05-مايو-2023
Getty

منظومة المراقبة ترسخ نظام الفصل العنصري الإسرائيلي (Getty)

لطالما قيدت إسرائيل حرية تنقل الفلسطينيين وحركتهم، لكن التقدم التكنولوجي، منح سلطات الاحتلال أدوات جديدة للمراقبة تعتمد بصورة مفرطة على الذكاء الاصطناعي للتعرف على وجوه الأشخاص وتعقّبهم بناءً على قواعد بيانات ضخمة للمراقبة تُجمَع بدون موافقتهم. 

بحسب منظمة العفو الدولية تستخدم السلطات الإسرائيلية نظامًا تجريبيًا للتعرّف على الوجه يُعرف باسم "الذئب الأحمر"

وقد اشتدت حدة المراقبة والقمع المتواصلين ضد الفلسطينيين، لاسيما في الخليل والقدس، مباشرةً بعد هبة أيار/مايو 2021، بحسب تقرير جديد نشرته منظمة العفو الدولية حول استخدام الاحتلال الإسرائيلي تكنولوجيا التعرّف على الوجه لترسيخ نظام الفصل العنصري "الأبارتهايد" عبر إضافة ما يمكن وصفه بـ "الأبارتهايد الرقمي".

فبحسب منظمة العفو الدولية تستخدم السلطات الإسرائيلية نظامًا تجريبيًا للتعرّف على الوجه يُعرف باسم "الذئب الأحمر" (Red Wolf) لتعقب الفلسطينيين وجعل القيود القاسية المفروضة على حرية تنقلهم مؤتمتة". 

وفي تقرير جديد يحمل عنوان الأبارتهايد الرقمي، وثقت المنظمة كيف يشكل "الذئب الأحمر" جزءًا من شبكة مراقبة متنامية باستمرار "ترسخ سيطرة الحكومة الإسرائيلية على الفلسطينيين، وتساهم في الحفاظ على نظام الفصل العنصري الذي تُطبّقه إسرائيل". 

 

Getty

وأكّد تقرير العفو الدولية أن نظام "الذئب الأحمر" منشور على الحواجز العسكرية في مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة، حيث يعمل على مسح وجوه الفلسطينيين ويضيفها إلى قواعد بيانات ضخمة للمراقبة بدون موافقتهم.

وقد وثّقت منظمة العفو الدولية أيضًا ازدياد استخدام إسرائيل لتكنولوجيا التعرّف على الوجه ضد الفلسطينيين في القدس المحتلة، وبخاصة في أعقاب الاحتجاجات وفي المناطق المحيطة بالمستوطنات غير القانونية.

وتدعم تكنولوجيا التعرّف على الوجه، في كل من الخليل والقدس المحتلة، شبكة كثيفة من كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة لإبقاء الفلسطينيين تحت المراقبة شبه الدائمة. ويبين تقرير الأبارتهايد الرقمي أن هذه المراقبة هي جزء من محاولة متعمدة من جانب السلطات الإسرائيلية لخلق بيئة عدائية وإكراهية للفلسطينيين بهدف تقليص وجودهم إلى أدنى حد في المناطق الاستراتيجية بالنسبة لإسرائيل.

Getty

بناء على ذلك يتوصل التقرير إلى أنه "إضافة إلى التهديد المستمر باستخدام القوة البدنية المفرطة والاعتقال التعسفي، يتعين على الفلسطينيين الآن مواجهة خطر تعقبهم بواسطة خوارزمية أو منعهم من الدخول إلى أحيائهم استنادًا إلى معلومات مخزّنة في قواعد بيانات تمييزية للمراقبة".

وتعليقًا على معطيات التقرير القوي قالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنياس كالامار: "تستخدم السلطات الإسرائيلية أدوات مراقبة متطورة لتعزيز التفرقة والعزل إلى حد كبير وأتمتة نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين. ففي المنطقة H-ـ2 في الخليل [بحسب تقسيمات اتفاقية الخليل 1996]، وثّقنا وجود نظام جديد للتعرّف على الوجه يُسمّى الذئب الأحمر يعزز القيود القاسية المفروضة على حرية تنقُّل الفلسطينيين، باستخدام بيانات بيومترية حُصِلَ عليها بصورة غير مشروعة لرصد تحركات الفلسطينيين حول المدينة والتحكّم بهم".

وأضافت كالامار "أبلغنا الفلسطينيون المقيمون في القدس والخليل كيف تعدت كاميرات المراقبة المنتشرة في كل مكان على خصوصيتهم وقمعت نشاطهم وقوّضت حياتهم الاجتماعية وجعلتهم يشعرون بأنهم مكشوفون على الدوام. وإضافة إلى التهديد المستمر باستخدام القوة البدنية المفرطة والاعتقال التعسفي، يتعين على الفلسطينيين الآن مواجهة خطر تعقبهم بواسطة خوارزمية أو منعهم من الدخول إلى أحيائهم استنادًا إلى معلومات مخزّنة في قواعد بيانات تمييزية للمراقبة. ويشكل هذا أحدث توضيح لسبب تَعارُض تكنولوجيا التعرف على الوجه مع حقوق الإنسان عند استخدامها بهدف المراقبة".

Getty

ودعا تقرير العفو الدولية "السلطات الإسرائيلية إلى وضع حد لمراقبة الفلسطينيين الجماعية والمستهدِفة ورفع القيود التعسفية التي تفرضها على حرية تنقلهم عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة، باعتبار هذه الخطوات ضرورية نحو تفكيك نظام الفصل العنصري". 

وبالتزامن مع صدور التقرير أطلقت العفو الدولية حملة تطالب بوقف الفصل العنصري الرقمي في فلسطين، ودعت النشطاء وجميع الراغبين إلى المشاركة في الحملة عبر "إرسال رسائل بريد إلكتروني إلى الشركات التي تبيع منتجات التعرّف على الوجه، للمطالبة بالوقف الفوري لإنتاج تكنولوجيات التعرّف على الوجه والتكنولوجيات البيومترية، وبحذف كافة البيانات البيومترية المُحصّلة بصورة غير قانونية والمستخدمة لإنشاء قواعد بيانات، وأي طرازات أو منتجات تستند إلى هذه البيانات".

حول عمل نظام المراقبة، أشارت المنظمة إلى أن "الذئب الأحمر" يُوسِّع قاعدة بياناته لوجوه الفلسطينيين بمرور الوقت. ووفقًا لشهادة أدلى بها لمنظمة كسر الصمت قائد عسكري إسرائيلي في الخليل، اتّضح أن الجنود يُكلَّفون بتدريب خوارزمية التعرف على الوجه الخاصة بـ"الذئب الأحمر" وتحسينها إلى أقصى حد حتى تستطيع البدء بالتعرف على الوجوه بدون تدخل الإنسان.

يشار إلى أن تقرير الأبارتهايد الرقمي الذي نشرته العفو الدولية مطلع شهر أيار/مايو الجاري يركز  على الخليل وشرق القدس لأنهما المدينتان الوحيدتان في الأراضي الفلسطينية المحتلة اللتان تقعُ داخل حدودهما مستوطنات إسرائيلية، أي داخل حدود المدينة نفسها. 

ويستند التقرير إلى الأدلة التي جُمعت خلال البحوث الميدانية التي أُجريت عام 2022، ومن ضمنها مقابلات مع السكان الفلسطينيين وتحليل للمواد المستقاة من المصادر المفتوحة وشهادات أدلى بها أفراد عسكريون إسرائيليون حاليون وسابقون. وقد وفّرت هذه الشهادات المنظمة الإسرائيلية كسر الصمت (Breaking the Silence)، واستُخدمت الشهادات لتأييد النتائج التي توصلت إليها منظمة العفو الدولية حول كيفية توظيف السلطات الإسرائيلية أنظمة التعرف على الوجه.

ويذكر تقرير أمنستي أنه "عند الحاجز رقم 56، أحد الحواجز التي يُلتقط أكبر عدد من الصور لها في الخليل، يفصل فاصل شاهق له بوابتان دوّارتان ومزوّد بما لا يقل عن 24 كاميرا في الخارج، الفلسطينيين عن السلع والخدمات الأساسية والعمل والتعليم والرعاية الصحية وعن أسرهم"، حيث تستخدم قوات الأمن الإسرائيلية نظامًا جديدًا للتعرّف على الوجه يُسمّى "الذئب الأحمر" (Red Wolf) على هذا الحاجز في الخليل، كما وتوظّف أجهزة مراقبة وتعرّف على الوجه في القدس، وقد تمكنت العفو الدولية من تحديد بعض من أجهزة المراقبة في هذا النظام على أنها تُباع من قبل شركة هيكفيجن المحدودة للتكنولوجيا الرقمية (Hangzhou Hikvision Digital Technology Co, Ltd.) التي يقع مقرها في الصين وشركة "تي كي إتش" للأمن (TKH Security) التي يقع مقرها في هولندا.

Getty

وبحسب أمنستي فإن "الفلسطينيين هم المجموعة العرقية الوحيدة من السكان الذين يُفرض عليهم استخدام حاجز 56 في الخليل أو الذين يتعرضون لهذه الكاميرات في القدس" ويضيف تقرير العفو الدولية أنه "وبسبب البيانات البيومترية التي تُجمع على نحو غير شرعي، يتعرض الفلسطينيون لخطر الاعتقال والاستجواب والاحتجاز تعسّفيًّا. وإذا استمرت المراقبة فلن يستطيع الناس العيشَ بكرامة".

في عام 2021، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرًا حول تقنيات المراقبة الإسرائيلية للفلسطينيين/ات في مدينة الخليل. ويشير التقرير إلى دمج تقنيات التعرف على الوجوه مع شبكة الكاميرات المنتشرة في المدينة والأجهزة الذكية التي يحملها الجنود على الحواجز. 

وتقوم التقنية في أساسها على تطبيق "بلو وولف Blue Wolf" الذي يقوم على تطابق الصور التي يلتقطها الجنود لأهالي مدينة الخليل مع قاعدة بيانات موجودة أساسًا لدى الجيش الإسرائيلي، تحتوي على ملفات تعريف وبيانات حول الشخص الذي التقطت له صورة وملفه الأمني. 

كما يعطي التطبيق إشارةً حول كيفية التعامل مع الشخص، سواء بالسماح له بالمرور أو الاعتقال. ويتنافس الجنود على التقاط أكبر عدد من الصور من أجل الحصول على إجازة إضافية كجائزة.

والمختلف عن تقرير أمنيستي، هو أن النظام "بلو وولف" يقوم بشكلٍ كبير على عامل بشري، في التقاط الصور وتحويلها إلى قرارات، مثل التحقيق أو الاعتقال.

في عام 2021، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرًا حول تقنيات المراقبة الإسرائيلية للفلسطينيين/ات في مدينة الخليل

وإجمالًا، ما سبق هو سطح الرقابة التقنية في فلسطين، حيث تنتشر على طرقات الضفة الغربية عمومًا آلاف الكاميرات التي تلتقط الصور بشكلٍ دائم، بالإضافة إلى منظومات تجسس ومراقبة أوسع تشمل الهواتف ومنصات التواصل الاجتماعي.