08-سبتمبر-2022
مسلسل مو

من المسلسل

تعود فكرة مسلسل "Mo" إلى الممثل محمد عامر، وهو كوميدي فلسطيني أمريكي من مواليد 1981، وإلى رامي يوسف، وهو مغني راب مصري أمريكي من مواليد العام 1991. اشترك في الكتابة أزهر عثمان وصوفيا لير.

المسلسل كوميدي بقالب ساخر، يتألف من 8 حلقات، مدة كل حلقة حوالي 30 دقيقة، ومن إخراج الجزائري الأمريكي سلوفان نعيم، ومن تمثيل محمد عامر وتيريزا رويز وعمر إلبا وفرح بسيسو وغيرهم من الممثلين العرب، ويعرض حاليًا على منصة نتفليكس.

يحكي مسلسل "Mo" قصة محمد نجار، أو "مو"، اللاجئ الفلسطيني الذي وفد إلى الولايات المتحدة الأمريكية وهو في العاشرة من عمره، بعد هروب العائلة من الحرب الكويتية ووفاة والده تحت التعذيب

يحكي المسلسل قصة محمد نجار أو "مو"، اللاجئ الفلسطيني الذي وفد إلى الولايات المتحدة الأمريكية وهو في العاشرة من عمره، بعد هروب العائلة من الحرب الكويتية ووفاة والده تحت التعذيب. عاش "مو" في هيوستن الأمريكية مع والدته وشقيقته وشقيقه الأكبر طيلة عشرين عامًا دون أن يتمكن من الحصول على الجنسية، مع ما تركه ذلك من صعاب وتحديات واجهته وعائلته، ومن هم في مثل حالته من العرب والمسلمين المهاجرين، وانتقاله من وظيفة إلى أخرى بغية إعالة عائلته، سيما أنه ممنوع من العمل بسبب عدم امتلاكه أوراقًا قانونية.

يظهر الفيلم الاختلافات الثقافية واللغوية التي يجابهها المهاجرون واللاجئون العرب المسلمون في الغرب، مع ما يحمله ذلك من انسلاخ بين الوطن الأم وبين البلد المضيف، وما ينتج عن ذلك من صدام هوياتي وقلق وخوف من عدم القدرة على الاندماج في البلد الجديد وعيش حياة طبيعية.

محمد الملقب بـ"مو" هو الشخصية الرئيسية في المسلسل، يعبر عن هموم آلاف من العرب المسلمين في الولايات المتحدة والغرب، ولكن على وجه الدقة، الأبرز في شخصية "مو" يأتي كونه من أصل فلسطيني، مع كل ما يندرج تحت هذه الهوية من إشكاليات معقدة لصاحبها في الدول الغربية حيث الكفاح الثقافي اليومي مستمر ويكاد يكون منهكًا.

يعرف "مو" عن نفسه بكونه فلسطينيًا، يجيبه الشخص المقابل بالقول "آه باكستان"، يرد "مو" بالتفسير أكثر، فيتلقى ردًا أكثر قساوة "آه فلسطين في إسرائيل، شلومو". حمل الثقافة والقضية إلى ما وراء البحار ليس أمرًا هينًا، إنه بحاجة إلى ضخ إعلامي هائل وإلى تمسك وولاء فردي أكبر. يشير "مو" إلى ضرورة "تسويق العلامة التجارية" ويقصد بذلك فلسطين.

الإرهاق يلاحق الإنسان الفلسطيني في محاولته اليومية للتمسك بهويته في ظل عالم معولم وذوبان هوياتي داخل البلد المضيف، فبدءًا من صحن الحمص إلى زيت الزيتون والزفة والأغنيات الشعبية إلى غيرها من الأمور التي يمكن أن تعتبر ثانوية أو مجرد تفاصيل، لكنها في الوقت ذاته، لو جمعت في قالب واحد، لباتت مجموعة التفاصيل هذه تشكيلًا كاملًا للهوية والثقافة.

هذه التفاصيل اليومية مع ما تتضمنه من إرث ثقافي سواء إسلامي أو قومي عربي أو وطني فلسطيني هي ما تشكل ركيزة الهوية بالنسبة للعرب المسلمين عمومًا، والفلسطينيين خصوصًا، كونهم أصحاب القضية الفلسطينية الوطنية باعتبارها قضية وطن وأرض وشعب. في العنوان العريض، ما الذي يمكن أن يمر به المهاجر المسلم والعربي "محمد" في أمريكا؟ ولكن في العنوان الخاص جدًا، يمكن إعادة تحديد السؤال أكثر، فما الذي يمكن أن يمر به المهاجر المسلم والعربي الفلسطيني "محمد" في أمريكا؟ يمكن البدء بأكثر أمر شكلاني: ما الذي يدفع شخص ما لتغيير اسمه من محمد إلى "مو" حين يهاجر إلى بلد آخر؟ هناك مروحة من العوامل منها الخوف من النبذ والوصم والأحكام المسبقة، ومنها الرغبة في الاندماج في المجتمع المضيف وعملية الاندماج تحتم على الأفراد إقامة تنازلات وتسويات في الشكل والمضمون.

واللافت هذه الخلطة من التداخل اللغوي التي تتحدث بها شخصيات العمل، وهو ما يحيل إلى تشعب الهويات وتداخلها وتعقيدها في ذات الوقت مع ما تشمله من بناءات مركبة في شخصية المهاجرين. المهاجر العربي يتحدث باللغة الإنجليزية، ويقفز منها إلى اللغة العربية، ثم ينتقل بسلاسة إلى اللغة اللاتينية، وهو ما يشير إلى تركيب هوياتي من جانب يمكن النظر إليه بكونه تنوعًا ثقافيًا إيجابيًا، غير أن هناك جانبًا آخر سلبيًا يصيب الأفراد المهاجرين بنوع من ضياع الهوية الأصلية، وسط مجتمع متنوع متعدد الهويات والثقافات، سواء الدينية أم القومية أم العرقية أم اللغوية أم الجغرافية..

وبالرغم من السمة الغالبة للكوميديا في المسلسل، غير أن رحلة "مو" الحياتية في هيوستين تخفي نواةً حزينة داخل الشخصية، وهذا الحزن رفيق غالبية المهاجرين، خصوصًا من لم تتكلل رحلتهم بالنجاح والحصول على الجنسية، وعيشهم في قلق مستمر وفي حالة من الترحال والهرب الدائم من الأجهزة الأمنية، وسلطات إنفاذ القانون مما يعني عدم عيش حياة مستقرة. ما يميز هذه التجربة، أي تجربة "مو" أنها غير مطروقة من قبل بهذه الكثافة في السينما أو الدراما الغربية.

في مسلسل "Mo" محاولة دائمة لربط صورة الشعب الفلسطيني كشعب مسلوب من أرضه بصور أخرى من الظلم حول العالم

هناك محاولة دائمة لربط صورة الشعب الفلسطيني كشعب مسلوب من أرضه بصور أخرى من الظلم حول العالم، مثلما ما حدث مع الأمريكيين الأصليين، أو هروب المكسيكيين من المافيات والعصابات وغيرها من الكوارث التي حلت بشعوب كثيرة وضعتها في خانة العبودية لشعوب أخرى. ينبش المسلسل حكايا اضطهاد لشعوب أخرى بكونها مشابة لما يعاني منه الفلسطينيين، لكنه يثقل نفسه في ذات الوقت بهذه القصص سيما وأن طرحها عرضي.

في المقهى نجد عم "مو" المدعو "نذير" يلعب الورق مع صديق يهودي ويتحدثان في السياسة، وكل منهما يدافع عن دولته. ما الذي يمكن تفسيره من هذه المشهدية سوى كونها مشهدية شبيهة بتلك التي يطرحها اللبنانيون، أقصد مشهدية "الهلال يعانق الصليب" كرمز للتعايش الإسلامس المسيحي. هنا، في حالة "نذير" تبدو المسألة أكثر حدة وشديدة التعقيد عن تلك في الحالة اللبنانية، مرد ذلك إلى أن الصراع العربي الإسرائيلي قائم على الدم، ومحاولة إظهار إمكانية  للعب الورق بين فلسطيني ويهودي إسرائيلي كل منهما مناصر لطرف في القضية هو أمر يصعب فهمه وتفسيره، سيما وأن المناصرة تعني تأييد القتل والاحتلال والاستيطان وغيرها! ربما أراد منشئو العمل القول بأن الفلسطينيين واليهود يمكن أن يعيشوا سويًا بسلام تحت سقف دولة ديمقراطية علمانية كالولايات المتحدة الأمريكية. لكن يبقى هذا الطرح أقرب إلى كليشيه وغير واقعي كونه يستند إلى أمنيات وليس إلى واقع الأمر، وإلى ما يحدث في فلسطين من عنف وقهر واستيطان وانتهاك يومي لحقوق الإنسان الفلسطيني.

يبقى القول أن معالجة الفيلم من زاوية الصناعة السينمائية بات أمرًا عرضيًا، ذلك أن الأعمال السينمائية المنتجة من قبل منصات العرض صارت تتبع مسارًا إنتاجيًا أوتوماتيكيًا من الألف إلى الياء. باتت عملية صناعة السينما تمامًا كما تصنع السيارات في المصانع التي تنتج عشرات النسخ من السيارات، ولذا صار الحديث عن الصورة والألوان والمونتاج ومجمل عناصر العمل التقنية أمرًا ثانويًا، كونها عناصر أوجدتها حرفية المنصات وتمويلاتها اللازمة لتأمين أفضل جودة في عالم الصناعة.

إيقاع المسلسل سريع مع لقطات مونتاج سريعة. الحديث يمكن أن يطال الموسيقى الجميلة التي أغنت العمل، وكذلك الأداء التمثيلي لكادر العمل كان مقنعًا، وبعض الشخصيات قدمت أداءً ممتازًا. وأما السرد فلا يقتصر على البعد الثقافي للتاريخ العائلي لحياة الأسر الفلسطينيين المهاجرة، وحكايتهم في أمريكا وسعيهم للحصول على الجنسية، إنما يطرق أيضًا للحيز النفسي عند "مو"، ويغوص في أعماق الإنسان/الفرد وتأثير الثقافة على مشاعره وسلوكه وتوازنه النفسي وإدمانه، ومن ثم يتشعب أكثر وينتقل بالسرد إلى الإثارة والأكشن ليخلق نوعًا من الحماس لدى المشاهدين سواء المشاهدين العرب أم المشاهدين حول العالم، إذ لا يتطلب المسلسل شرحًا لمن هم غير عرب، وذلك يعود إلى السرد المبسط والسهل والواضح والمباشر الذي يقدمه العمل. إذًا هناك سرد ممتع لا ينتهي مع انتهاء الموسم الأول، وتبقى النهاية مفتوحة لموسم أو مواسم أخرى مقبلة.