01-سبتمبر-2023
احتجاجات سوريا، مظاهرات السويداء

سياسات النظام السوري الاقتصادية، ساهمت في حدوث تدهور سريع للوضع الاقتصادي (ألترا صوت)

تدخل تظاهرات مدينة السويداء أسبوعها الثاني، مع تصاعد في السقف السياسي للاحتجاجات، والاستمرار في المطالبة بإسقاط نظام الأسد، في حراك انطلق بعد سلسلة من قرارات حكومة النظام لرفع الدعم عن السلع الأساسية والتقدم في سياسة تحرير الاقتصاد.

والمظاهرات تتسع رقعتها لتصل إلى درعا، ودير الزور وحلب وريف دمشق والقنيطرة، واللاذقية، وغيرها من المناطق السورية، مع تراوح في اتساع حجم المظاهرات. أمّا ما برز من مظاهرات السويداء، وبالطبع درعا ودير الزور، هو العودة إلى شعارات الثورة السورية، مع التأكيد على مسؤولية نظام الأسد عن الحالة التي وصلت إليها البلاد، وكانت أبرز معالمه شعار رفع في مظاهرات السويداء، جاء فيه "المؤامرة الكونية، تخجل مما فعله النظام في سوريا". في هذه المادة نعرض أبرز ما ورد في تقدير موقف صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بعنوان "الحراك الاحتجاجي في سوريا: هل بدأ يتشكل إجماع وطني على ضرورة التغيير؟". 

ما برز من مظاهرات السويداء، وبالطبع درعا ودير الزور، هو العودة إلى شعارات الثورة السورية، مع التأكيد على مسؤولية نظام الأسد عن الحالة التي وصلت إليها البلاد

رهان فاشل على التطبيع العربي

كان النظام السوري واعيًا لقراراته الاقتصادية الأخيرة، وانعكاسها على المستوى المعيشي لعموم سكان سوريا، ومع ذلك "قرر المضي فيها نظرًا إلى الضغوط الكبيرة التي يواجهها مع تلاشي الموارد ونفاد احتياطيات الخزينة العامة".

وفي العودة إلى جذور الاحتجاجات، فقد ساهم تطبيع عدة دول عربية مع النظام إلى خيبة أمل، مظرًا للنتائج المتواضعة التي تحققت عن هذا التطبيع، إذ "توقعوا أن تترافق علاقات النظام العربية مع انفراج الوضع الاقتصادي خصوصًا بعد القمة العربية التي احتضنتها جدة في أيار/ مايو 2023، لكن سلوك النظام الذي ترجم رغبة بعض الدول العربية في تطبيع علاقاتها معه على أنها ’نصر’، تحقق بشروطه، ورفضه تقديم أي تنازلات تساعد في إنجاح مسعى التقارب العربي معه، انتهى إلى مجرد توقع المعونات، والخيبة من عدم وصولها".

ويعود ذلك إلى عدم جدية النظام السوري "في التعامل مع المبادرة العربية، وتعامله باستخفاف مع مطالبها، مثل ضبط صناعة المخدرات وتهريبها وإعادة 1000 لاجئ سوري من الأردن، ورفضه التعامل بإيجابية مع الأمم المتحدة في قضية المعابر ودخول المساعدات الإنسانية، أدى ذلك كله إلى مراجعة بعض الدول العربية علاقتها الدبلوماسية معه أو تجميدها". 

وبحسب تقدير الموقف: "انعكس ذلك بوضوح على الوضع الاقتصادي الذي أخذ يتدهور بسرعة، فانهار سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، وبلغ التضخم مستويات قياسية خلال الشهور الثلاثة الماضية؛ إذ بات أغلب السكان عاجزين عن تلبية احتياجاتهم الأساسية، بما في ذلك الغذاء والدواء".

أمّا التحرك الذي ساهم في زيادة سوء الوضع داخل سوريا "توجه حكومة النظام إلى رفع الدعم عن بعض السلع الأساسية، مثل المحروقات، لتمويل زيادة الرواتب التي باتت قيمتها تراوح بين 10 و15 دولار شهريًا للموظف الحكومي. وبناء عليه، ازداد التذمر من اعتماد الحكومة سياسات ’الجابي’ مع عموم السكان وجامع ’الإتاوات’ مع التجار ورجال الأعمال لتوفير التمويل الضروري لاستمرار عمل الحكومة. وكان لافتًا أن احتجاجات السويداء جاءت بعد أيام من فشل اجتماع لجنة الاتصال العربية المكلفة بمعالجة ظروف الانفتاح العربي على سوريا في القاهرة، تعبيرًا عن مدى خيبة الأمل في تعامل النظام مع التوجه العربي لحل الأزمة، وانسداد الأفق أمام أي تغيير في الوضع القائم".

سياسات إفقار

يمكن النظر إلى سيرة الليرة السورية على مدار الأشهر الأخيرة، من أجل الكشف عن تدهور الحالة الاقتصادية، التي انهارت بشكلٍ مباشر، مع توقف قطاعات الإنتاج الأساسية بعد سنوات من الحرب، وتوقف اقتصاد الحرب نفسه، وتقليص المساعدات الخارجية من قبل حلفاء النظام، ووفق البيانات الاقتصادية، فقد "تسارع انهيار سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي في السوق الموازي، خلال الشهور الأخيرة، فقد بلغ 7,500 ليرة سورية أمام الدولار في 19 نيسان/ أبريل 2023، ووصل إلى 10,350 ليرة في 15 تموز/ يوليو 2023، ثم بلغ 14,750 ليرة في 28 آب/ أغسطس 2023، وعلى هذا فقدت الليرة السورية خلال أربعة شهور خمسين بالمئة من قيمتها. وقد جاء مسار الليرة التراجعي معاكسًا لمسار الانفتاح العربي على النظام، بدءًا من موافقة السعودية على إعادة فتح السفارات بين البلدين، وصولًا إلى استعادة النظام مقعد سوريا في جامعة الدول العربية، وانتهاء بحضور الأسد قمة جدة العربية".

ووفق تقدير الموقف، المنشور يوم أمس، اتبع النظام سياسات مالية متشددة طوال السنوات الماضية "ساهمت إلى حد ما في منع انهيار العملة، مع تجميد الحركة الاقتصادية في البلاد"، ولكن تناقص موارد النظام، جعله يتجه إلى سياسات "جباية" و"سطو" على أموال كبار التجار ورجال الأعمال، نفّذها ما يسمى "بالمكتب السري" في القصر الجمهوري، بالتنسيق مع الفرع الداخلي التابع لإدارة المخابرات العامة (أمن الدولة).

ويضيف تقدير الموقف: "جرى تعميم هذه السياسة لاحقًا على بقية التجار مع ازدياد الحاجة إلى السيولة، ووصلت حتى إلى أصحاب الشركات الخاصة المتوسطة؛ ما اضطر العديد منهم إلى إغلاق أعمالهم ومغادرة البلاد. وقد أدى مجلس اقتصادي يعمل داخل القصر الرئاسي، ترأسه أسماء، زوجة بشار الأسد، دورًا مهمًا في إدارة هذه السياسات الاقتصادية؛ ما أثار ردود فعل غاضبة بين السوريين، خصوصًا في المناطق المعروفة بتأييدها للنظام".

ولتوضيح السياق الاقتصادي بشكلٍ أكبر خلال الأشهر الماضية، أضاف تقدير الموقف: "نتيجة للزلزال الذي ضرب شمال سوريا في شباط/ فبراير 2023، اضطر النظام إلى التراجع عن السياسات المالية والنقدية المتشددة، نظرًا إلى حالة الركود التي أصابت الاقتصاد السوري حتى قبل الزلزال، وتفاقمت بعده، حيث رفع النظام الكثير من القيود المالية على حركة النقد داخل البلاد".

وأضاف: "نتيجة العوائد الاقتصادية المحدودة لسياسة الانفتاح العربية، وتنامي الضغوط الإيرانية لاسترداد الديون المترتبة على النظام، وتنفيذ الاتفاقات الموقعة معه، اضطر إلى تيسير الاقتراض ومنح المزيد من التسهيلات الائتمانية لرجال الأعمال لتحريك عجلة الاقتصاد، كما لجأ إلى سياسة التمويل بالعجز، ورفع الدعم عن المحروقات لزيادة رواتب موظفي القطاع العام، بالتوازي مع مساعيه لرفع القيود المالية وتنشيط الصناعة المحلية، حتى لو أدى ذلك إلى زيادة الاستيراد، واستنزاف القطع الأجنبي. كما اتجه إلى إلغاء المراسيم التشريعية القاضية بتجريم التعامل بغير العملة السورية، التي صدرت عام 2020، وذلك بسبب حاجته الماسة إلى العملة الصعبة. وجاء الإعلان عن هذه السياسة الجديدة، خلال جلسة طارئة لمجلس الشعب دعت إليها الحكومة في 24 تموز/ يوليو لمناقشة الوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي".

العودة إلى الساحات

يؤكد تقدير الموقف، على أن سياسات النظام السوري الاقتصادية، ساهمت في حدوث تدهور سريع للوضع الاقتصادي، انعكس في حالة من الغضب الشعبي، الذي ظهر حتى في مناطق نفوذ النظام، مثل محافظة اللاذقية.

أمّا المظاهرات الأبرز، فقد جاءت داخل محافظة السويداء، التي تحولت إلى مركز للاحتجاجات المطلبية، وسرعان ما رفعت إلى مطالب سياسية، وذلك إثر نجاح النشطاء في فرض إضراب عام في المحافظة، مع المطالبة بإسقاط نظام الأسد وتطبيق القرارات الدولية، والإفراج عن المعتقلين، محملةً الأسد مسؤولية كل ما حصل، فيما شهدت الاحتجاجات مشاركة واسعة من الشباب ورجال الدين والنساء، اللواتي شاركن بشكلٍ لافت، مع بروز حراك أطلق على نفسه "طالعات سوريات".

ويفرق تقدير الموقف بين الاحتجاجات التي انطلقت في السويداء عام 2018 أو 2020، على عدة مستويات، "الأول هو اتساع نطاقها، وانخراط مختلف الفئات والقوى الاجتماعية فيها، بمن فيهم مشايخ العقل، الزعماء الدينيون للطائفة الدرزية، الذين درجوا على تبني مواقف محايدة من الصراع أو مؤيدة للنظام ومواقفه، ساعدت سابقًا في تهدئة الفئات المحتجة. والثاني تركيز الاحتجاجات انتقاداتها على شخص رئيس النظام وزوجته. وقد لوحظ أيضًا غياب الدور الروسي الذي درج على التدخل وسيطًا بين النظام وقيادات الحركة الاحتجاجية في السويداء".

أمّا عن تعامل النظام مع المظاهرات حتى الآن، فقد "اكتفى بالتلويح باستخدام القوة، والتحريض على المحتجين بذرائع الطائفية والعمالة والخيانة، كما أرسل المحافظ للتفاوض مع الشيخ حكمت الهجري، أحد مشايخ العقل"، موضحًا: "جاء هذا التعامل اللين؛ لأن النظام يخشى المسّ بصورته التي دأب على رسمها بوصفه حامي الأقليات الدينية، بخلاف تعامله مع محافظات أخرى شهدت احتجاجات مماثلة مثل درعا حيث سجلت حوادث إطلاق نار، كما أبدت أجهزة الأمن السورية استعدادًا واضحًا لقمع أي مظاهرة في المحافظات الأخرى. وفي اللاذقية كثف النظام مساعيه لكشف مجموعة احتجاجية تطلق على نفسها "حركة 10 آب"، وسعى إلى عزل الأصوات المنتقدة، عبر التهديد والاعتقال، واستثارة مخاوف العلويين من عودة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" وغيرها من التنظيمات المتطرفة، لإسكات الأصوات المعارضة واحتواء أي دعوة للاحتجاج والتمرد".

إجماع على ضرورة التغيير

أمّا الخلاصات التي وصل إليها تقدير الموقف، فقد جاءت في الآتي: "على الرغم من أن النظام لن يتردد في استخدام العنف، إذا اضطر، حتى ضد قاعدة دعمه التي قاتل بها، إلا أن هذا الخيار لن يكون اللجوء إليه سهلًا، خوفًا من حصول تصدعات داخل نواة النظام الصلبة، كما أنه غير قادر على تقديم حلول اقتصادية وتلبية مطالب المحتجين، أو شراء سكوتهم في ظل محدودية موارده، ووصول التطبيع مع العرب إلى طريق مسدودة، وعجز إيران وروسيا عن تقديم المساعدة".

واحدة من شعارات مظاهرات السويداء، جاء فيه "المؤامرة الكونية، تخجل مما فعله النظام في سوريا"

ويضيف في الخاتمة: "تبدو خيارات النظام محدودة في التعامل مع الاحتجاجات المتنامية التي لم تعد محصورة في المناطق المعروفة بمعارضتها له مثل درعا ودير الزور وغيرها، بل باتت تحصل في مناطق كانت إما محايدة (مثل السويداء) وإما تمثل معاقل رئيسة لدعمه (مثل منطقة الساحل التي تضم محافظتي اللاذقية وطرطوس). وأكثر ما يقض مضجع النظام هو بداية تشكل إجماع وطني بين السوريين على ضرورة التغيير ورحيله، مع تحميله مسؤولية الأوضاع التي آلت إليها البلاد".

ويشير تقدير الموقف: "بدأ السوريون من كل الطوائف والمذاهب والمناطق يرون أن التغيير ضرورة، وأن مصلحتهم فيه مباشرة، بعد أن وحّدهم الفقر والجوع وانعدام الأمن، وبعد أن سقطت أطروحة أن النظام انتصر، وأن الوضع قابل للاستمرار، دون الحاجة إلى حل سياسي، ودون تقديم تنازلات يحاول النظام جهده تجنبها، لأنه يرى فيها نهايته".