17-مايو-2023
Getty

تحاول دولة الاحتلال التأكيد على تهويد القدس المحتلة من خلال مسار المسيرة (Getty)

بعد أيام من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والذي انتهى باستشهاد 33 فلسطينيًا، تعود دولة الاحتلال من جديد، لرفع وتيرة تصعيدها، من خلال موافقتها على مسار "مسيرة الأعلام" في مدينة القدس المحتلة.

وقدمت الحكومة الإسرائيلية الموافقة النهائية على مسار المسيرة، وقال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إن "مسيرة الأعلام ستجري في مسارها، وكما هو معد لها". وأضاف نتنياهو، خلال اجتماع للكتلة البرلمانية لحزب الليكود في الكنيست، أن حكومته تعمل على "تغيير ميزان الردع"، وفق تعبيره.

مسيرة الأعلام تأتي عقب أيام من العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة 

كما أشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن عددًا من أعضاء الحكومة سيشاركون في المسيرة، وبحسب القناة 13 الإسرائيلية، من المتوقع أن ينضم أربعة وزراء إلى مسيرة الأعلام، وهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير ’تطوير النقب والجليل’ يتسحاق واسرلاف، ووزيرة النقل والمواصلات ميري ريغيف، فيما تحدثت مصادر إعلامية أخرى، عن مشاركة عدد أكبر من وزراء حكومة الاحتلال في المسيرة. 

من جانبه، أجرى وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال إيتمار بن جفير، تقييمًا خاصًا للوضع صباح اليوم الأربعاء، مع كبار ضباط شرطة الاحتلال قبيل ما يعرف إسرائيليًا باسم "يوم القدس" ومسيرة الأعلام التي ستقام غدًا. وقال المتطرف بن غفير: "غدًا سنحتفل بيوم القدس، وعلينا السير في موكب الأعلام دون التفكير في أي تهديدات، والشرطة الإسرائيلية ستحمي المسيرة"، وفق قوله. 

من جهتها، أوضحت شرطة الاحتلال، أن أكثر من 3 آلاف شرطي، سيقمون بتأمين المسيرة، التي من المخطط أن تقتحم البلدة القديمة في مدينة القدس المحتلة. وأشارت الشرطة إلى أن إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، كما حدث في أيار/ مايو 2021، يبقى احتمالًا واردًا. بدوره، قال قائد شرطة الاحتلال في منطقة القدس دورون ترجمان، إن "المسيرة لن تدخل المسجد الاقصى، ولن يُسمح للأعلام الإسرائيلية بالدخول إلى الموقع الحساس".

Getty

مسارات جديدة وتهديدات

من جانبه، أعلن نائب رئيس بلدية الاحتلال في القدس المحتلة، أريه كينج، عن مسارات جديدة لمسيرة الأعلام في القدس. ودعا كينج المستوطنين المشاركين في المسيرة إلى ارتياد عدة مسالك وهي: طريق جبل المشارف خروجًا من مستوطنة "بيت أوروت" في جبل الطور، وطريق جبل الزيتون خروجًا من مستوطنة جبل الزيتون في حي رأس العمود، إلى جانب الالتقاء في عدة نقاط منها باب الأسباط والشيخ جراح وجبل المكبر.

وتنطلق المسيرة ضمن مسار ثنائي، من شوارع غرب المدينة المحتلة، وصولًا إلى حائط البراق، وتخترق المسارات البلدة القديمة المحتلة، من خلال باب العمود، بالإضافة للمرور في طريق الواد والحي الإسلامي، أما مسار المسيرة الثاني فسوف يمر من باب الخليل غربًا عبر الحي الأرمني.

وفي تصعيدٍ للموقف، هدد وزير الاستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتس، باغتيال من يحاول عرقلة مسير الأعلام، وقال: إن "مسيرة الأعلام ستتم كما جرت العادة من كل عام دون تغيير"، وفق وصفه.

كما أعلنت جماعات الهيكل المتطرفة، عزمها على اقتحام  المسجد الأقصى خلال المسيرة، وذلك عبر حشد 5 آلاف مستوطن متطرف.

وكانت جماعة الهيكل المتطرفة قد تقدمت بطلب رسمي للسماح للمستوطنين المتطرفين بالدخول إلى المسجد الأقصى ضمن مسار مسيرة الأعلام، وذلك عبر باب الأسباط، بدلًا من باب المغاربة. فيما تشير التقديرات إلى أن هذه الطلب لن يتم الموافقة عليه.

استعدادات لمواجهة مسيرة الأعلام 

وتتحول المسيرة في السنوات الأخيرة، إلى فرصة لفرض السيادة والوجود الاستيطاني في المدينة المحتلة. وردًا على ذلك، أعلن الحراك الشبابي الشعبي بالقدس المحتلة، أمس الثلاثاء، اعتبار أيام الخميس والجمعة، أيامًا لـ"العلم الفلسطيني"، ردًا على مسيرة الأعلام الإسرائيلية. ودعا الحراك، أهالي الضفة الغربية وغزة وداخل الخط الأخضر والشتات لرفع العلم في كل ساحة، وعند كل نقطة حدود يستطيعون الوصول إليها.

بدورها، قالت حركة حماس: "ندين حملة الاحتلال الصهيوني ضد أبناء شعبنا الفلسطيني في القدس المحتلة بذريعة تأمين ما يُسمّى "مسيرة الأعلام" الصهيونية وندعو أبناء شعبنا إلى شد الرحال والرباط الدائم للدفاع عن المسجد الأقصى المبارك".

من جانبه، أكد القيادي في حركة الجهاد الإسلامي داود شهاب، أمس الثلاثاء، أن "الجماهير الفلسطينية ستخرج يوم الخميس وسترفع العلم الفلسطيني"، مشيرًا إلى أن "هناك برنامجًا وطنيًا لمواجهة مسيرة الأعلام المقررة يوم الخميس". 

وحذر شهاب من أنه في حال كانت هذه المسيرة "غطاءً للاعتداء على المقدسيين أو اقتحام المسجد الأقصى، وفي حال حدث أي تجاوز يمس بأهلنا وشعبنا في أحياء القدس وضواحيها، فإن ذلك قد يؤدي إلى تصعيد".

وحملت وزارة الخارجية والمغتربين في السلطة الفلسطينية، حكومة الاحتلال الإسرائيلي، المسؤولية الكاملة عن مسيرة الأعلام الاستفزازية للمستوطنين، يوم غدٍ الخميس، ونتائجها، وتداعياتها، ليس فقط في مدينة القدس، وإنما على ساحة الصراع.

من جانبه، حذر الناطق الرسمي باسم رئاسة السلطة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، اليوم الأربعاء، حكومة الاحتلال الإسرائيلي من الإصرار على تنظيم مسيرة الأعلام الاستفزازية للمستوطنين في البلدة القديمة من مدينة القدس المحتلة، المقررة يوم غدٍ الخميس، مؤكدًا أنها لن تقود إلا إلى "التوتر وتفجير الأوضاع".

وقال أبو ردينة إن دعوات المتطرفين لاقتحام المسيرة للمسجد الاقصى المبارك سيشعل المنطقة وستكون العواقب وخيمة لمثل هذه المحاولات، محملاً حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن هذا التصعيد الذي سيؤدي إلى تفجير الأوضاع.

Getty

ما هو "يوم القدس الإسرائيلي"؟

ومسيرة الأعلام، هي جزء من الاحتفالات الإسرائيلية في ما يطلق عليه "يوم توحيد القدس"، الذي يعود إلى يوم 7 حزيران/ يونيو 1967، عندما تمكن الجيش الإسرائيلي من استكمال احتلال فلسطين ودخول جيش الاحتلال إلى مدينة القدس. 

وبعد عام من الاحتلال تم الاحتفال في أول ذكرى لـ"توحيد القدس" باعتباره يومًا وطنيًا، بحسب التقويم العبري. يذكر أن التقويم العبري هو التقويم الرسمي للأعياد الوطنية الإسرائيلية.

هذا القرار الذي اتخذ بعد عام من الاحتلال تم تثبيته في قانون عام 1998، باعتباره يوم عطلة وطنية. وضمن فعاليات "يوم القدس"، كان تنظم مسيرة سنوية للمجتمعات الريفية الاستيطانية مثل الكيبوتسات والمدن البعيدة التي تحضر إلى المدينة من أجل المشاركة في احتفالات "التوحيد" وإحياء ذكرى الجنود القتلى أثناء معارك احتلال القدس. بالإضافة إلى تجمع كبير يقام في المدرسة الدينية مركاز هاراف، يشارك فيه حاخامات وشخصيات سياسية وقوميون متدينون.

ويحصل الحدث على دعم مالي من قبل بلدية القدس ووزارة التربية والتعليم وجمعيات أخرى، ووصلت تكلفته عام 2018 إلى حوالي 300 ألف دولار. وخلال المسيرة، يتحرك مستوطنون مع أعلام إسرائيلية في شوارع المدينة برفقة فرق موسيقية تعزف أغانيًا دينية يهودية. ومنذ عام 2010 حتى عام 2016، منعت المسيرة من دخول بوابة الحي الإسلامي في داخل البلدة القديمة، كما تعرض مسارها للتغير خلال السنوات العشر الأخيرة، حتى وصلت إلى لحظة حاسمة عام 2017 في الذكرى الـ50 لاحتلال القدس، وفي حينه طوقت المسيرة كافة أسوار البلدة القديمة. أما العام الأبرز للمسيرة فقد كان عام 2021، عندما تقاطعت مع شهر رمضان واقتحامات المسجد الأقصى، بالإضافة إلى محاولة تطهير حي الشيخ جراح عرقيًا. حيث إن اجتماع هذه الأحداث أطلق هبة أيار التي شملت كافة فلسطين، واندلعت بالترافق معها معركة سيف القدس، التي ساهمت في تأجيل الحدث، وإقامته في يوم آخر ومسار مختلف تمامًا عن الذي أقر، وتم تجنب المرور من باب العمود والبلدة القديمة.

ما يعيد الحدث إلى المركز هذا العام، والذي قبله، هو القرار الإسرائيلي بإقامة المسيرة ضمن مسارها المعتاد. وتنظر فصائل المقاومة الفلسطينية لتغيير مسار المسيرة كأحد مكتسباتها في معركة "سيف القدس" وترفض أن يتم خلخلة الوضع الراهن، رغم مرورها العام الماضي ضمن المسار المعتاد، وسط حالة توتر كبيرة، انتهت دون تصعيد وسط. إلّا أن المستوى السياسي في إسرائيل يرى في إقامة المسيرة إعلانًا للسيادة الصهيونية على القدس.

ما يزيد من احتمالية التصعيد المرتبط بالمسيرة، أنها تحولت في السنوات الأخيرة إلى معركة لفرض الوجود الاستيطاني في القدس. ويظهر ذلك في تصريحات قادة اليمين الصهيوني، بالإضافة إلى تصريحات نتنياهو الأخيرة، الذي اعتبر عدوانه الأخير على غزة محاولة لردع فصائل المقاومة الفلسطينية، من الدخول في مواجهة خلال هذا اليوم. 

في الأعوام الأخيرة تتحول المسيرة إلى نقطة التوتر الأبرز، مع محاولة اليمين الصهيوني فرضها كمعركة سيادة على القدس المحتلة

وما يرفع من حدة التوتر، هو زيادة الاستقطاب القومي الصهيوني في هذا الحدث، فبعد أن كان حدثًا ضيقًا لسنوات ويقام في الليل، تحول إلى واحدة من أهم مناسبات تيار المتدينين القوميين، مما زاد من حدة المواجهة مع الفلسطينيين في القدس خلال المسيرة، خاصةً مع الاعتداءات التي تحصل عليهم والهتافات العنصرية التي تُطلق ضدهم، بما في ذلك التوعد بـ"نكبة ثانية".