23-أغسطس-2021

دخل ما حدث في أفغانستان إلى النقاش بشأن مستقبل تايوان (Getty)

بدأت الصين تدريبات عسكرية جوية وبحرية في محيط جزيرة تايوان التي تدعي أنها جزء من أراضيها، في خطوة تختلف عن التدريبات العسكرية التي نفذتها القوات الصينية خلال الأشهر الماضية، بعدما بدأت وسائل الإعلام الصينية بتحذير تايوان من مصير مشابه لما حدث في أفغانستان، في إشارة إلى تخلي الولايات المتحدة عن الحكومة الأفغانية مما مهد لحركة طالبان بالسيطرة على كامل البلاد قبل أيام.

بعد أقل من يومين على دخول مقاتلي حركة طالبان إلى العاصمة كابول، أعلنت الصين أنها بدأت تدريبات عسكرية جوية وبحرية بالذخيرة الحية في محيط جزيرة تايوان

الصين ترد على "استفزازات" تايوان بتدريبات عسكرية

بعد أقل من يومين على دخول مقاتلي حركة طالبان إلى العاصمة كابول، أعلنت الصين أنها بدأت تدريبات عسكرية جوية وبحرية بالذخيرة الحية في محيط جزيرة تايوان، يوم الثلاثاء الماضي، وفيما أرجعت الصين سبب التدريبات إلى ما وصفته بـ"الاستفزازات" الأمريكية – التايوانية المشتركة، فالواقع أنها جاءت ردًا على إعلان الولايات المتحدة بيعها أسلحة لتايوان في صفقة بلغت قيمتها 750 مليون دولار. 

اقرأ/ي أيضًا: ما مستقبل اقتصاد أفغانستان بعد سيطرة حركة طالبان؟

وقال المتحدث باسم منطقة العمليات الشرقية في الجيش الصيني شي يي، إن: "جيش التحرير الشعبي نشر سفنًا حربية وطائرات مضادة للغواصات ومقاتلات في محيط المجالين البحري والجوي في جنوب غرب وجنوب شرق جزيرة تايوان"، مضيفًا بأن الولايات المتحدة وتايوان كثفتا في الفترة الأخيرة "الاستفزازات"، وأن هذه التدريبات هي "رد رسمي" على "تدخل قوات أجنبية"، وعلى مؤيدي استقلال الجزيرة.

وتأتي التطورات الأخيرة في ظل محاولة حكومة تايوان الحصول على تأييد دولي لاستقلالها عن الصين، والتي كان من ضمنها إعلان ليتوانيا – عضو الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي –  فتح "مكتب تمثيل تايوان" على أراضيها، قبل أقل من شهر تقريبًا، وهي خطوة تسير في طريق تعزيز شرعية تايوان كدولة مستقلة عن الصين، وهو الأمر الذي دفع بالصين إلى الطلب من سفيرة ليتوانيا مغادرة أراضيها.

الصين تهدد تايوان بمصير أفغانستان

على الرغم من أن التدريبات العسكرية الصينية الأخيرة جاءت ردًا على الحراك الدبلوماسي للحكومة التايوانية بهدف التأكيد على استقلالها الجزيرة الآسيوية عن الصين، فإنه لا يمكن فصلها عن الانسحاب الأمريكي السريع والفوضوي من أفغانستان، وهو ما كان عاملًا أساسيًا في انهيار القوات الحكومية المدعومة من الولايات المتحدة منذ 20 عامًا، مما ساهم بسيطرة حركة طالبان على مفاصل البلاد كاملةً.

China takes US withdrawal from Afghanistan as an opportunity for some  sabre-rattling in Taiwan - ABC News
صورة للملا عبد الغني بارادار من زعماء الصف الأول في طالبان مع وزير الخارجية الصيني (أ.ب)

في هذا الجانب برزت التعليقات في الصحف الصينية التي تتحدث عن تاريخ الولايات المتحدة بالتخلي عن حلفائها، وبالتأكيد عند ذكر مثل هذه التعليقات، لا بد من الإشارة إلى تغريدة دونالد ترامب جونيور، نجل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، التي تحدث فيها عن استعداد الصين للسيطرة على الجزيرة الآسيوية في ظل تواجد "أضعف إدارة أمريكية" في البيت الأبيض، في إشارة لإدارة بايدن الديمقراطية، طالبًا أن يتم التعامل مع الأمر قبل أن يأخذ منحى تصاعديًا مختلفًا.

بعيدًا عن دونالد ترامب جونيور الذي طالب بعدم تحويل قضية استقلال تايوان إلى قضية "حزبية" في الولايات المتحدة، برزت بشكل واضح الافتتاحيات التي نشرتها صحيفة جلوبال تايمز الصينية، بعدما وصفت في مقالها الافتتاحي الذي نشر الأسبوع الماضي، الانسحاب الفوضي للولايات المتحدة من أفغانستان بأنه "ضربة قوية لمصداقية وموثوقية الولايات المتحدة" على مستوى العالم.

الصحيفة الصينية قدمت في مضمون مقالها سردًا تاريخيًا، هو بالأساس موثق في العديد من الدراسات السياسية، ويتطرق إلى الحلفاء الذين تخلت عنهم الولايات المتحدة على مر التاريخ، بما في ذلك تخليها عن آخر ملوك فرنسا، لويس الـ16 في حرب الاستقلال (1775–1783)، والتي كانت من أحد أبرز الأسباب التي أدت للإطاحة به من الحكم في عام 1793.

وتساءلت الصحيفة إن كانت تايوان ستواجه مصيرًا مشابهًا للحكومة الأفغانية بعدما قررت الولايات المتحدة التخلي عن حلفائها في كابول، مشيرةً إلى أن الطريقة الوحيدة التي يمكن للولايات المتحدة المحافظة فيها على تحالفها مع تايوان هي إبرام صفقات الأسلحة معها، واصفة صفقات الأسلحة والسلع الغذائية بين البلدين بأنها "صفقات جيوسياسية مربحة" للولايات المتحدة.

ومضت الصحيفة في افتتاحيتها متساءلة مرة أخرى إن كانت الولايات المتحدة ستحصل على الدعم الغربي اللازم إذا ما قررت الدفاع عن تايوان أكثر من الدعم الذي حصلت عليه في الحرب على أفغانستان، مؤكدةً على أن "القوات التايوانية سوف تنهار دفاعاتها في غضون ساعات" أمام القوات الصينية في الوقت الذي ستتجنب الولايات المتحدة تقديم الدعم للجزيرة الآسيوية.

فعليًا، تتصدّر نقاشات الأزمة التايوانية – الصينية وسائل التواصل الاجتماعي في الصين التي يديرها الحزب الشيوعي الحاكم، فقد انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي عبارة "سايغون أمس، أفغانستان اليوم، وتايوان غدًا" لا في الصين فحسب، بل امتدت إلى تايوان أيضًا، ومع ذلك فإن المحللين الصينين يرفضون فكرة مقارنة أفغانستان مع تايوان، على اعتبار أن أفغانستان دولة مستقلة وتايوان مقاطعة أو جزء من الصين.

لمحة سريعة عن أصل الصراع بين تايوان والصين

تعود جذور التصريحات الصينية التي تنادي بالسيطرة على تايوان إلى المرحلة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وتحديدًا في العام 1949، عندما تمكن الشيوعيون بقيادة الزعيم الصيني ماوتسي تونغ   من هزيمة زعيم حزب الكومنتانج ورئيس الحكومة القومية شيانغ كاي شيك، مما دفع بالزعيم القومي إلى الانسحاب مع أعضاء حكومته إلى تايوان، وإعلان تايبيه عاصمة مؤقتة للبلاد تحت مسمى جمهورية الصين أو تايوان، ورد عليه الزعيم الشيوعي بإعلان جمهورية الصين الشعبية.

وحتى ما قبل هزيمة الحكومة القومية في بكين، كان يُنظر إلى تايوان على أنها من ضمن الأراضي التابعة لدولة الصين الكبرى، وكانت تعتبر من بين الدول التي شاركت في تأسيس هيئة الأمم المتحدة، وإحدى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن حتى عام 1971، عندما سُحب حق العضوية من تايوان لصالح جمهورية الصين الشعبية، واعتبر القرار الأممي حينها أن الصين الشعبية هي الممثل الشرعي لجمهورية الصين قبل نشوب الحرب الأهلية بين القوميين والشيوعيين.

وشهدت السنوات التي استبقت وصول الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الحكم تجاذبات سياسية بين الطرفين، إلا أن سياسة جين بينغ الخارجية المتمثلة ببسط بكين لنفوذها في شرق آسيا أولًا، وعلى المستوى العالمي ثانيًا، ساهمت بتعزيز رغبة تايوان بالاستقلال عن بكين رسميًا، والتي زادت من لهجتها مع وصول مرشحة الحزب الديمقراطي التقدمي المؤيد للاستقلال تساي إنغ وين إلى الحكم في عام 2016، وحصولها على الاعتراف الدولي من 21 دولة فقط، علمًا أن تايوان غير معترف بها كدولة مستقلة من الأمم المتحدة حتى الآن.

بايدن يؤكد تايوان "ليست قابلة للمقارنة" مع أفغانستان

بالعودة إلى تعليقات أبرز الصحف الصينية الناطقة باللغة الإنكليزية فيما يخص تايوان، رد رئيس الوزراء سو تسنغ تشانغ على ما يُثار من مقالات في الصحف الصينية بالقول إن مسؤولي الجزيرة الآسيوية "لا يخشون مواجهة القتل أو السجن" من قبل الصين التي تريد بسط نفوذها على تايوان بـ"القوة"، بينما غرّد المسؤول المحلي في الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم، وين لي، مؤكدًا على أن "تايوان ليست أفغانستان"، في حين اعتبرت المتحدثة باسم المكتب الرئاسي، كولاس يوتاكا، أن المقارنات التي تتم بين البلدين "تتجاهل الحقائق"، وتابعت مضيفة أن هذه المقارنات "لا تُظهر أي اعتبار للمعاناة الإنسانية الهائلة التي يواجهها الكثير من الأفغان اليوم".

في البحث عن الموقف الأمريكي، كان لافتًا إثارة المعلق السياسي جورج ستيفانوبولوس لقضية تايوان في حواره مع الرئيس الأمريكي الذي عرض عبر شبكة ABC News الأمريكية، فقد تعهد بايدن في المقابلة التلفزيونية بأن الولايات المتحدة "سترد على أي غزو صيني محتمل لتايوان"، وأن الولايات المتحدة ستستخدم مع تايوان الإجراء ذاته الذي ستلجأ إليه إذا ما تعرض أحد حلفائها لهجوم عسكري، قبل أن يضيف مؤكدًا على أن "الحديث عن ذلك لا يمكن مقارنته (بأفغانستان).. لا يمكن المقارنة".

A group of Taiwanese protesters holding up signs, with one reading 'Taiwan yes, China no'
من احتجاجات مناصرة للاستقلال في تايوان ومنددة بالتدخل الصيني (أ.ب)

يمكن القول إن سؤال ستيفانوبولوس المرتبط بتايوان لم يخرج عن الإطار العام لمجمل أسئلة الصحفيين التي وجهت لموظفي البيت الأبيض خلال الأيام الماضية، والتي يبرز فيها توافق تصريحات مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان مع تصريحات بايدن، عندما شدد على أن التزام الولايات المتحدة اتجاه حلفائها وشركائها "مقدس"، وتابع موضحًا أن "تايوان مسألة مختلفة اختلافًا جوهريًا عن أفغانستان".

بينما نقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أن المتحدث باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، قال في تصريحات يوم الأربعاء: "لقد رأيتم أننا نستثمر في منطقة المحيطين الهندي والهادئ بطرق تتجاوز ما فعلته الإدارات السابقة"، وأضاف "لقد رأيتمونا نقف إلى جانب شركائنا، سواء كانت تايوان، أو إسرائيل، أو أي دولة أخرى، أو أي كيان آخر لدينا معه شراكة قوية والتزام".

مخاوف من نهج الولايات المتحدة "الغامض" اتجاه تايوان

 أمام هذا الزخم من التعليقات التي جاءت على خلفية التدريبات العسكرية الصينية في محيط الجزيرة الآسيوية، يرى الخبير في الجامعة الوطنية شينغشي في تايوان، آرثر دينغ، أن الدعاية الصينية المكثفة مؤخرًا حول تخلي الولايات المتحدة عن أفغانستان ليست إلا "حربًا نفسية رخيصة"، لافتًا إلى أن الهدف منها نقل عدم الثقة بالولايات المتحدة إلى المعارضة في تايوان الموالية للصين.

وفي حديثه لبرنامج  Squawk Box Asia الذي تبثه قناة CNBC الأمريكية، يوضح نائب الرئيس الأول لمركز التحليل الاستراتيجي ستراتفور، رودجر بيكر، أن التدريبات العسكرية التي أجرتها الصين في محيط جزيرة تايوان مؤخرًا، كانت بالتزامن مع محاولة وسائل الإعلام الصينية المدعومة من الحكومة تصوير الولايات المتحدة على أنها "قوة ضعيفة وغير موثوقة" في أفغانستان.

وتابع بيكر مضيفًا بأن هذه التقارير ما كان يمكنها الصدور لو لم يكن مسموحًا بها من الحكومة الصينية، والتي هدفها التأكيد على أن "الولايات المتحدة ستتخلى عن تايوان بنفس السرعة التي تخلت فيها عن أفغانستان"، مضيفًا بأن الحكومة الصينية تملك القدرة "على محاولة استخدام ذلك لتشكيل التصورات في تايوان بأنه لا يوجد طريق للمضي قدمًا نحو الاستقلال، ويجب عليهم إعادة التفكير في علاقتهم مع البر الرئيسي".

وعند سؤال عن توقعاته بشأن رد إدارة بايدن على أي تحرك عسكري صيني محتمل اتجاه تايوان، أشار بيكر إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية "ستستمر على الأرجح في (نهج) المسار الغامض بدلًا من (نهج) مسار محدد واضح".

كيف تنظر العواصم الآسيوية إلى الانسحاب الأمريكي من أفغانستان؟

تشير وول ستريت جورنال في معرض تعليقها على الموقف الأمريكي من محاولات الصين بسط نفوذها على تايوان، إلى أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة كانت قد تعهدت بوضع المزيد من الموارد الدبلوماسية والعسكرية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لمواجهة صعود الصين دون تغييرات كبيرة في عمليات الانتشار، لافتةً إلى تركيز الرئيس السابق دونالد ترامب على توثيق التعاون مع اليابان والهند وأستراليا في إطار الحوار الأمني الرباعي، بينما واصل بايدن هذا النهج في الوقت الراهن.

وتتوافق وجهة نظر الصحيفة الأمريكية التي تقول إن الخروج الأمريكي من أفغانستان قد يوفر قدرة أكبر على تعزيز تنسيقها العسكري مع الرباعية، مع مجلة فورين بوليسي الأمريكية، التي ذكرت أن العواصم الآسيوية ستراقب الآن عن كثب لمعرفة ما إذا كان التحول الاستراتيجي المعلن منذ فترة طويلة نحو آسيا في سياسات الولايات المتحدة سيحدث بالفعل الآن بعد أن غادرت القوات الأمريكية أفغانستان.

ورأت المجلة أن سياسة الولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادئ يجب أن تهدف إلى هدفين متوسطي المدى، أولهما يتمثل بإعادة بناء النظام التجاري وإعادة دمج الولايات المتحدة بحيث يمكن لدول المحيطين الهندي والهادئ أن تقلل اعتمادها الاقتصادي تدريجيًا على الصين، وثانيهما عمل الولايات المتحدة مع شركائها لمنع التوازن العسكري في آسيا من الميل أكثر نحو الهيمنة الصينية.

هناك نقاش مستمر في واشنطن حول الموارد العسكرية التي سيتم نشرها على طول ما يسمى بسلسلة الجزر الأولى في بحر الصين الشرقي والجنوبي وسلسلة الجزر الثانية

وختمت فورين بوليسي تقريرها بالقول إن الخروج الكامل من أفغانستان سيسمح بتركيز موارد الولايات المتحدة بشكل أكبر على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، لافتةً إلى وجود نقاش مستمر في واشنطن حول الموارد العسكرية التي سيتم نشرها على طول ما يسمى بسلسلة الجزر الأولى في بحر الصين الشرقي والجنوبي وسلسلة الجزر الثانية التي تمتد من اليابان عبر غوام إلى بابوا غينيا الجديدة في غرب المحيط الهادئ.