19-أبريل-2017

العالم العربي يضيق بشبابه (دفيد ماكنيو/ أ.ف.ب)

في ظل ما تشهده الدول العربية من أزمات وحروب مستمرة، لم يخف مواطنو المنطقة نيتهم في الرحيل عن أوطانهم، فمنذ العام الماضي، تزايدت نسبة الذين يرغبون في الهجرة، وبلغت الـ23% مقارنة مع السنوات الأربع التي سبقتها، وفق إحصائيات المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

بلغت هجرة الكفاءات من المغرب العربي نحو 52 % من حجم هجرة الكفاءات في الدول العربية، نحو وجهات غربية كأوروبا خاصة

أفاد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في تقريره أن "الهجرة تتشكل أساسًا من الشباب الذين تمثّل فئتهم العمرية (15-29 سنة)"، أي نحو 30% من إجمالي حجم السكان في المنطقة، مضيفًا أنه "لا تزال الهجرة الاحتمالية (الأشخاص الذين يرغبون في الهجرة) لخريجي التعليم العالي في معظم البلدان العربية أكثر من نصف الشريحة التي ترغب في الهجرة الدائمة، كما أن الهجرة الفعلية لأصحاب الكفاءات لا تزال مستمرة في التصاعد".

اقرأ/ي أيضًا: الهجرة إلى أمريكا.. سودانيون يحلمون ببلاد العم سام

أرقام التقرير كشفت عن تصاعد لهجرة الشباب المغاربيين من ذوي الكفاءات والشهادات الجامعية، إذ ارتفعت نسبة نزوح الجزائريين نحو بلدان أجنبية من 9.2 % عام 1990 إلى 17.6% عام 2000، ثم إلى 22.3 في عام 2010. وبلغت هجرة الكفاءات من المغرب العربي نحو 52 في المئة من حجم هجرة الكفاءات في الدول العربية نحو وجهات غربية كأوروبا، التي تستقبل العدد الأكبر، بنحو 86 في المئة من شباب المنطقة، وأمريكا الشمالية بنسبة 4 %، في حين توظف دول مجلس التعاون الخليجي 6 % من كفاءات المنطقة.

في مصر، لم يخف المواطنون رغبتهم في الرحيل، فمنذ سنة 2011، أي إبان ثورة يناير، لم تتجاوز نسبة من كانوا ينوون هجرة بلادهم الـ8 %، لكن المخاوف تزايدت بعد نحو ست سنوات، ووصلت نسبة من يرغبون في الهجرة إلى 21 % في عام 2016، مقارنة مع نسبة عام 2015 التي بلغت الـ 15 %.

أما بالنسبة للفلسطينيين، فالأرقام تشير إلى أن أكثر من نصف اللاجئين المسجلين في لبنان، البالغ تعدادهم نحو 509 ألف لاجئ عام 2016، هاجروا على مدى العقود الستة الماضية بسبب الأحداث الأمنية وحرمانهم من الحقوق المدنية، كما أن 24 % من الشباب الفلسطينيين، أبدوا رغبتهم في الهجرة إلى الخارج- 15 منهم يقطنون بالضفة الغربية، و37% يعيشون في  قطاع غزة. وصرح 44 % منهم عن رغبتهم في الهجرة من أجل تحسين ظروفهم المعيشية.

وتكمن أسباب هجرة الشباب، وفق تقرير المركز، في حضور ما سماه "هشاشة الأمن الإنساني" وضعف الاقتصادات العربية في تشغيل الشباب، علاوة عن عجز حكومات المنطقة في الاستجابة لتطلعاتهم خصوصًا بعد خفوت رياح التغيير بعد عام 2011، وتلبية حقوقهم الاجتماعية والمواطنية، وربطها بالانتقال السياسي المؤسسي الإصلاحي الديمقراطي، وهي التي غدت بالنسبة إليهم "طبيعية"، وليست مسألة مؤجلة أو خاضعة لترتيب الأولويات.

تكمن أسباب هجرة الشباب العربي خاصة في "هشاشة الأمن الإنساني" وضعف الاقتصادات العربية في التشغيل

اقرأ/ي أيضًا: لبنان.. موسم الهجرة مِن الشمال

شباب بالملايين وتحديات في وجه الحكومات

حجم الشباب تضاعف أكثر من خمس مرات بين عامي 1950 و2005 ليبلغ 68 مليونًا عام 2005، بعد أن كان عددهم يناهز 14 مليونًا عام 1950. هذا ما بينته سطور تقرير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، إذ توقع تناميًا متزايدًا لهذه الفئة في أفق عام 2040، حيث سيبلغ تعدادها نحو 88 مليونًا، أي بزيادة 20 مليونًا عن 2005، وهو ما سيضع حكومات دول المنطقة "أمام تحديات تنموية كبرى، وخاصة تلك المتعلقة بخلق فرص عمل جديدة"، ما يلزم دول المنطقة بخلق أكثر "من مليوني فرصة عمل سنويًا حتى عام 2020، ومواصلة امتصاص مختلف صور البطالة".

وبينت سطور التقرير ما سماه بـ"التوتر" بين العرض الديموغرافي المتمثل بزيادة حجم الشباب وعملية التنمية في عدم تلبية تلك العملية لحاجات هذا العدد الكبير من الشباب، ليس على مستوى التشغيل فحسب، بل على مستوى الحاجات المواطنية للشباب العربي أيضًا، في ظل سيطرة النظم التسلطية السياسية على عملية التنمية، وتقليص ما هو أساسي وجوهري فيها، وهي الفرص والخيارات، أي ما اعتبره المركز "التمكين من الحرية". وعليه لم تكن هناك "مفارقة" في أن "تندمج الحقوق الاجتماعية والاقتصادية مع الحقوق السياسية في عمليات التغير الاجتماعي الحادة التي شهدها أكثر من بلد عربي في بدايات اندلاع حركات الاحتجاج والثورات العربية (2011)".

هذا "التوتر" سيظل قائمًا وفق ما وضحه تقرير المركز العربي ما لم يواكب "الانتقال الديموغرافي لدول المنطقة بانتقال ديمقراطي مؤسسي، يقوم على فهم التنمية بصفتها خيارات وفرصًا؛ أي حرية يمتلك فيها الشباب العربي نفسه، ويكون صوته مسموعًا".

 

اقرأ/ي أيضًا:

المركز العربيّ يعلن نتائج استطلاع المؤشّر العربيّ

المؤشر العربي: كيف يتفاعل العرب مع الديمقراطية؟