17-يناير-2017

تشكل ليلة الخميس الترفيه الأساسي الأسبوعي لشباب مصر (ماركو انغاري/أ.ف.ب)

كان يشتري مزيل العرق، قبل 12 عامًا، بعشرة جنيهات (حوالي نصف دولار)، وعلبة السجائر المستوردة "مارلبورو" بسبعة جنيهات، ويقطع تذكرة سينما شهريًا بخمسة عشر جنيهًا، ويتناول غداءه في الجامعة بمبلغ لا يزيد كثيرًا عن ذلك. يسرد عبد القوي محمد، 30 عامًا، قائمة مشترياته حين بدأ حياته الجامعية، وكان مصروف ثلاثمائة جنيه شهريًا يكفيه، ويقول: "الآن، راتبي وصل خمسة آلاف جنيه شهريًا ولا يكفي، السجائر تضاعفت خمس مرات، وتذكرة السينما وصلت خمسين جنيهًا، وأقل غداء (ديليفري) لا يقل عن مئة جنيه". يمسك عبد القوي ذراع الـ"بلاي ستيشن"، ويتذكر الصالات التي كانت مفتوحة في فترة تعليمه الثانوي، واحتوت ساعات "تزويغه" من المدرسة: "كانت الساعة بثلاثة جنيهات، والمباراة بجنيه، وأحيانًا نتعمّد التعادل لنلعب شوطًا إضافيًا مجانًا".

لم تعد ليلة الخميس عيد ميلاد إبليس، فقد تاب هذا الأخير على ما يبدو بسبب قرارات الغلاء ورفع الضرائب والجمارك

الآن؟، "ساعة البلاي ستيشن وصلت إلى ثلاثين جنيهًا، وليلة الخميس، الـ"ويك إند"، بأربعين". ليلة الخميس، عيد ميلاد إبليس، الاسم الشعبي لها في مصر، لها قصص أخرى.. فلم تعد "مخزن المزاج" الأسبوعي كما كانت.

بالنسبة إلى "رائد. س"، صحفي، 32 عامًا، كان اليوم يبدأ في مقهى "بندق" القريب من جامعة القاهرة، مشروبات تبدأ بالشاي وتنتهي بعصير القصب، الذي كان كوبًا "شوب" منه بربع جنيه فقط، بينما الآن ارتفع سعره إلى ثلاثة جنيهات (12 ضعفًا)، ولا ينتهي في المقهى. هناك يمرّ "الديلر" ويوزّع هداياه على الطلاب: إصبع حشيش بـ50 جنيهًا، وارتفع الآن إلى حوالي مئة وثمانين (10 دولارات) حسب "التقطيعة والاسطفة"، وتبدأ رحلة أخرى: "أدفع الحساب، خمسة وعشرين جنيهًا، أنا وأصدقائي التسعة، كنّا (شلة) تعرف أنّ الحرام مايتشربش غير في إزازة، ونولّي وجوهنا شطر وسط البلد".

اقرأ/ي أيضًا: الزواج في مصر بعد تعويم الجنيه.. معجزة!

لا أحد يعترض طلّاب المزاج، لا كمائن في الطريق، ولا أمناء شرطة يعترضون المقاهي، ولا حكومة تريد إزالتها، الحكومة تطارد المتظاهرين فقط. يفسّر رائد ذلك بأنّ "أيام الرئيس الأسبق، مبارك، كانت رفاهية في هذا الجانب، سياسة الدولة ضد الملل والغلاء، فالكل لا بد أن يعيش حياة حلوة حتى لا تقوم ثورة". داخل مقهى "الحرية" بوسط القاهرة، تطلب الشلّة "ستلا": "رخيصة، ومحلية الصنع، ومغرية مع الحشيش، و(الحرية) ملجأ لمجموعة من المحدثين والفقراء، الاثنين معًا، لا تريد دفع أكثر من عشرة جنيهات في السهرة".

يغري رائد وأصدقاءه شعار "قليل من الأشياء الجميلة وجدت لتبقى": "جميل وجذاب ويشبهنا ويداعب طموحاتنا الصغيرة". الآن؟.. توقف رائد عن غسيل دماغه أسبوعيًا في "الحرية"، لم تعد ليلة الخميس عيد ميلاد إبليس، فقد تاب بسبب قرارات الغلاء ورفع الضرائب والجمارك 60% مؤخرًا، رغم أنها لم تشمل الخمور، إلّا أنّ سهرة واحدة في "بار" بوسط القاهرة لن تدفع فيها أقل من 200 جنيه إذا طلبت مشروبًا معقولًا، وفق قوله.

ارتفع سعر إصبع الحشيش إلى 180 جنيًها وأقل سهرة تكلف الشخص الواحد في أي "بار" في القاهرة 200 جنيهًا

تقف هالة، 28 عامًا، على عتبة السن شبه الرسمي للزواج بينما وصل سعر جرام الذهب، الذي يعتبر ميزانًا عالميًا لأسعار العملات والفروق الفردية بين دولة وأخرى، 560 جنيهًا مصريًّا (31 دولارًا)، وتضاعفت مصاريف جمارك وشحن الأجهزة الكهربائية. شيء واحد لم يرتفع هو الراتب. على مسافة بعيدة من الذهب والزواج، تقف نورهان البلاسي، 22 عامًا، وتعمل. تضع أصابعها على "بوست" ساخر بـ"فيسبوك" يقول إن الغرض من زيادة جمارك أدوات التجميل والنظافة فضح البنات. تقول: "بعض البنات، التي تضع ميك آب بشكل يومي، كان لديها ميزانية محدودة تداري بها (الديفوهات)". والآن؟، "الميزانية لا تكفي، وأسعار الميك آب فوق احتمال الطبقة المتوسطة. ولا بد أن تتحمل البنات الهالات السوداء تحت العيون، والشفاه الناشفة، والرموش القصيرة. لا بد أن تواجهوا الحقيقة"، على ما تقول.

تشير "نورهان" إلى قطعة ملابس قديمة في محل ملابس تركي، والمعروف إن الأزياء التركية هي الأرخص، وتقول: "كنت أشتري البنطلون ده بـ150 جنيه فقط.. الآن ارتفع إلى 300 جنيه". تحسب بالورقة والقلم: "سعر البنطلون بالدولار وهو ثابت، لكن الجنيه المصري انهار. سعر أدوات التجميل ثابت منذ خمس سنوات ولكن بالدولار فالجنيه انهار، وزاد عليه زيادة الجمارك والضرائب والشحن. كريم الأساس، الذي كنت أشتريه بمئة جنيه، أصبح بـ240". حتى "الكوافير والفتلة"، الأشياء اليدوية، تضاعفت أسعارها ثلاث مرات، والحل الوحيد ألّا تخرج البنت في السهرات و"الويك إند" وليالي الخميس، أو تستسلم للحقيقة دون تزييف أو ميكب أب، فالوضع بالنسبة إلى بنات مصر، كما تراه نورهان "مرعب".

اقرأ/ي أيضًا:

ما هي أبرز أحداث مصر في العام 2016؟

القبائل السيناوية.. عصيان مدني ضد الداخلية المصرية