15-فبراير-2020

يريد ترامب استخدام حق الفيتو ضد القرار (Getty)

صوتت الغالبية في مجلس الشيوخ، بمن فيهم ثمانية من المشرعين الجمهوريين الذين يتمتع حزبهم بغالبية النصف زائد ثلاثة، على قرار يلزم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحصول على إذن من الكابيتول هيل قبل القيام بأي عمل عسكري لاحقًا ضد إيران، في محاولة لكبح جماح الرئيس الأمريكي من جر واشنطن لمواجهة عسكرية مباشرة مع طهران بعدما شهدت الأسابيع الماضية ضربات جوية متبادلة بين الطرفين.

وافق مجلس الشيوخ على قرار يقيّد قدرة الرئيس ترامب على شن حرب ضد إيران، في خطوة أجمعت على وصفها الصحافة الأمريكية بأنها بمثابة "توبيخ"

بمثابة "توبيخ"

ووافق مجلس الشيوخ على قرار يقيّد قدرة الرئيس ترامب على شن حرب ضد إيران، في خطوة أجمعت على وصفها الصحافة الأمريكية بأنها بمثابة "توبيخ"، بعد الضربة الجوية التي استهدفت موكبًا كان يقل قائد فيلق القدس الذراع الخارجي للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني في محيط مطار بغداد الدولي في الثالث من كانون الثاني/يناير للعام الجاري، الأمر الذي هدد بنشوب صراع إقليمي واسع النطاق، يضاف للصراعات العسكرية التي تخوضها المنطقة منذ ما يربو على سبعة أعوام.

اقرأ/ي أيضًا: أسئلة ما بعد سليماني.. الحسابات الإستراتيجية أمام احتمالات التصعيد

وانضم في جلسة التصويت إلى الأقلية الديمقراطية ممثلةً بـ47 سيناتورًا، ثمانية جمهوريين سمحوا بتمرير القرار داخل المجلس، وإلى جانب السيناتور عن ولاية مين سوزان كلينز، أيد القرار كل من الأعضاء الجمهوريين مايك لي عن ولاية يوتا، راند بول عن ولاية كنتاكي، لامار ألكسندر عن تينيسي، بيل كاسيدي عن لويزيانا، جيري موران عن كانساس، تود يونغ عن إنديانا، وأخيرًا المرأة الثانية الأكبر سنًا بين الأعضاء الجمهوريين في المجلس ليزا ماركوفسكي عن ألاسكا.

ولم يشهد التصويت على القرار انضمام السيناتور عن ولاية يوتا ميت رومني إلى باقي الأعضاء المؤيدين له، رغم أنه قاد جهودًا سابقة داخل المجلس لاستدعاء الشهود فيما يخص قضية المكالمة الهاتفية التي أجراها ترامب مع نظيره الأوكراني فولدومير زيلينسكي، وتصويته على أحد بندي الاتهام الذي يقول إن الرئيس أساء استخدام السلطة، مقابل رفضه لتهمة عرقلة عمل الكابيتول لجمع الأدلة، بينما صوتت كلينز على قرار استدعاء الشهود، لكنها رفضت في الجلسة الأخيرة التهم الموجهة لترامب، وأدت في نهاية الأمر لتبرئته من قبل المجلس في وقت سابق من الأسبوع الماضي.

لكن ترامب استبق موعد انعقاد جلسة التصويت داخل مجلس الشيوخ بتعهده باستخدام حق النقض (الفيتو) لرفض القرار، وكان القرار يحتاج لموافقة ثلثي المجلس حتى يصبح ساري المفعول، دون الحاجة لتوقيع الرئيس للمصادقة عليه، إلا أن حصوله على موافقة 55 عضوًا بدلًا من 67 عضوًا، يلزم حصوله على توقيع ترامب حتى يصبح نافذًا، حيث من المتوقع بنسبة كبيرة أن يجري رفضه من قبل الرئيس لعدم موافقة ثلثي المجلس.

وكان الكابيتول هيل قد وافق في جلسة عقدت الشهر الماضي على قرار يمنع الرئيس دونالد ترامب من القيام بعمل عسكري جديد ضد إيران، بموافقة 224 عضوًا مقابل اعتراض 194 عضوًا آخرين، وسط أجواء طغى عليها طابع حزبي يعكس الانقسام العميق بين أكبر حزبين في الولايات المتحدة، المرتبط بالسياسة التي ينتهجها ترامب ضد إيران.

وقبل ساعات قليلة من تصويت مجلس الشيوخ على القرار، أعلنت القوات الأمريكية مصادرة أسلحة يعتقد أنها "من تصميم وتصنيع" إيراني كانت على متن سفينة شراعية في بحر العرب، ووفقًا لوكالة رويترز فإن السفينة التي اعترضتها القوات الأمريكية يوم الأحد الماضي، وجد داخلها 150 صاروخًا موجهًا مضادًا للدبابات، بالإضافة لثلاثة صورايخ سطح جو إيرانية الصنع، وهي المرة الثانية في أقل من شهرين بعدما ضبطت القوات الأمريكية قاربًا يحوي مكونات صواريخ متطورة يعتقد أنها إيرانية الصنع.

القرار يأتي مع ارتفاع عدد الجنود الأمريكيين في العراق

ويأتي تصويت مجلس الشيوخ على قرار يحد من قدرة ترامب على تنفيذ عمل عسكري ضد إيران، في خضم تصاعد التوتر بين طهران وواشنطن في المنطقة، وصل ذروته في الثالث من كانون الثاني/يناير بعد الضربة التي استهدفت الجنرال سليماني، ردت عليها طهران بعدها ببضعة أيام باستهداف قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار، وقاعدة عسكرية أخرى في مدينة أربيل العاصمة الإقليمية لإقليم كردستان العراق، حيثُ تتخذهما القوات الأمريكية مقرًا لعملياتها العسكرية في المنطقة.

وعلى الرغم من تقليل ترامب من حجم الضربة الإيرانية بتأكيده لأكثر من مرة، بقوله إن الخسائر اقتصرت على كونها مادية دون أن يكون هناك إصابات بين أفراد القوات الأمريكية في القاعدتين المستهدفتين، إلا أن أثار الضربة الجوية الإيرانية ظهرت لاحقًا، بإعلان وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) ارتفاع أعداد الجنود الأمريكين الذين تعرضوا لإصابات مؤلمة بالدماغ إلى 109 جراء الهجوم الصاروخي الإيراني.

وقال البنتاغون في بداية تقاريره إن قرابة 11 شخصًا من أفراد الخدمة العسكرية في العراق ظهر عليهم إصاباتهم بارتجاج بالدماغ بعد بضعة أيام من تنفيذ الإيرانيين للضربة الجوية، إلا أن العدد أخذ بالارتفاع تدريجيًا ليصل مجموع الإصابات إلى 109 جنديًا أعلن عنها خلال الأسبوع الجاري، وهو رقم يزيد عن 50 بالمائة من عدد الإصابات التي كشف عنها البنتاغون.

وتتعارض الإحصائية الأخيرة التي كشف عنها البنتاغون مع تصريحات ترامب التي قللت من شأنها، بوصفها أنها "ليست خطيرة للغاية" مقارنة بالإصابات التي شاهدها على حد تعبيره خلال مؤتمر صحفي عقده على هامش اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الشهر الماضي، إلا أن خبراء طبيين هاجموا ترامب بعد تصريحاته بإشارتهم إلى أن مثل هذه الإصابات قد لا تظهر أعراضها أحيانًا إلا بعد أيام أو أسابيع، وعادةً ما تكون أثارًا جسدية أو عقلية طويلة الأمد.

المشرعون الجمهوريون يشككون برواية الإدارة الأمريكية

أثار تستر المكتب البيضاوي على إصابة الجنود الأمريكيين في القاعدتين الأمريكتيين الكثير من التكهنات في أوساط النواب والمشرعين الأمريكيين، بالأخص بعد اشتكاء المشرعين من كلا الحزبين من الإحاطة التي قدمها فريق الأمن القومي لتبرير الضربة الجوية التي استهدفت الجنرال سليماني، الذي كان يوصف حتى لحظة استهدافه بأنه "الرجل الثاني في إيران"، مع ظهور تقارير تحدثت أنه أحد أبرز المرشحين لخلافة الزعيم الإيراني الأعلى أية الله علي خامنئي.

وينفي المشرعون من كلا الحزبين أن يكون الهدف من القرار تقييد الرئيس ترامب، بقدر ما هو إعادة لتأكيد الصلاحيات الدستورية للكابيتول هيل فيما يخص مسائل الحرب، بعد تنازلهم عن هذه الصلاحيات خلال العقود الماضية نتيجة للسلطة التنفيذية الحازمة التي اكتسبها الرؤساء الأمريكيون خلال السنوات الماضية، وسمحت لهم بشن المزيد من الضربات الصاروخية خارج الولايات المتحدة دون الحصول على موافقة الكابيتول، مستندين بذلك للمادة الثانية من الدستور التي تحدد صلاحيات الرئيس.

وكان السيناتور لي أحد المشرعين الذين صادقوا على القرار، قد اشتكى من الإحاطة الإعلامية التي قدمها كبير مستشاري الأمن القومي روبرت أوبراين، الذي تحدث عن وجود معلومات تفيد باستعداد سليماني بالاشتراك مع حلفاء إيران في المنطقة لاستهداف القوات والموظفين الأمريكيين في بغداد، لكن السيناتور لي أشار إلى أن مسؤولي الإدارة الأمريكية لم تكن لديهم الرغبة في الدخول بنقاش حقيقي لشرح الأسباب التي أدت لاستهداف سليماني دون الرجوع للكابيتول، بقوله إن الإدارة الأمريكية تعاملت معهم على أنهم مجرد "أطفال" بطلبها عدم مناقشة الأسباب علنًا، مشددًا على أن إعطاء ترامب الضوء الأخضر لتنفيذ الضربة الجوية "غير دستوري".

وبعد جلسة الإحاطة التي قدمتها الإدارة الأمريكية أمام مجلس الشيوخ الشهر الماضي، قال السيناتور لي للصحفيين إن هذه "أسوأ إحاطة إعلامية رأيتها" خلال السنوات التسع التي قضاها داخل مجلس الشيوخ، واستمع فيها للعديد من الإحاطات الإعلامية الخاصة بالضربات العسكرية خارج الولايات المتحدة، في حين كشف أحد كبار الديمقراطيين في الكابيتول هيل أن الإدارة الأمريكية لم يكن لديها الكثير من المعلومات لتقديمها في إحاطتها الإعلامية، مشيرًا إلى أنهم لم يقدموا أي "حقائق أساسية لتأكيد تهديد وشيك"، ولم تكن مختلفة في تفاصيلها عمّا جرى تداوله في التقارير الإخبارية.

ترامب يرفض القرار لعدم "إظهار الضعف" أمام إيران

واستباقًا لأي مفاجئة متوقعة داخل مجلس الشيوخ، غرّد ترامب عبر حسابه الرسمي على منصة تويتر مهاجمًا مضمون القانون، واعتبر ترامب قبل ساعات من عقد جلسة التصويت أن "الوقت ليس مناسبًا لإظهار الضعف" في إشارة للتهديدات المتبادلة بين القادة العسكريين والمسؤوليين الأمريكيين والإيرانيين، مشيرًا إلى أن الأمريكيين يؤيدون بشده الضربة التي استهدفت سليماني، مشددًا على أن القرار "يرسل إشارة سيئة" للإيرانيين، فيما يستمر الديمقراطيون بمحاولة إحراج الجمهوريين.

وبرز تناقض واضح في إشارة ترامب بتغريدته لتأييد الأمريكيين للضربة الجوية وفق استطلاع للرأي أجرى بعد ثلاثة أيام من تنفيذها، فقد أظهر الاستطلاع الذي شمل 1115 شخصًا، موافقة 10 بالمائة على الضربة مقابل رفض 86 بالمائة لها من الحزب الديمقراطي، فيما وافق 79 بالمائة على الضربة مقابل رفض 14 بالمائة من الجمهوريين للضربة، وأظهر المجموع العام للاستطلاع موافقة 37 بالمائة على الضربة مقابل رفض 53 بالمائة.

وفيما اعتبر السيناتور عن ولاية كارولينا الجنوبية ليندسي غراهام – أحد أبرز حلفاء ترامب – أن القرار في حال نجح فإن الرئيس الأمريكي لن يلتزم به أو يقبله أبدًا، فإن السيناتور لي أشار إلى أن المصادقة على القرار تعني "توزيعًا صحيحًا للسلطة بين الأفرع الحكومية الثلاث"، مؤكدًا على أن القرار يصب في صالح الرئيس ترامب، ويدعمه في سياسته الخارجية حتى لا تتورط واشنطن بسهولة في حرب خارجية.

وتوافقت كولينز في رأيها مع تصريحات السيناتور لي، بتأكيدها على أن أهمية القرار تكمن في إعادة التسلسل التشريعي لقرارات الحرب، بغض النظر عن الحزب الذي يسيطر على المكتب البيضاوي، وشددت على أنه رغم تأخر صدور القرار إلا أنه مطلوب بشدة، لكن أحد المساعدين الديمقراطيين في مجلس الشيوخ أشار لوجود ثغرة ضمن القرار تعطي الرئيس ضوءًا أخضر لتنفيذ ضربات جوية ضد ما لا يقل عن 30 منظمة أدرجتهم واشنطن ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية.

وكان الكابيتول هيل قد حاول مرارًا خلال السنوات الثلاث الماضية الحد من قدرة ترامب على القيام بأي عمل عسكري بقرار أحادي، وهي جهود شملت نوابًا جمهوريين إلى جانب الديمقراطيين رغم أنهم لم يتطرقوا لطرح أسئلة محددة مرتبطة بالعمليات العسكرية التي تنفذها القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان، إلا أن هناك دفعة متزايدة بين الحزبين لمنع ترامب من استخدام تصريحاته السابقة لشن المزيد من الهجمات العسكرية في مختلف أرجاء العالم.

واتجه الكابيتول هيل منذ موافقته على استخدام القوة العسكرية ضد تنظيم القاعدة في أفغانستان، والرئيس العراقي صدام حسين ما بين عامي 2001 – 2003، للتخلي عن سلطاته الخاصة بالموافقة على تنفيذ المزيد من الحروب، وخلال العام الماضي فشل النواب والمشرعون في المجلسين من إصدار قرار مماثل يطلب من البيت الأبيض قطع الدعم العسكري للتحالف الذي تقوده الرياض في اليمن ما أسفر عن سقوط مئات القتلى والجرحى منذ عام 2015.

ما هو قانون سلطات الحرب؟

وكان أبرز ما جاء في القرار الذي وافق عليه مجلس الشيوخ، المطالبة بتوجيه الرئيس ترامب لإنهاء استخدام القوة العسكرية ضد إيران أو أي جزء من حكومتها أو القوات الإيرانية، ما لم يحصل على تصريح أو ترخيص من الكابيتول هيل لاستخدام القوة العسكرية ضد طهران، كما نص على أنه لا يجوز تفسير أي جزء من القرار بأنه يمنع الولايات المتحدة من الدفاع عن نفسها في حال إمكانية حدوث هجوم وشيك على قواتها.

اقرأ/ي أيضًا: ما بعد اغتيال سليماني.. هل انتهى عصر الحرب بالوكالة في المنطقة؟

ووضع قانون سلطات الحرب لأول مرة في عهد الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون لتجنيبه الدخول في أي حرب طويلة الأمد مثل الحرب الأمريكية على فيتنام، إلا أن فعاليته تعرضت خلال السنوات التي أعقبت صدوره في عام 1973 للتشكيك، وواجه الرؤساء الأمريكيون اللاحقون الكثير من الانتقادات لفشلهم بالامتثال للقانون.

انضم في جلسة التصويت إلى الأقلية الديمقراطية ممثلةً بـ47 سيناتورًا، ثمانية جمهوريين سمحوا بتمرير القرار داخل المجلس

ويشير نص القانون الأساسي إلى اعتباره وسيلة تضمن "الحكم الجماعي للكونغرس" على أن يتم تطبيقه من قبل الرئيس، إضافة لأنه يلزم أي رئيس أمريكي بمشاورة نواب الكابيتول قبل إرساله القوات الأمريكية للحرب، ومطالبته الرؤساء بإنهاء نشاطات القوات الأمريكية العسكرية في الخارج بعد 60 يومًا من موافقة الكابيتول على الحرب إلا في حال قدم الكابيتول إعلانًا بالحرب أو تفويضًا لاستمرار العملية، إلا أنه منذ صدور القرار في سبعينات القرن الماضي عمد الرؤساء الأمريكيون إلى تجنبه إما بالاستناد لبنود قانونية أو بذريعة عدم دستوريته.

 

اقرأ/ي أيضًا:

استقطاب وانقسام.. كيف تفاعل الأمريكيون مع اغتيال سليماني؟

تقدير موقف: الأزمة الأمريكية – الإيرانية.. كيف ترد إيران على مقتل سليماني؟