تفاجأت بتغيُّر معاملة قطّي لي، فقد بدا وكأنه يعرف أنني مريض وبحاجة لمساندة معنوية. كان تقرّبه وصوته وسلوكه يشي بتعاطف لم يُبديه من قبل.

من الصور المؤلمة جدًا التي تتدفق علينا يوميًا لدى متابعتنا أخبار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في فلسطين الجريحة، تلك الصور التي تُظهر أطفالًا تحت الركام مع قططهم الأليفة، ولا يمكنك هنا تحديد من الذي يحتضن الآخر؛ روحان بريئتان تنتظران من ينقذهما.

من الطريف التذكير بقصة القط الشبح التي تعود إلى القرن التاسع عشر، عندما تم إحضار قطط إلى أنفاق قبو مبنى "الكابيتول" في الولايات المتحدة لقتل الجرذان. تقول الأسطورة إن القط الشيطاني كان بين هذه القطط، وبقي في المبنى حتى بعد موته. ويُقال إنه يعيش في قبو مبنى "الكابيتول" الذي كان في الأصل مخصصًا لدفن الرئيس جورج واشنطن. ووفقًا للأسطورة، يُشاهَد القط قبل الانتخابات الرئاسية والكوارث في العاصمة واشنطن، وإنه تم رصده من قِبل حراس أمن البيت الأبيض في الليالي التي سبقت اغتيال جون ف. كينيدي، وأبراهام لينكولن.

حظيت القطط بتقدير كبير لدى المصريين القدماء بوصفها رمزًا للحماية والأنوثة، بينما يعتبرها اليابانيون رمزًا للثروة والحظ الجيد

يوصف القط بأنه أسود بالكامل بحجم متوسط، لكنه يصل إلى حجم النمر عند إزعاجه، ثم ينفجر أو ينقض على المشاهد، ويختفي قبل أن يتمكن من القبض على ضحيته. وفي تسعينيات القرن التاسع عشر، قيل إن القط اختفى عندما أطلق بعض حراس "الكابيتول هيل" نيران أسلحتهم عليه، وكانت آخر مرة شوهد فيها الشبح المزعوم خلال الأيام الأخيرة للحرب العالمية الثانية.

لا شيء يضاهي الارتباط الفريد الذي يمكن أن يتشكل بين الإنسان وقطّه. في هذا السياق، أود أن أشارك قصة شخصية حول علاقتي الخاصة مع قطي الحبيب، الذي يملك فهمًا فائقًا لاحتياجاتي العاطفية، ويضفي لمسة خاصة على حياتي اليومية.

ومع تواجد قطي في حياتي، لا يمكن تجاهل الرابط الذي يمتد إلى العصور القديمة بين الإنسان والقط. ففي حضارة مصر القديمة، كانت القطط تحظى بتقدير كبير، وتمثّل رمزًا للحماية والأنوثة. ولم يكن الأمر مقتصرًا على ذلك فقط، بل كانت القطط مرتبطة بالإلهة "باستيت" التي كان لها هيئة قطة، وترمز إلى الحماية والخصوبة.

وتتجلى هذه المكانة التاريخية للقطط في ثقافات أخرى أيضًا، حيث تشكّلت قصص وأساطير حول أهميتها في ثقافات مختلفة، منها الثقافة اليابانية حيث يُعتبر القط Maneki-neko رمزًا للحظ الجيد والثروة، ويتمتع بشعبية كبيرة كتمثال يجلب الحظ للأماكن التجارية.

هكذا، يظهر تاريخ القطط في الديانات والثقافات كناقل للقيم والرموز الإيجابية. وتعكس علاقتي مع قطي هذا التواصل القديم بين الإنسان والقط، فهو ليس مجرد حيوان أليف، بل رفيق يشاركني رحلة الحياة بطريقة فريدة ومميزة.

وإلى جانب هذا التواجد المهم في تاريخ البشرية، تسرّب حب القطط إلى حياة الشخصيات السياسية أيضًا. فمن بين أشهر الرؤساء الذين شاركوا حياتهم مع القطط كان الرئيس الأمريكي جون كينيدي الذي امتلك قطة تدعى "توم كيتي"، لعبت دورًا مهمًا في منزل الرئيس، وكانت مصدرًا للراحة والتسلية.

ومن ثم، لا يمكننا نسيان أبراهام لينكولن الذي كان أيضًا محبًا للقطط. ويُقال إنه كان يحتضن قطتيه "تابي" و"دزي" خلال مناقشاته وتفكيره في القرارات الهامة. إن تلك الصورة اللطيفة للرئيس الأمريكي وقطتيه تنم عن العلاقة القوية بينه وبين هذه الكائنات الصغيرة. وكمثال آخر، كان رونالد ريغان، الرئيس الأمريكي الأربعين، يمتلك قطة تدعى "كليوباترا"، وكانت مرافقًا دائمًا في البيت الأبيض، ما يشير إلى أن حب القطط قد انتقل إلى أروقة السلطة أيضًا.

في كتابه "تاريخ"، الذي كتبه في القرن الخامس قبل الميلاد، أشار الإغريقي هيرودوت إلى دور القطط في مصر القديمة، وما كانت تحظى به من تقدير خاص. وذكر هيرودوت أنه في حالة وفاة قط في أحد المنازل، يتم حلق شعر وحواجب السكان الذكور، كمظهر من مظاهر الحزن والنكوص.

وأشار هيرودوت في كتابه إلى التقديس الذي كانت تحظى به القطط في مصر القديمة، وكيف كانت جزءًا من الثقافة والحياة اليومية للسكان المصريين لدرجة أنه تم تحنيطها، وقد اكتُشفت العديد من القبور التي تحوي على عشرات بل مئات الجثث المحنطة للقطط.

وبينما تتداعى الخواطر حول علاقة القطط معنا كبشر، تتداعى المشاعر الحزينة أيضًا، فالحرب المستعرة في غزة لم تبق لنا مكانًا في القلب للفرح، بينما تشهد ساحات دول قريبة احتفالات ومهرجانات وكأنه لا شيء يحدث، بل وكأننا تحولنا لمجرد أشباح لا وجود لها سوى في عالم التلاشي.