28-يناير-2018

عناصر من المعارضة السورية المشاركة في عملية "غصن الزيتون" التركية (بولنت كيليك/ أ.ف.ب)

وضعت الحرب الأهلية السورية أوزارها، إلا أن حربًا جديدةً تمامًا قد بدأت للتو، وفي القلب منها الولايات المتحدة الأمريكية، وتركيا أيضًا كما يبدو. هذا ما يفصل فيه مقال نشرته مجلة فورين بوليسي، ننقله لكم مترجمًا بتصرف في السطور التالية.


إن فكرة اقتراب نهاية الحرب الأهلية السورية التي ترددت على مسامعنا مرارًا وتكرارًا خلال الشهور القليلة الماضية، أصبحت مبتذلة، واتضح أنها لم تكن صحيحة تمامًا.

أصبحت فكرة قرب انتهاء الحرب السورية التي ترددت كثيرًا مؤخرًا، مبتذلة، واتضح أنها لم تكن صحيحة تمامًا

أكد مسؤولون أمريكيون مؤخرًا، عزم واشنطن على الاحتفاظ بسيطرتها الفعلية على قرابة 28% من الأراضي السورية لأجل غير مسمى، في شراكة مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها الأكراد. إلا أن هذه الخطط تتعارض بشكل كبير مع الأطراف الدولية الفاعلة الرئيسية الأخرى في البلد التي مزقته الحرب.

اقرأ/ي أيضًا: عملية "غصن الزيتون".. أنقرة تبحث تأمين حدوها بعد إحباطها من واشنطن

ويشمل ذلك حليفة الولايات المتحدة الأمريكية سابقًا، تركيا، والتي بدأت مؤخرًا عملية "غصن الزيتون" العسكرية في بلدة عفرين التي يسيطر عليها الأكراد شمالي غرب سوريا. في الوقت نفسه، يشن نظام بشار الأسد هجماته بشكل رئيسي على المعارضين من العرب السنة جنوبًا، ويستكمل اجتياح قاعدة أبو الظهور الجوية في محافظة إدلب شمال البلاد.

هذا الكم من سفك الدماء لا يُربك خطط واشنطن فحسب، بل يثير التساؤلات أيضًا عما إذا كان المشاركون في الحرب السورية أنفسهم على وشك "استنزاف أنفسهم"، حسب صيغة مبتذلة أخرى. فحتى إذا كانت الديناميات التي تقود الصراعات المتشابكة في الحرب السورية أوشكت على الانتهاء، فإنها لا تؤسس لمستقبل سلمي مستقر للسوريين الذين عانوا طويلًا. بل سوف تولد صراعات جديدة تمامًا من رحم الصراعات القديمة.

منذ منتصف عام 2014، كانت هناك حربان مستعرتان بالتوازي على الأراضي السورية. الحرب "الأصلية" بين المعارضين ونظام بشار الأسد، والتي ارتكزت في المنطقة الأكثر كثافة سكانية غرب سوريا. أما الحرب الثانية، فهي الصراع بين تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من ناحية، والتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.

وكلا الحربين أوشكتا على الانتهاء. فتقريبًا حُسمت الحرب الأولى لصالح الأسد المدعوم بمليشيات أجنبية، في 30 أيلول/سبتمبر من عام 2015، وهو اليوم الذي ظهرت فيه الطائرات الحربية الروسية في سماء سوريا. إذ وجد المعارضون الذين يفتقرون للعتاد -عدا بعض الإمكانيات شديدة البدائية من مضادات الطائرات- أنفسهم عاجزين أمام القوة الجوية الروسية من جهة، والمليشيات المدعومة من إيران من الجهة الأخرى.

بناءً على ذلك، لم يكن استمرار النظام مشكوكًا فيه، إلا أنه اختلف كليًا عن ذلك النظام الذي شن حربًا ضد المتظاهرين في 2011، فبعد سبع سنوات، لم يعد النظام في دمشق قادرًا على التحكم في الأحداث كما في سابق الأمر، وبدلًا من ذلك، وجب التخلي ولو مؤقتًا عن رغبات تلك السلطات في مقابل ضمان بقائها، ولو صوريًا. 

إن الأحداث التي وقعت في الأيام الأخيرة في عفرين، تقدم لنا نموذجًا مثيرًا للاهتمام. فقد أعرب الأسد نفسه عن معارضته الشديدة للغزو التركي، وقال: "لا يمكن فصل العدوان التركي الوحشي على بلدة عفرين السورية، عن السياسة التي يتبعها النظام التركي منذ اليوم الأول من الأزمة السورية، والتي بُنيت أساسًا على دعم الإرهاب والمنظمات الإرهابية".

وصرح فيصل المقداد، نائب وزير خارجية النظام السوري، لبعض المراسلين الصحفيين في دمشق، بأن القوات السورية "على استعداد تام لتدمير الأهداف الجوية التركية في سماء الجمهورية العربية السورية".

لكن من الواضح أن لرعاة الأسد، تحديدًا الروس، وجهة نظر أخرى من العملية العسكرية التركية. فقد انسحب العسكريون الروس من المناطق الكردية قبيل بدء عملية غصن الزيتون، إذ لم يكن من الممكن للمقاتلات التركية عبور الحدود، وشن غاراتها في الوقت الراهن على مواقع تمركز القوات الكردية في بلدة عفرين، دون موافقة الجانب الروسي، نظرًا لوجود بطاريتي صواريخ "إس-400" تابعتين لقوات الدفاع الجوي الروسي، بما يضمن لموسكو التخلص من أي وجود غير مرغوب فيه في الأجواء السورية.

وكانت حكومة الأسد مُرغمة على التغاضي عن هذا الوضع، إرضاءً لمتخذي القرار الفعليين، وكما هو مُتوقع، لم تنفذ تهديدها بإسقاط المقاتلات التركية.

في النسخة الجديدة من الحرب السورية، لم يعد لفصائل المعارضة دور إستراتيجي، سوى أنها تقاتل من أجل البقاء، وبالوكالة الثانوية

وعلى نفس المنوال، فإن الأحداث الأخيرة تثبت كيف أن المعارضة لم تعد مسألة سورية بالأساس، إذ إن المتمردين المشاركين في عملية عفرين ضد القوات الكردية، ما هم إلا متعاقدون عسكريون يعملون لصالح الجانب التركي. في حين أنّ فصائل المعارضة في الشمال السوري، ومنذ صيف 2016، لعبت دور الوكالة الثانوية، عندما أصبح جليًا أنه لم يعد هناك أدنى احتمال لتحقيق نصر استراتيجي لقوات المعارضة على الأسد.

اقرأ/ي أيضًا: سيرة نوستالجيّة للثورة السورية

فصائل المعارضة تقاتل الآن فقط من أجل البقاء، أما المعارضون السوريون الذين يتخذون من تركيا، أو بالقرب من الحدود، مقرًا لهم، فليس أمامهم خيار سوى لعب دور الوكلاء لأنقرة، فيما أن قوات المعارضة جنوب البلاد، يلعبون دورًا مماثلًا لصالح الأردنيين أو الأمريكيين.

وصحيح أن الحرب ضد داعش، تكاد تضع أوزارها، لكنه لم يُقضَ على التنظيم المتشدد بشكل كامل، فلا يزال مسيطرًا على مناطق بصحراء دير الزور، ولا يزال قادرًا على شن هجمات مباغتة. ولعل داعش الآن يُجهز نفسه لتحوّل يضمن له بقاءً جديدًا، بأن يصبح تنظيمًا سنيًا عربيًا متمردًا، ربما على غرار نموذج ما قبل إعلان ما يسمى بـ"دولة الخلافة" في 2014.

ما الذي تعنيه هذه التطورات للفترة القادمة؟

هناك ثلاثة "لاعبين" رئيسيين على الساحة السورية في الوقت الراهن، وهم: معسكر النظام وإيران وروسيا، والذي يسيطر على أكثر من نصف أراضي البلاد، وعلى الغالبية العظمى من سكانها. وقوات سوريا الديمقراطية بقيادة الأكراد ودعم الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تسيطر على المناطق الغنية بالنفط جنوب دير الزور، وكثير من أفضل الأراضي الصالحة للزراعة في البلاد. والتحالف بين تركيا وفصائل المعارضة المعتدلة بما فيها فصائل إسلامية في الشمال السوري.

إلا أنّ هذه القوى الثلاثة، أو بالأحرى المعسكرات الثلاثة، لا تمثل كيانات منغلقة على نفسها، بل تحافظ على علاقات خاصة بين بعضها البعض، فمثلًا كل من تركيا والولايات المتحدة حلفاء ظاهريًا، على الأقل ضمن حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وإذا كانت التصريحات الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حول نية بلاده مهاجمة مدينة منبج، تصريحات جادة، فمن شأن ذلك أن يضع أنقرة على مسار التصادم مع المصالح الأمريكية، كما أن الأكراد يحافظون على علاقاتهم مع روسيا ونظام الأسد، على الرغم من أن مناطق حكمهم الذاتي بفرض الأمر الواقع محمية من الولايات المتحدة الأمريكية.

وتنحاز إسرائيل إلى الولايات المتحدة، لكنها تعتمد على علاقاتها الجيدة مع روسيا لضمان قدرتها على التحرك ضد النظام والأهداف المرتبطة بإيران جنوب سوريا، والتي هي نفسها في صف روسيا. وهكذا تتشابك خريطة المصالح والتحالفات الجزئية.

لا يستمد الصراع في سوريا زخمه من القوى السورية الداخلية، بل من المصالح التنافسية للقوى الخارجية المتصارعة على أنقاض سوريا: تركيا ضد الأكراد، وإسرائيل ضد إيران ووكلائها، والولايات المتحدة ضد إيران، ومن المحتمل الآن أنقرة ضد واشنطن.

الصراع في سوريا الآن، لا يستمد زخمه من القوى السورية الداخلية، بل من المصالح التنافسية للقوى الخارجية المتصارعة على أنقاض سوريا

وجميع هذه القوى الخارجية، مصممة على اكتساب أفضلية على بعضها البعض في سوريا، وهكذا، فعلى الرغم من خفوت حربين طويلتين في سوريا، إلا أن الحرب والصراع لا يغادران المنطقة. فيسعنا الآن أن نقول: "مرحبًا بكم في النسخة الجديدة من سوريا".

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل تشبه الحرب السورية..الحرب الأهلية الإسبانية؟

حصاد الحرب السورية في 2017.. فاجعة مستمرة ضحيتها آلاف المدنيين