26-مايو-2022
تسعى المجموعات الاستيطانية إلى فرض سيادتها في القدس (Getty)

تسعى المجموعات الاستيطانية إلى فرض سيادتها في القدس (Getty)

وافق وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي على إقامة مسيرة الأعلام في القدس المحتلة، يوم الأحد 29 أيار/ مايو، ضمن مخططها المعتاد، الذي يشمل المرور في منطقة باب العمود والبلدة القديمة، بعد تأجيلها في العام الماضي على إثر هبة أيار وانطلاق معركة "سيف القدس" من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ثم منعها من المرور في منطقة باب العمود والبلدة القديمة.

تأتي المسيرة في سياق موجة تصعيد هي الأكبر منذ عام، توقعت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية حدوثها، نتيجة التقاء عدة مناسبات

وتأتي المسيرة في سياق موجة تصعيد هي الأكبر منذ عام، توقعت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية حدوثها، نتيجة التقاء عدة مناسبات مع بعضها البعض، مثل يوم النكبة والذكرى السنوية الأولى لهبة أيار، وشهر رمضان الذي ارتفعت فيه الاقتحامات للمسجد الأقصى نتيجة عيد الفصح اليهودي، بالإضافة إلى الذكرى السنوية لتأسيس إسرائيل على أنقاض مئات آلاف الفلسطينيين، وأخيرًا يوم استكمال احتلال القدس أو ما يطلق عليه إسرائيليًا "يوم توحيد القدس". أما ما يرفع من مستوى التصعيد، فهو اقتحام المسجد الأقصى.

نتيجة هذا السياق المتشابك من الأحداث، استدعى قرار وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي العديد من ردود الأفعال. فقد أجمعت فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة على رفض المسيرات، وأرسلت عدة رسائل تحذير وتهديد. وقبل أيام، أعلنت الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية أنها "ستقف بحزم أمام مسيرة الأعلام". وأضافت أن "الشعب لن يسمح بالمُطلق بكسر قواعد الاشتباك والعودة لمربع الاستفزازات الذي قُلنا فيه كلمتنا بكل قوة". فيما خرج قادة الفصائل بتصريحات أخرى تُؤكد على مضمون البيان السابق وتحذر الاحتلال من الإصرار على قراره فيما يخص المسيرة، واقتحام المسجد الأقصى.

هذه الضغوط وصلت إلى الإدارة الأمريكية التي طالبت إسرائيل بتغيير مسار المسيرة بعيدًا عن منطقة باب العمود والبلدة القديمة، حسب صحيفة يديعوت أحرنوت، باعتبار أن المسيرة يمكن أن تؤدي إلى اشتعال المنطقة مرةً أخرى خلال عام واحد. ويوافق كل من وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس ووزير الخارجية يائير لابيد على الطرح الأمريكي، فيما يرفضه رئيس الوزراء نفتالي بينيت ووزير الأمن الداخلي عومر بارليف. حيث كان بينت حازمًا في المناقشات الأمنية وأصر على رفض تغيير المسار، قائلًا: "ينبغي الحفاظ على السيادة في القدس". فيما أشار الصحفي الإسرائيلي باراك رافيد إلى أن السفير الأمريكي في إسرائيل قد التقى وزير الأمن الداخلي وأعرب عن مخاوفه من التوتر الذي قد ينتج عن المسيرة، دون أن يطلب منه تغيير مسارها.

بدورها، حذرت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من تغيير مسار المسيرة في اللحظات الاخيرة، لأنه سوف يفسر كضعف إسرائيلي. هذه التهديدات والأجواء المتوترة دفعت الشرطة الإسرائيلية إلى تنفيذ حملة اعتقالات قالت إنها "وقائية"، شملت 100 فلسطيني معظمهم من سكان القدس، بالإضافة إلى قيام الجيش بنشر ملاجئ متنقلة في مستوطنة سديروت، ونقل كتائب من قوات حرس الحدود من الضفة الغربية إلى القدس من أجل تأمين مسيرة الأعلام. فيما قرر المفوض العام للشرطة الإسرائيلية كوبي شبتاي، نشر 3000 شرطي في محيط منطقة باب العمود والبلدة القديمة من أجل تأمين المسيرة التي من المتوقع أن يشارك فيها 16 ألف مستوطن، كما طالب بتجنيد 3 فرق احتياط من حرس الحدود، وأعلن عن حالة التأهب القصوى في باقي قوات الاحتياط، كما تقرر نشر تعزيزات إضافية من الشرطة في "المدن المختلطة".

وفي نيسان/ أبريل الماضي، كان أعضاء من اليمين قد حاولوا محاكاة مسيرة الأعلام، بعد الإعلان عن مسيرة شبيهة حول أسوار البلدة القديمة في القدس، لكنها لم تحصل على موافقة الشرطة الإسرائيلية، وفي ظل تصعيد عالٍ وموجة عمليات فلسطينية منعت الشرطة الإسرائيلية المسيرة من المرور تجاه البلدة القديمة.

ومسيرة الأعلام، هي جزء من الاحتفالات الإسرائيلية في ما يطلق عليه "يوم توحيد القدس"، الذي يعود إلى يوم 7 حزيران/ يونيو 1967، عندما تمكن الجيش الإسرائيلي من استكمال احتلال فلسطين ودخل جيش الاحتلال إلى مدينة القدس. وبعد عام من الاحتلال تم الاحتفال في أول ذكرى لـ"توحيد القدس" باعتباره يومًا وطنيًا، بحسب التقويم العبري، والذي يصادف عادةً يوم 28 أيار/ مايو من كل عام أو بعده أو قبله بيوم. يذكر أن التقويم العبري هو التقويم الرسمي للأعياد الوطنية الإسرائيلية.

هذا القرار الذي اتخذ بعد عام من الاحتلال تم تثبيته في قانون عام 1998، باعتباره يوم عطلة وطنية. وضمن فعاليات "يوم القدس"، كان تنظم مسيرة سنوية للمجتمعات الريفية الاستيطانية مثل الكيبوتسات والمدن البعيدة التي تحضر إلى المدينة من أجل المشاركة في احتفالات "التوحيد" وإحياء ذكرى الجنود القتلى أثناء معارك احتلال القدس. بالإضافة إلى تجمع كبير يقام في المدرسة الدينية مركاز هاراف، يشارك فيه حاخامات وشخصيات سياسية وقوميون متدينون.

ومن التجمع الديني في مدرسة "مركز هراف"، تنطلق مسيرة الأعلام وصولًا إلى البلدة القديمة التي تدخلها باتجاه حائط البراق. ومسيرة الأعلام هي الحدث الأبرز للصهيونية الدينية، التي أطلقتها على يد أحد أبرز حاخاماتها تسفي يهودا كوك. وكانت المسيرة حدثًا ليليًا، تُحمل فيه الأعلام مع الغناء والرقص، قبل أن يتحول إلى حدث نهاري. فيما تعيد الصهيونية الحدث إلى جذور مستمدة من التراث الديني. وتحولت المسيرة إلى حدثٍ رسمي عام 1974، وأصبحت تقام منذ الساعة 4 مساءً وحتى 10 ليلًا.

يحصل الحدث على دعم مالي من قبل بلدية القدس ووزارة التربية والتعليم وجمعيات أخرى، ووصلت تكلفته عام 2018 إلى حوالي 300 ألف دولار. وخلال المسيرة، يتحرك مستوطنون مع أعلام إسرائيلية في شوارع المدينة برفقة فرق موسيقية تعزف أغانيًا دينية يهودية.  ومنذ عام 2010 حتى عام 2016، منعت المسيرة من دخول بوابة الحي الإسلامي في داخل البلدة القديمة، كما تعرض مسارها للتغير خلال السنوات العشر الأخيرة، حتى وصلت إلى لحظة حاسمة عام 2017 في الذكرى الـ50 لاحتلال القدس، وفي حينه طوقت المسيرة كافة أسوار البلدة القديمة. أما العام الأبرز للمسيرة فقد كان عام 2021، عندما تقاطعت مع شهر رمضان واقتحامات المسجد الأقصى، بالإضافة إلى محاولة تطهير حي الشيخ جراح عرقيًا. حيث إن اجتماع هذه الأحداث أطلق هبة أيار التي شملت كافة فلسطين، واندلعت بالترافق معها معركة سيف القدس، التي ساهمت في تأجيل الحدث، وإقامته في يوم آخر ومسار مختلف تمامًا عن الذي أقر، وتم تجنب المرور من باب العمود والبلدة القديمة.

ما يعيد الحدث إلى المركز هذا العام، هو القرار الإسرائيلي بإقامة المسيرة ضمن مسارها المعتاد. وتنظر فصائل المقاومة الفلسطينية لتغيير مسار المسيرة كأحد مكتسباتها في معركتها الأخيرة، وترفض أن يتم خلخلة الوضع الراهن خلال عام فقط. إلّا أن المستوى السياسي في إسرائيل يرى في إقامة المسيرة إعلانًا للسيادة الصهيونية على القدس.

ما يزيد من احتمالية التصعيد المرتبط بالمسيرة، أنها تحولت في السنوات الأخيرة إلى معركة لفرض الوجود الاستيطاني في القدس. يظهر ذلك في تصريحات النائب اليميني في الكنيست بن غفير الذي اعتبر فشل المسيرة في العام السابق انتصارًا لحماس والمقاومة في غزة. وما يرفع من حدة التوتر، هو زيادة الاستقطاب القومي في هذا الحدث، فبعد أن كان حدثًا ضيقًا لسنوات ويقام في الليل، تحول إلى واحدة من أهم مناسبات تيار المتدينين القوميين، مما زاد من حدة المواجهة مع الفلسطينيين في القدس خلال المسيرة، خاصةً مع الاعتداءات التي تحصل عليهم والهتافات العنصرية التي تُطلق ضدهم، بما في ذلك التوعد بـ"نكبة ثانية".

ما يزيد من احتمالية التصعيد المرتبط بالمسيرة، أنها تحولت في السنوات الأخيرة إلى معركة لفرض الوجود الاستيطاني في القدس

مما يشير إلى ذلك أيضًا، مقال نشره نائب رئيس بلدية القدس الإسرائيلي يوسي هافيليو، لافتًا للعواقب الإشكالية والخطيرة للمسيرة في مسارها الحالي، ومستذكرًا أحداث العام الماضي التي ترافقت معها، ومعتبرًا أن مسار المسيرة ليس مسألة سيادة بل هي مسألة حكمة وحساسية من أجل عدم زيادة التوتر. الأمر الآخر الذي يشير إليه أن هناك عددًا كبيرًا من المستوطنين المشاركين لا يهتمون بالوصول إلى حائط البراق، بل يريدون المرور من باب العمود والحي الإسلامي، وتخريب ممتلكات المقدسيين، وإطلاق الهتافات العنصرية والعنيفة.