06-سبتمبر-2019

شارع الثورة 2018 (عن موقع عنب بلدي)

جسران متوازيان، كبيران أو صغيران لا يهمّ، متساويان أو غير متساويين في الطول أو المساحة لا يهم أيضًا، لكنهما متماثلان ومتشابهان في إسدال ظلالهما السوداء على كل زائر متعب يودّ الاسترخاء بالقرب من أعمدتهما الطويلة، وعلى كل حافلة تمرّ تحتهما في شارع شارع القوتلي الواصل بينهما، والعائد إلى شكري القوتلي الذي لم يتردد لحظة في تقويض الديمقراطية وتعديل الدستور على مقاسات جسده لينعم الجسد أطول مدة في الرخاء وليبقى الكرسيّ ملكًا لمؤخرته لا يزاحمه أحد في الجلوس عليه، فكان أول طاهٍ حضّر أول عجينة لأنصاف آلهة لم تتردد في تظليل رعاتها بتماثيلها وصورها، فأشرع بذلك الأبواب الموصّدة على مصراعيها أمام زعماءٍ لن يبخلوا على إغلاق أفواه شعوبهم وأنوفهم وآذانهم ومؤخراتهم بأقفال أضاعت مفاتيحها، أقفال تبحث عن مفاتيحها الضائعة في جيوب الزعماء.

تردّد الصبيّ الواقف في منتصف المسافة بين الجسرين، أيًّا من الجسرين سيختار؟ جسر الرئيس أم جسر الثورة؟ أيًا من الظلال سيختار؟ أيًا من الأعمدة سيختار ليتبول بالقرب منها متواريًا عن أنظار المارّة والحافلات؟ هرول إلى تحت جسر الثورة ليفرغ مثانته الممتلئة بالبول وما أن أفرغ نصفها حتى تجمهرت عليه الأرجل، رفسة في الصدر، رفسة في الخاصرة، رفسةٌ في البطن، رفسة في الظهر، رفسة في الرأس، رفسة في المؤخرة، رفسات لا تعد ولا تحصى حتى طُبعت نعال الأحذية على وجهه البريء، سيلٌ من الصفعات في الوجه، رفساتٌ وصفعات كانت كفيلة لتحصيل العقاب نيابة عن كل قوانين العالم التي تحظّر التبوّل وقضاء الحاجة في الشوارع والأماكن العامة والتي توصف مخالفة أو جنحة مُخلّة بالآداب العامة، فقال أحدهم: ماذا تفعل يا ابن القحبة؟ كيف تتبول هنا؟ ألا تعلم أيها الوغد أن هذا الجسر هو الجسر الواصل بين ثوراتنا وأجسادنا وهويّاتنا؟ الجسر الذي مهد الطريق أمام كرامتنا لتسير دون خوفٍ أو رقيب، الجسر الذي يرفع دمشق برمتها على كتفيه الواسعتين.

نعم إنه الجسر الذي يقسّم جسد شكري القوتلي إلى نصفين، نصفٌ يطحن العباد ونصفٌ يأكل هذا الطحن. عن أيّ ثورة تتكلم يا سيدي؟ رد الصبيّ ذو الجسد المُشبع بالضرب والإهانة: كل ما أريد فعله هو أن أتبول هنا بعيدًا عن ثوراتكم وثم أعود إلى عملي القريب من هنا حيث أبسط الثياب البالية للبيع على قطعة من الرصيف. قال أحدهم: انصرف من هنا ولا تكرر هذا الفعل ثانية فهذه المرة اكتفينا بالضرب، أما في المرة القادمة فسنُقّطع جسدك ونطعمه للكلاب. فرّ الصبيّ فرحًا بنجاته من الموت ومن شدّة الفرح وشدّة الصفعات والرفسات لم يعد يتذكر أنه بسط بضاعته البالية، وفي طريق العودة قال في سرّه: الحمد لله أني اخترت جسر الثورة فماذا لو تبوّلت تحت جسر الرئيس؟

جسران شاهدان على إهانة لم تنته ويختزلان ذاكرة شعب مُشبع بالقهر. إنهما جسر الرئيس وجسر الثورة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أهكذا تكون الغربة؟

ثوب القرصان