29-يناير-2021

توتر جديد بين الصين وتايوان (رويترز)

لا يبدو أن العام الجاري سيكون مختلفًا بنسبة كبيرة عما سبقه فيما يخص الصراع الأمريكي – الصيني على النفوذ العالمي، بعدما بلغ ذروته بتبادل الجانبين طرد عدد من الدبلوماسيين على أراضيهما، حيثُ يدخل العام الجاري مع تصاعد حدة التوتر في بحري الصين الجنوبي والشرقي اللذين تقع بينهما جزيرة تايوان، وسط محاولات الحزب الشيوعي الصيني الحاكم بسط نفوذ بكين على الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي، مما يعطيها نفوذًا سياسيًا إضافيًا في شرق آسيا.

عاد التوتر الدبلوماسي إلى جزيرة تايوان، التي تدعي الصين أنها تخضع لسيادتها، بعدما اخترقت مجموعة من الطائرات المقاتلة والقاذفات الصينية القادرة على حمل رؤوس نووية مجال الدفاع الجوي للجزيرة

طلعات جويه أشبه بسيناريو حرب

عاد التوتر الدبلوماسي إلى الجزيرة الآسيوية التي تدعي الصين أنها تخضع لسيادتها مع بداية الأسبوع الماضي، بعدما اخترقت مجموعة من الطائرات المقاتلة والقاذفات الصينية القادرة على حمل رؤوس نووية مجال الدفاع الجوي لجزيرة تايوان، مما استدعى وزارة الدفاع التايوانية للرد على هذا الاختراق بإعطاء الأوامر للقوات الجوية التايوانية بإجراء تدريب يحاكي فرضية وقوع الجزيرة في حالة حرب، وفق ما أظهر مقطع مصور نشرته وكالة رويترز.

اقرأ/ي أيضًا: الصين وحرب "الشعب" ضدّ كورونا.. هل يمكن أن نثق بالأرقام الصينية؟

وبالتزامن مع تحليق مقاتلات سلاح الجو الصيني داخل المياه الإقليمية للجزيرة الآسيوية يومي السبت والأحد الماضييّن، قالت القوات الأمريكية يوم السبت الماضي إنها أرسلت مجموعة من حاملة الطائرات تيودور روزفلت إلى بحر الصين الجنوبي، في خطوة استدعت إصدار إدارة السلامة البحرية الصينية مذكرة تحظر الدخول إلى خليج تونكين الواقع جنوب غربي الصين ما بين يومي 27 – 30 كانون الثاني/يناير الجاري، متذرعة بإجرائها تدريبات عسكرية دون أن تحدد موعدها.

واعتبارًا من أيلول/سبتمبر الماضي كثفت بكين من طلعاتها الجوية التي اخترقت بشكل دائم الركن الجنوبي الغربي من منطقة الدفاع التايوانية، والتي ترد عليها القوات التايوانية بإرسال مقاتلات من مدينة تاينان لاعتراض المقاتلات الصينية، وغالبًا ما تقوم بكين بإرسال طائرة إلى ثلاث طائرات لإجراء مهمات استطلاعية فوق الجزيرة، ووفقًا للمتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية فإن بكين نفذت خلال العام الماضي 380 توغلًا جويًا داخل منطقة الدفاع التايوانية.

وأشار النائب في البرلمان التايواني عن الحزب الديمقراطي التقدمي وانغ تينغ يو إلى أن الجيش التايواني لن يتفاجأ إذا ما استعدت الصين لشن هجوم عسكري على الجزيرة بهدف إخضاعها لنفوذها السياسي، وأضاف أن أنظمة الأقمار الاصطناعية والرادار التايوانية ستكون قادرة على رصد القوات الصينية التي من المتوقع حشدها في مقاطعتي قوانغدونغ أو فوجيان، وهو ما قد يستغرق 60 يومًا لإعداد القوات الكافية لشن هجوم برمائي، الأمر الذي سيمنح الحكومة التايوانية وقتًا لحشد المجتمع الدولي من أجل إيقاف الهجوم العسكري.

ويرى الأستاذ في الكلية الحربية الوطنية في واشنطن برنارد كول الطلعات الجوية التي نفذتها ثمانية مقاتلات صينية قرب مضيق تايوان نهاية الأسبوع الماضي بأنها أظهرت القدرة الفعلية للقوات الجوية الصينية على توجيه ضربات جوية متعددة للجزيرة الآسيوية، مع ترجيح احتمالات بأن نشهد مثل هذه الضربات في حال اتخذت الصين قرارًا بشن هجوم عسكري على تايوان، في حين اعتبر الخبير العسكري إيان إيستون أن الطلعات الجوية الأخيرة تشير إلى استعداد الصين لمثل هذا السيناريو.

الصين تهدد باستخدام القوة لمنع استقلال تايوان

وصف المتحدث باسم مكتب شؤون تايوان في مجلس الوزراء الصيني تشو فنغ ليان المناورات العسكرية التي نفذتها القوات الصينية في مضيق تايوان بأنها "تهدف إلى حماية السيادة الوطنية وسلامة الأراضي"، دون أن يستبعد إمكانية نشوب نزاع عسكري، موضحًا ذلك بقوله إنه "يعتمد على مدى الأعمال الاستفزازية"، في إشارة للحزب التقدمي الديمقراطي الحاكم الذي ينادي باستقلال الجزيرة الآسيوية عن الحكومة المركزية في الصين، والاعتراف بها دوليًا داخل المحافل الأممية.

وأكد المتحدث الصيني في تصريحاته على أن بكين "لن تلتزم بالتخلي عن استخدام القوة ونحتفظ بخيار اتخاذ جميع التدابير والإجراءات اللازمة" لمنع ما وصفها بـ"الأنشطة الانفصالية" التي يقوم بها الحزب الحاكم في تايوان للحصول على اعتراف دولي باستقلال الجزيرة، وهو ما تسبب بإلحاق الضرر "بالمصالح الأساسية للأمة الصينية إلى جانب الإضرار بالسلام والاستقرار في مضيق تايوان" على حد تعبيره.

والواضح أن اللهجة التصعيدية من الجانب الصيني جاءت كحالة من الرد على أول تعليق صادر عن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن فيما يخص تايوان، فقد أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس إلى أن الولايات المتحدة "تلاحظ بقلق التوجه الحالي لجمهورية الصين الشعبية إلى ترهيب جيرانها بما في ذلك تايوان"، مطالبًا بكين بإيقاف "ضغوطها العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية" التي تمارسها على الجزيرة، ومؤكدًا على مواصلة بلاده تقديم المساعدة للحكومة التايوانية لضمان قدرتها على "الدفاع عن نفسها".

وكانت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية قد أشارت في تقرير سابق إلى تكثيف سلاح مشاة البحرية الأمريكية من تدريباتهم العسكرية في اليابان، كما أوضح التقرير الذي نشر مع بداية العام الجاري أن التدريبات المكثفة تأتي كنوع من الرد على الصراع الدائر غرب المحيط الهادئ، حيث تنادي الصين بسيطرتها على المنطقة البحرية، بما في ذلك سلسلة الجزر الأولى في المحيط الهادئ، وهي سلسلة طويلة من الجزر التي تسيطر عليها اليابان وصولًا إلى تايوان وأجزاء من الفليبين حتى بحر الصين الجنوبي.

ويصنف بحر الصين الجنوبي على أنه واحد من أهم الممرات المائية الذي يعبر منه ثلث الشحنات التجارية عالميًا، بقيمة تقارب 5,3 تريليون دولار سنويًا، فضلًا عن تقديرات مراكز الأبحاث الأمريكية التي تحدثت عن احتوائه لما يقدر بـ11 مليون برميل من النفط مع 190 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، فيما تقول تقديرات صينية إن الكمية تصل إلى 125 مليار برميل نفطي ونحو 500 تريليون قدم مكعب من الغاز.

كيف نشأ الصراع على الجزيرة الآسيوية؟

تعود جذور التصريحات الصينية التي تنادي بالسيطرة على تايوان إلى المرحلة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وتحديدًا في العام 1949، عندما تمكن الشيوعيون بقيادة الزعيم الصيني ماوتسي تونغ   من هزيمة زعيم حزب الكومنتانج ورئيس الحكومة القومية شيانغ كاي شيك، مما دفع بالزعيم القومي إلى الانسحاب مع أعضاء حكومته إلى تايوان، وإعلان تايبيه عاصمة مؤقتة للبلاد تحت مسمى جمهورية الصين أو تايوان، ورد عليه الزعيم الشيوعي بإعلان جمهورية الصين الشعبية.

وحتى ما قبل هزيمة الحكومة القومية في بكين، كان يُنظر إلى تايوان على أنها من ضمن الأراضي التابعة لدولة الصين الكبرى، وكانت تعتبر من بين الدول التي شاركت في تأسيس هيئة الأمم المتحدة، وأحد الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن حتى عام 1971، الذي شهد سحب حق العضوية من تايوان لصالح جمهورية الصين الشعبية، واعتبر القرار الأممي حينها أن الصين الشعبية هي الممثل الشرعي لجمهورية الصين قبل نشوب الحرب الأهلية بين القوميين والشيوعيين.

وشهدت السنوات التي استبقت وصول الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الحكم تجاذبات سياسية بين الطرفين، إلا أن سياسة جين بينغ الخارجية المتمثلة ببسط بكين لنفوذها في شرق آسيا أولًا، وعلى المستوى العالمي ثانيًا، ساهمت بتعزيز رغبة تايوان بالاستقلال عن بكين رسميًا، والتي زادت من لهجتها مع وصول مرشحة الحزب الديمقراطي التقدمي المؤيد للاستقلال تساي إنغ وين إلى الحكم في عام 2016، وحصولها على الاعتراف الدولي من 20 دولة فقط، علمًا أن تايوان غير معترف بها كدولة مستقلة من الأمم المتحدة حتى الآن.

كيف تنظر إدارة بايدن إلى استقلال تايوان؟

يُنظر إلى الصراع المتفاقم في مضيق تايوان على أنه من أبرز التحديات التي تواجهها الإدارة الأمريكية الجديدة في شرق آسيا، وهي تضاف إلى مجموعة من التحديات الاقتصادية التي فرضتها سياسة الرئيس السابق دونالد ترامب في تعاطيها مع الملف الصيني، وعلى الرغم من أن الموقف الأمريكي المتشدد من الصراع مع الصين يحظى بموافقة الحزبين الرئيسيين في الكابيتول هيل – الديمقراطي والجمهوري – فإن السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض جين ساكي أشارت إلى اختيار إدارة بايدن البدء "من منهج الصبر" فيما يخص العلاقات الأمريكية – الصينية، بانتظار ما ستفضي إليه المشاورات التي تجريها واشنطن مع حلفائها.

ويتفق معظم المحللين على أن إدارة بايدن لن تكون على عجلة من أمرها في إعادة النظر بالعديد من القرارات التي أصدرتها إدارة ترامب بشأن الصين، حيث يرى الباحث في مركز البحوث الاستراتيجية والدولية في واشنطن سكوت كينيدي أن سلسلة القيود مصحوبة بالعقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة ترامب خلال الأشهر الأخيرة تجعل التراجع عنها من قبل إدارة بايدن "مستحيلًا سياسيًا وصعبًا تقنيًا".

وعلى ذلك فإن السياسة التي ستنتهجها إدارة بايدن اتجاه الصين لا يبدو أنها ستكون مختلفة كثيرًا عن إدارة ترامب، وهو ما انعكس في إجابة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على سؤال مرتبط بنهج وزارته اتجاه الصين خلال جلسة الاستماع أمام مجلس الشيوخ التي استبقت مصادقة المشرعين على توليه المنصب، عندما قال إن وزير الخارجية السابق مايك بومبيو "كان محقًا في اتخاذ نهج أكثر حزمًا تجاه الصين"، وسط ترجيحات بأن تثير إدارة بايدن قضايا حقوق الإنسان المرتبطة بتايوان وإقليم شينجيانغ الصيني، إضافة لأزمة إقليم التبت الجبلي.

وقبل أقل من أسبوع من تنصيب بايدن رسميًا رئيسًا للولايات المتحدة، أعلنت إدارة ترامب إلغاءها القيود التي فرضتها واشنطن بشأن تواصل المسؤولين الأمريكيين مع نظرائهم التايوانيين، ووصف بيان صادر عن بومبيو القرار الصادر في عام 1979 عن إدارة الرئيس الديمقراطي السابق جيمي كارتر بأنه اتخذ "أُحاديًا إرضاءً للنظام الشيوعي في بكين"، مضيفًا بأن الإدارة الأمريكية (ترامب) تقيم "علاقات (الولايات المتحدة) مع شركاء غير رسميين في العالم أجمع، وتايوان لا تشكل استثناء".

قبل أقل من أسبوع من تنصيب بايدن رسميًا رئيسًا للولايات المتحدة، أعلنت إدارة ترامب إلغاءها القيود التي فرضتها واشنطن بشأن تواصل المسؤولين الأمريكيين مع نظرائهم التايوانيين

وكانت إدارة ترامب قد أصدرت قانونًا في عام 2018 سمح بموجبه للمسؤولين الأمريكيين على جميع المستويات العسكرية والحكومية والأمنية بزيارة تايوان للاجتماع مع المسؤولين التايوانيين، فيما صادق ترامب في الأشهر الأخيرة التي قضاها في البيت الأبيض على صفقات مبيعات أسلحة أُبرمت بمليارات الدولارات مع تايوان، مع صدور تقارير تتحدث عن أن صفقات الأسلحة التي أبرمت مع تايوان خلال العام الماضي تزيد عن خمسة مليار دولار.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 احتجاجات هونغ كونغ.. هل تكرر بكين سيناريو ساحة تيان أنمين؟