08-مايو-2017

أحد شوارع القاهرة في عقد التسعينيات (أ.ف.ب)

النكتة المصرية: من التسعينات إلى ما قبل ثورة 25 يناير

عاش المصريون في التسعينات وأواخر الثمانينات عهدًا شبه مستقر، وقبل الحضور القوي لوسائل التواصل الاجتماعي، اعتمد الجمهور بشكل كبير في "تقديم النكتة" على أصحاب "الشو" أو العروض. كان من أهم العروض وقتها: عزب شو وحمادة سلطان. كانت ملامح النكتة التقليدية وقتها تعتمد بشكل أساسي على التنميط، والسخرية من الصعيدي، والشكوى من الزوجة المصرية النكدية، والسمين، والقصير والغبي.

كانت النكتة المصرية أواخر التسعينيات تعتمد على التنميط، السخرية من الصعيدي، الشكوى من الزوجة النكدية، السمين، القصير والغبي

كما اعتمدت النكتة على المفارقة المضحكة، والتي ألفها العرب عن المصريين نظرًا للانتشار والتمكن من فهم اللهجة المصرية، مثال ذلك تلك النكتة التي حكاها الكوميديان الراحل نجاح الموجي في دمشق عام 1990.

أما التقليد فقد كان أحد الأشكال الأساسية في مضمون النكتة المصرية، وقد اعتمد على تضخيم العادات اللفظية والشكلية للمشاهير.

اقرأ/ي أيضًا: تحوّلات النّكتة الجزائرية.. المرآة الضّاحكة

بعض الملامح اللغوية للنكتة المصرية

بتحليل أعمق قليلًا لبعض ملامح النكتة المصرية، نجد أنها اعتمدت على التحريف أو التشويه الذي يصيب الكلام بهدف السخرية، أو لتجنب التشاؤم مثل لفظ "إحوس" تحريفًا لـ"أسود": فيقال "يا نهار إحوس"، أو يا نهار كوبيا (أي أزرق).

وهناك أيضًا ذكر المعنى الظاهر وعكسه، فهناك طائفة من الألفاظ والتعابير تُظهر هذه السمة فمثلًا يُقال للشخص إنه "فتلة" للدلالة على النحافة ولكن في سياق السخرية أو المزاح يقصد به الشخص شديد السمنة. ولفظ متأزأز" وكلمة ( الأزأزة هي الأكل البطيء بكميات قليلة وتقال لمن يأكل بنهم أو كثرة"، و يُقال للشخص "ما إنتا قاعد" كدعوة للمغادرة. كما توصف قطعة الملابس الجديدة أو المتميزة عمومًا بأنها (الحتة الزفرة)، وهكذا..

ولكن لماذا انتقلت النكتة المصرية من التلاعب بالألفاظ إلى التركيز على الجسد والإيحاءات الجنسية؟

النكتة هي على أي حال ظاهرة اجتماعية، في جوهرها تتفاعل وتتغير وتتطور ضمن الإطار الذي تتواجد فيه، ولعل أبرز وأهم نقاط التحول في المجتمع المصري كانت ما بعد الثورة حيث أُعيدت قيم الحرية إلى الواجهة، وجاورها الغضب المجتمعي، الذي ظل مكتومًا على مدى عقود، وصدّر المصريون جرأتهم في كلماتهم وكانت النكتة الجنسية أحد أهم تجليات هذا التفاعل. فلطالما كان الجسد، وخاصة جسد الأنثى، مثارًا للتندر في الخفاء.

مع عودة قيم الحرية إلى الواجهة في مصر بعد الثورة وانتشار مواقع التواصل صار الجسد، خاصة للأنثى، مثارًا للتندر علنًا

ومن أهم عوامل ظهور النكتة الجنسية على المشاع ليس فقط انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وإنما أيضًا سقوط كثير من القدوات الدينية والثقافية في المجتمع مما جعل الكثير من الشباب يسقطون كل شيء من حساباتهم ويعتبرونها وسيلة للتعبير عن أنفسهم خاصة مع انتشار القمع والقتل والتنكيل بهم، في فترة ما بعد الثورة. نجد ذلك في هتافات الأولتراس "البذيئة" أحيانًا.

اقرأ/ي أيضًا: ضحكاتنا التي تشبه الرصاص

أما أهم ظهور سياسي لظاهرة النكتة الجنسية بكل ما تحمله من تمرد وقدرة على لفت نظر الجمهور فكان في برنامج "البرنامج" للإعلامي المصري باسم يوسف و خاصة في تلك الحلقة التي كان ينتقد فيها التناول الإعلامي للسياسة الخارجية للسيسي.

الابتذال كنتيجة لغياب الإبداع

أما اليوم وبعد ست سنوات على الثورة، أصبح التركيز على الجسد يحوي قدرًا كبيرًا من الابتذال والفجاجة، فقد أشار الكاتب المصري عبد الحميد شاكر، صاحب أحد الدراسات النادرة عن الضحك أن "أساليب الفكاهة العربية طالما اعتمدت التهريج والحماقة"، كما أشار عبد الحميد شاكر إلى أن "الكوميديا في مصر وخاصة الجديدة، بها قدر غير محتمل من الاستخفاف وهذا التهريج يؤكد غياب الكاتب الكوميدي البارع".

ويؤكد ذلك بزوغ ظاهرة "مسرح مصر"، التي وجه لها العديد من النقاد والمتابعين نقدًا لاذعًا لغياب العناصر الأساسية للإبداع في النكتة المسرحية واعتمادها على القديم والمتهالك والكوميكس المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي.

وعلى الرغم من سوء المعروض إلا أن الإقبال عليه كبير جدًا، وهو في تقدير الخبراء نوع من الإفساد الذي يتعرض له الذوق العام، لأن الفرص المتاحة لظهور النكتة المبدعة محدودة للغاية وتفتقر للدعم والتمويل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

العنصرية والطائفية كـ "نكتة مدرسية"

مجاميع السكس الافتراضية في العراق!