04-أكتوبر-2017

الكوميدي الجزائري الشاب محمد خثير (محمد سوسي)

ولد الكوميدي الجزائري محمد خثير عام 1995، في مدينة بشّار، 950 كيلومترًا إلى الجنوب من الجزائر العاصمة، أي في عزّ الأزمة الأمنية، التي كانت تؤرّق الجزائريين. لكنّ دندنات العود، التي كان يعزفها أبوه في البيت، وفي الأماكن المختلفة من المدينة حصّنت طفولته من أصوات ومشاهد الخوف، التي كانت تلفّ المكان والزّمان الجزائريين يومها.

عند الكوميدي الجزائري الشاب محمد خثير، تعتبر السخرية من الذات علاجًا من أمراضها المختلفة

يقول محمّد خثير لـ"الترا صوت" إنّ أباه كان يعزف ليهزم صوت الرصاص في داخله، "ولم أفهم، إلا بعد أن توقّف هذا الصّوت البغيض، لماذا كان ينظر مباشرة في عيني، وهو يعزف. لقد كان يمتصّ رواسب الخوف مني بنظراته ومعزوفاته". ويتساءل: "هل كنت سأكتسب كلّ هذه الجرأة، اليوم، في النّظر إلى الجمهور، حتّى أضطرّه إلى التّفاعل معي، لولا تلك التجربة؟".

كان "موح"، هكذا يدلّع الجزائريون حامل اسم محمّد، مبرمجًا على أن يكون موسيقيًا، "من شابه أباه فما ظلم، لكنّ ميلي المبكّر إلى السّخرية جعل طموحي الفنّي مبرمجًا على المسرح والتّمثيل". يؤصّل محدّث "الترا صوت" هذه النّزعة السّاخرة فيه بالقول: "كنت أضحك على نفسي كلّما اقترفت مخالفة للأخلاق أو الأعراف أو القوانين المتعارف عليها، وأعيد تمثيل المشهد في البيت، فأحظى بالتصفيق والتشجيع، لا على التمثيل نفسه، بل على الاعتراف بالخطأ والعمل على التطهر منه بالتهكّم عليه".

أسّست هذه الخلفية فلسفة محمد خثير في توجّهه الفنّي، إذ تصبح السخرية من الذات علاجًا من أمراضها المختلفة. يقول محمد خثير: "انصحْ أيَّ شخص بنصائح ثمينة، فإنه سيبدي إعجابه بها، لكنه ينساها بمجرّد مغادرة المجلس. أمّا إذا دفعته حميميًا إلى أن يعترف بأخطائه وتقصيره إلى درجة الضحك عليها، فإنه يرمّم نفسه بنفسه من غير أن يشعر".

ويعطي محمّد خثير مثالًا على ذلك: "معظم النكات السّائدة في المجتمع، سياسية كانت أم جنسية أم اجتماعية، هي من هذا الباب. إنها ثمرة لانتقاد المجتمع لنفسه ويومياته، وهو كلما انزعج جماعيًا من وضع معيّن كلما بالغ في التنكيت عليه". يشرح: "في الأيام التي ولدتُ فيها، منتصف تسعينيات القرن العشرين، كانت النكتة السّائدة هي تلك التي تتهكّم على الإرهابي، لقد كانت واحدًا من أسلحة المقاومة، أمّا اليوم، فهي تلك التي تتناول الحشّاش، وهو دليل على أن المجتمع الجزائري بات يشمئزّ من الحشيش، الذي هيمن عليه بسبب الفراغات المختلفة".

اقرأ/ي أيضًا: النكتة المصرية.. بين التلاعب اللفظي والإيحاء الجنسي

من هنا، يقول محمّد خثير إن قراءاته، في مجال الإنسانيات والدراسات الاجتماعية كانت ضرورية لفهم اللحظة الاجتماعية القائمة، "لا يمكن أن تخلق حالة من التفاعل بينك وبين النّاس إذا كنت جاهلًا بطبيعة نفسياتهم وذهنياتهم، فقد تتحوّل السّخرية، حينها، إلى قنبلة تنفجر عليك". يشرح فكرته: "المسرح السّاخر الذي يقوم على جملة من المعارف هو الذي يجعل المتلقي ينسى أنه داخل المسرح يشاهد ممثلًا يتهكّم عليه، بل يتوهّم أنه هو الممثل، وأنّ ما يسمعه هو ما يودّ هو أن يقوله، فيتبنّى خطاب الممثل، ويضحك عليه، عوض أن يصفع صاحبه".

النكات السائدة في المجتمع هي ثمرة لانتقاد المجتمع لنفسه ويومياته وهو كلما انزعج جماعيًا من وضع معيّن كلما بالغ في التنكيت عليه

يقرّ محمد خثير بصعوبة المهمة، من زاوية حاجتها إلى الوقت الوفير، هو الطالب الجامعي في معهد اللغة والأدب الفرنسيين في جامعة محمد طاهري بمدينة بشّار، ومن زاوية طبيعة الإنسان الجزائري، الذي قد يتقبّل أن تصفعه، لكنه لا يتقبّل أن تواجهه، "عيني عينك"، بنقائصه وعيوبه واختلالاته. يقول: "هذه الروح هي ما خلق حالة من التّناقض في تصرّفات الجزائري، فهو من جهة، يعتقد أن جزائريته هي أرقى ما في الكوكب، ومن جهة ثانية، تعدّ الهجرة خارج الجزائر، واحدًا من أحلامه الكبيرة".

لم يكن سهلًا، يقول محمد خثير، أن تواجه المجتمع الجامعي، في الحرم الجامعي نفسه، بالعيوب السّائدة فيه، طلبةً وأساتذةً وإداريين، وتجعلهم جميعًا يضحكون على أنفسهم، من غير أن يتهموك بالقذف، كما يحدّده القانون، مثلما فعلتُ في عرض "بدون مفهوم". وأن تواجه شارعًا جزائريًا ضاجًّا باللغات واللهجات، بأنه لم يحسن الاستثمار في ثرائه اللغوي، وراح يمارس جهوية مقيتة على أساس اللغة لا المواطنة، مثلما فعلت في عرض "شوية من كل شي"، الذي قدّمته مؤخرًا في مسرح مدينة وهران.

اقرأ/ي أيضًا: محمد فلّاق.."الكوميديا في زمن الموت"

سأل "ألترا صوت" محمّد خثير عن خلفية اعتماده اللغة الفرنسية في العرض الأخير، فقال إنه كان ملزمًا بذلك لدواعٍ فنية صرف، "حتى أقول للجزائريين إنكم واقعون في نظرة استعمارية تنتقدونها أصلًا، هي أنكم تتهكمون على الجزائري، الذي يستعمل لهجة محلية من اللهجات المتوفرة في البلاد، لكنكم تستمعون إلى من يستعمل اللغة الفرنسية بانبهار وإعجاب. وحتى أذكّر بمقولة كاتب ياسين الذاهبة إلى أن استعمال الفرنسية ليس دليلًا على مستوى أرقى من الذّكاء".

يحترم محدّث "الترا صوت" تجارب الفكاهيين محمّد فلّاق وجمال دبّوز وجاد المالح، وكلّهم تألّقوا في المشهد الفرنسي، "لكنّني لا أسمح لنفسي إلا أن أكون أنا. أصلًا يُعدّ تقليد الآخرين واحدًا من المواضيع، التي أنتقدها في عروضي". يختم بكثير من المرارة: "إذا حدث أن قلّدتهم في خطوة ما، فستكون هجرتي إلى فرنسا، لأمنح نفسي متنفّسًا أكبر من التكوين والاحتكاك والاحترافية في التّسويق. وهو ما لم تستطع المنظومة الثقافية الوطنية أن توفّره، بعد ستّين عامًا من الاستقلال".

 

اقرأ/ي أيضًا:

عبد الله بهلول.. أن تمارس المسرح وتدرسه

محمد أمين رفاس.. مناضل شاب لأجل المسرح