25-يناير-2017

الشاعر والروائي سليم بركات

مسكين ذلك القارئ الإنجليزيّ الذي لم يقرأ شيئًا لسليم بركات! هكذا تحدّث المترجم السويديّ المرموق جوناثان مورين عن الأديب السوريّ سليم بركات في حوار نشر معه مؤخّرًا. وتحدّث جوناثان عن الأسباب التي حالت دون ترشيح أحد أعمال سليم بركات للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية "البوكر" في الأسبوع الماضي، ولماذا لم تجد أعمال سليم بركات من يلتقطها حتّى الآن من المترجمين إلى اللغة الإنجليزية. وفيما يلي ترجمة المقابلة التي نشرت على موقع arablit المعنيّ بالأدب العربي المترجم إلى الإنجليزية.


  • كيف تعرّفت إلى أعمال سليم بركات؟ 

لقد كان ذلك في بداية التسعينيات، وكنت حينها قد بدأت دراسة اللغة العربيّة، وكنت أحاول أن أقرأ أيّ شيء تقع عليه يدي من الأدب العربيّ المترجم إلى السويديّة، كي آخذ فكرة عامّة عن طبيعة ما يكتب. وقد قرأت له خمس قصائد عن الحيوانات في أنطولوجيا شعريّة تجمع قصائد مترجمة لعدد من الشعراء العرب، وكانت تلك القصائد مختلفة عن كلّ ما كان في الكتاب، ووقعت بحبّها من أول قراءة. وفي زيارتي التالية لدكّان الكتب العربيّة في ستوكهولم، عثرت على ديوان سليم بركات، فتحته... فلم أفهم أيّ كلمة. كان ذلك أمرًا مخيفًا ومحبطًا. في ذلك اليوم، أعدت الكتاب إلى مكانه واشتريت واحدًا من الكتب التي كتبها في أدب الأطفال، على أمل أن أعود إليه في وقت ما في المستقبل، لأنّ لغته أرعبتني إن صحّ التعبير. ثمّ كانت المفاجأة حين قرّر سليم بركات الانتقال إلى السويد عام 1999، وبدأت تظهر كتبه مترجمة إلى السويديّة، ومنذ ذلك الحين تجدّد اهتمامي بأعماله.

جوناثان مورين: هنالك على الأقلّ ثمانية كتب لسليم بركات مترجمة إلى السويديّة 

  • أيّ من روايات سليم بركات ترجمت إلى السويدية؟ وكيف كان استقبال القرّاء في السويد لها؟ وما موقع بركات من الأدب المترجم في السويد اليوم؟ وهل لك أن تصفها لنا بعبارة مختصرة تصلح للترويج لأعماله؟ 

هنالك على الأقلّ ثمانية كتب لسليم بركات مترجمة إلى السويديّة (وأنا أعمل حاليًّا على ترجمة جديدة): وهي أربع روايات، وثلاثة دواوين شعرية، ومجلّد واحد يشتمل على سيرتيه الذاتيّتين. وقد ترجم زميلي تيتز روك الثلاثة الأولى، وأنا ترجمت البقيّة، وأحيانًا (عند العمل على ترجمة القصائد) أستعين بشاعر ومترجمٍ عراقيّ.

اقرأ/ي أيضًا: احذر اللقاء بكتابك المفضلين

اثنتان من هذه الروايات تنتميان إلى تلك المرحلة المبكّرة من كتابات سليم التي تمتاز بسحرها وواقعيّتها في آن معًا (والتي انتهت في الواقع منتصف التسعينيات)، وهما "أرواح هندسيّة" والتي تتحدّث عن الحرب الأهليّة في لبنان، والثانية "الريش". وهنالك روايتان صدرتا في بداية الألفيّة هما "كهوف هايدراهوداهوس" (2004) والثانية رواية صغيرة بعنوان "موتى مبتدئون" (2006). وقد نالت أعماله إعجاب النّقاد في السويد، رغم أنّ العديد منهم يقرّون أنّهم لا يستطيعون أن يحدّدوا تمامًا ما الذي تتحدّث عنه روايات بركات (وهذا ما يقوله النقّاد العرب كذلك). وليست لديّ فكرة عن رأي عامّة القرّاء بأعمال سليم بركات. ربّما يجدون أنّها صعبة قليلًا ومخيفة ومربكة (وهذا في رأيي أفضل ما يمكن أن تطمح أن تحقّقه فيك رواية أو قصيدة ما).

لست متأكّدًا إن كان يمكن القول بأنّ ثمّة نظرة عامّة متشابهة لدى القرّاء السويديّين للأدب العربيّ، ولهذا سبب وجيه. فلو نظرت إلى الكتّاب العرب الذين كان لهم النصيب الأكبر من الاهتمام في السنوات الماضية (علاء الأسواني، نوال السعداوي، حسن بلاسم، سمر يزبك)، فربما لن تجد بين أعمالهم قدرًا كبيرًا من السمات المشتركة. فالذي يقرأ ويستمتع بعمل لأحد هؤلاء الكتّاب قد لا تعجبه أعمال البقيّة، أو قد لا يجعله ذلك يهتمّ بعموم الأدب العربيّ بالضرورة.
 
أعتقد أنّه ليس هنالك جدوى من جمع هؤلاء الكتّاب في فئة واحدة لمجرّد أنّهم يكتبون بلغة واحدة (تمامًا كما أنّك لن تضع شين جونز وآني ديلارد وفيليب روث في كفّة واحدة لمجرّد أنّ كتاباتهم تنتمي للأدب الأمريكيّ). ولن أقول كذلك إنّ سليم بركات يكتب "أدبًا عربيًّا". فسليم يكتب أعمالًا رائعة بشكل مذهل، وهذه الأعمال ظهرت باللغة العربيّة. فأنا لا أستطيع أن أذكر أيّ كاتب عربيّ يقترب حتّى من أسلوب بركات.

  • هل تواصلت مع سليم بركات أثناء عملك على ترجمة أعماله؟ 

شكرًا للربّ، نعم! ولست أدري إن كانت ترجمة هذه الكتب ستكون ممكنة لولا ذلك. كنت عادة أذهب لزيارته في بيته ثم نمضي اليوم بطوله في النّظر إلى استفساراتي عن بعض النقاط في نصوصه. لقد كان صبورًا جدًّا ولا يبخل بأيّ مساعدة. ولكنّي لا أعتقد أنّه كان سيتشجّع على الإجابة بشكل مكتوب على 20 صفحة من الأسئلة. أعتقد أنّ الأمر سيختلف تمامًا لو أنّه كان يعيش في دولة أخرى. 

جوناثان مورين: عجيب حقًّا ألّا تجد أيّ ترجمة إنجليزيّة كاملة لأيّ من أعمال سليم بركات

  • لو كنت صاحب دار نشر كبيرة تنشر الكتب الإنجليزيّة وتريد أن تختار من أعمال سليم بركات أوّل كتابين ليترجما إلى الإنجليزية، فماذا ستختار؟ ولماذا؟ 

هذا سؤال صعب، فهنالك الكثير من الكتب التي يمكن اختيارها. من جهة ما أعتقد أنّك لن تكون على خطأ لو أقدمت على اختيار أي واحدة من رواياته الأربعة الأولى، فجميعها ممتازة. ولكنّ الإشكال في هذه الروايات هو أنّها لا تمثّل شكل كتاباته في الآونة الأخيرة. فالعديد من روايات سليم المتأخّرة قد توصف بأنّها نوع من الحكايات التي تمزج بين الرمز والأسطورة وتقع في عوالم خياليّة تمامًا. (فقد نشر في العام الماضي مثلًا رواية من 500 صفحة تدور بأكملها حول الجنّ).

اقرأ/ي أيضًا: سليم بركات.. غنى أم بذخ لغوي؟

لكن لو كان عليّ أن أختار روايتين، فغالبًا سأختار "معسكرات الأبد" وهي الرواية الوحيدة من بين رواياته الأولى التي لم تترجم لأيّ لغة أخرى حتّى الآن (رغم تسرّب بعض الأخبار عن ترجمة إسبانية للرواية يجري العمل عليها). هذه الرّواية جميلة، ومفهومة إلى حدّ كبير. ومن بين رواياته المتأخّرة كذلك فإنّي أفضّل رواية "حوريّة الماء وبناتها"، ولهذه الرواية مكانة خاصّة لديّ. فهي قصّة كئيبة معقّدة عن سفينة تبحث عن حوريّات البحر، أو لعلّك تقول: عن حضارة تتهاوى. أمّا الوصف الذي يضمن رواج رواياته، فلست أدري في الواقع، فأنا لست موظّف مبيعات (كيف يمكنك أن تسوّق أعمال إيتالو كالفينو لعامّة القرّاء مثلًا؟ أعتقد أنّك لن تستطيع ذلك). 

  • هنالك بعض مقتطفات من أعمال سليم بركات ترجمت ونشرت بالإنجليزيّة، ولكن لم تصدر حتّى الآن ترجمة كاملة لأيّ من أعماله. لا شكّ أن ترجمة سليم بركات تكتنفها صعوبات جمّة، ولكنّك أثبتَّ أنّها ليست مستحيلة. ما العقبات الأساسيّة التي واجهتك في ترجمة أعمال بركات، وكيف تعاملت معها؟ 

عجيب حقًّا ألّا تجد أيّ ترجمة إنجليزيّة كاملة لأيّ من أعمال سليم بركات، والذي أعدّه أكثر الروائيّين العرب أصالة في الوقت الحاضر. لقد سمعت عن عدّة محاولات لنقل بعض أعمال إلى الإنجليزية ولكنّها لم تكتمل، كما سمعت مترجمين يقولون "أتمنّى لو تتاح لي ترجمة شيء لسليم بركات، ولكن متطلّبات الحياة كثيرة، فترجمة رواية واحدة لسليم بركات ستستغرق من الزمن ما قد أمضيه في ترجمة ثلاث أو أربع روايات عادّية".

قبل بضع سنوات أخبرني سليم أنّ قدره ربّما ألّا يُترجم إلى الإنجليزيّة، ولكنّي لا أريد أن أصدّق ذلك. أمّا الحديث عن صعوبة لغته فهو جزء من الحقيقة وحسب. لقد وصلت صعوبة أعمال سليم إلى ذروتها حين كتب رواياته الثلاث التي أشار إليها مرّة ووصفها بأنّها "كاتدرائيّاته" بلغةٍ شديدة الكثافة والتعقيد. لقد حاولت ترجمة واحدة منها أكثر من مرّة على مدى سبع سنوات، ولم أملك في النّهاية سوى الاستسلام. لقد كانت الترجمة غير ممكنة. ولكنّ العديد من أعماله المتأخرة الأخرى، كالروايتين الصادرتين عام 2016 مثلًا، ليست عصيّة على القراءة، على مستوى اللغة على الأقل. وكلّما ازددت قراءة لسليم بركات ستتعرّف أكثر على منظوره للعالم وطريقته في التفكير. صحيح أنّه يميل إلى استخدام الكثير من الكلمات الغامضة والقديمة، والتي تعكس ربّما طبيعة ما يقرؤه هو من نصوص عربيّة كلاسيكيّة وفلسفيّة، ولكنّك في المقابل لن تجد نفسك عالقًا في تحليل تعبيرات عامّية في نصوصه، وأنا على الأقل في غاية الامتنان لهذا الأمر. 

جوناثان مورين: نادرًا ما أثارت شهيّتي تلك العناوين التي تترشّح للقائمة القصيرة للبوكر العربية

اقرأ/ي أيضًا: اقتصاد البرستيج: الجوائز في العالم العربي

  • سليم بركات أديب له مكانة كبيرة أثنى عليها الكثيرون من أمثال محمود درويش وأدونيس، ولكنّه حتّى الآن لم يحظ بأيّ تقدير واعتراف من الجوائز الأدبيّة العربيّة المهمّة، كالجائزة العالمية للرواية العربيّة، حتّى أنّ أعماله لا تصل للقوائم الطويلة. ما سبب ذلك في رأيك؟ 

أعتقد سؤالك شبيه بالسؤال عن سبب عدم تلقّي الشاعر سيسيل تايلور جائزة الأوسكار! شتّان ما بين العالَمين! على المستوى الشخصيّ، نادرًا ما أثارت شهيّتي تلك العناوين التي تترشّح للقائمة القصيرة للجائزة العالميّة للرواية العربية. لا أدري لم لا نجد أشكال الكتابة المبتكرة والتجارب الخلّاقة في السرد تصل إلى مثل هذه القوائم. ونظرًا إلى الآليّات التي تسيطر على ترشيح الروايات في هذه الجائزة، فإنّني أعتقد أنّ الناشرين أذكياء بالقدر الكافي الذي يجعلهم يتجنّبون ترشيح كاتب من نمط فريد يرفض أن يتجوّل في معارض الكتاب هنا وهناك للترويج لاسمه ولأعماله. ربّما يسافر سليم بالقطار في رحلة تستغرق 15 دقيقة وحسب من بيته إلى ستوكهولم، مرّة كل سنتين، فهذا أقصى قدر يطيقه من السفر، ولكنّه على الأغلب يفضّل قطع الأسفار والمسافات بذهنه وإبداعه. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

حسن بلاسم.. معاينة الإنسان القابع في دواخلنا

البوكر.. دعوة إلى المراجعة