14-مارس-2019

محمود درويش في شبابه (Getty)

في مقاله "محمود درويش.. شاعر منظور النكبة"، الذي كتبه في ذكرى ميلاد الشاعر السابع والسبعين المصادف لـ13 آذار/مارس، يكشف لنا رائد وحش خطأ تصورات البعض منا، التي تحاول أن تحصر الشاعر الفلسطيني في كونه شاعر نكبة تارة، وشاعر أرض محتلة تارة أخرى، فيما يصر رائد أن نراه كشاعر منظور نكبة لا كشاعر كنبة.

النكبة هي الحدث التأسيسي الكبير الذي لا ينفك تتناسل منه أحداث كثيرة تظل تحيل عليه

الفرق كما يراه جد شاسع. أن يكون محمود درويش شاعر نكبة فهذا يعني أن النكبة لديه حدث أو تجربة قد مرت بها وتركت آثارها عليه، كما قد تترك آثارها على أي شخص فينا ثم سرعان ما تنتهي، أما أن يكون الرجل شاعر منظور النكبة فيعيني فيما يعني أن النكبة لم تترك أثارها على حياته وحسب، بل جعلت منه شاعرًا متأثرًا بها، أو بالمنفى، أشدّ التأثر، لا لناحية تأثره بها كنوع من التجارب الحياتية التي يمر بها المرء، ولكن كشخص لا يرى نفسها إلا في المنفى الذي يسد عليه الطريق أنى توجه، وبالتالي لا يترك له من نقد سوى مواجهته وفضح حضوره المقيت.

اقرأ/ي أيضًا: محمود درويش.. هنا أيها الموت

لا شك أن النكبة حدث وتجربة في آن، إلا أنها تظل نوعًا من الأحداث والتجارب التي لا يمكن لها أن تزول من الذاكرة بمجرد انقضائها، شأنها في ذلك شأن الحدث التأسيسي الكبير الذي لا ينفك تتناسل منه أحداث كثيرة تظل تحيل عليه.

الجوهري في النكبة هو الطرد أو النفي خارج المكان، لا من حيث حرمان الفرد من المكان الذي كان يعيش به، وإنما من حيث إصرار المكان الجديد الذي حلّ فيه المرء على رفض الاعتراف به إلا كمطرود. ففاجعة النكبة لا تكمن بتحويل الشخص المنفي إلى مطرود من مكانه الأصلي، ونزعه من ذكرياته ومصدر زرقه، أو فضائه الاجتماعي العام، وإنما بإصرار الجميع على عدم الاعتراف به كشخص متساوٍ معهم في الحقوق والواجبات.

المنفى الفلسطيني، في هذا السياق، ليس نفيًا من مكان فردوسي إلى مكان أقل نعيمًا، لكنه قذف بالشخص إلى خارج المكان، أي إلى ما يعرف بالشتات، وأن كان الشتات نفيًا فإنه في الحقيقة يتفوق على النفي العادي والمؤقت من حيث كونه نفيًا أبديًا، لا يمكن للمرء أن ينال فيه الاعتراف من قبل سكّان المكان الذي يرغب العيش فيه إلا بوصفه طارئًا وغريبًا أو مؤقتًا أو عابرًا، يستحيل عليه أن يصير دائمًا وطبيعيًا، وصاحب مكان وعنوان يدلان عليه، وعلى ما أبدعت يديه وشعر به قلبه.

لنتذكّر هذا المقطع الدرويشي من قصيدة "مأساة النرجس.. ملهاة الفضة":

أمّا المنافي فهي أمكنةٌ وأزمنةٌ تُغيّر أهلها

وهي المساءُ إذا تدلّى من نوافذَ لا تطلُّ على أحدْ

وهي الوصولُ إلى السواحل فوق مركبةٍ أضاعت خيلها

وهي الطيورُ إذا تمادت في مديح غنائها

وهي البلد وقد انتمى للعرش واختصر الطبيعة في جسد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

محمود درويش اكتشافنا الدائم

حديث عادي عن مجموعات أولى