22-يناير-2017

نجيب ساويرس المؤسس هو وأسرته لجائزة ساويرس الثقافية (Getty)

ابتكر السوسيولوجي الفرنسي، بيير بورديو، طريقة تنظيرية استطاع عبرها تحليل العمليات الاجتماعية والثقافية من خلال مصطلحات تعود غالبًا إلى علم الاقتصاد، ما قاده إلى مفهوم "الرأسمال الرمزي": "درجة من البرستيج أو الشهرة أو الشرف المتراكم تقوم على ديالكتيك المعرفة والاعتراف"، أو "اكتساب الجدارة وصورة الاحترام والتبجيل".

في كتابه "اقتصاد البرستيج: الجوائز والمكافآت وتداول القيمة الثقافية" (2005)، يُشير جيمس ف. إنجلش، أستاذ الإنجليزية بجامعة بنسلفانيا (الولايات المتحدة)، إلى أن الجوائز تأتي على رأس الوسائل التي يُصنع من خلالها هذا "الرأسمال الرمزي"، خصوصًا في عصرنا، الذي يسميه "عصر الجوائز"، حيث يُمكن الحديث عن "صناعة (industry)"، لها إجراءاتها ومصالحها وشيفراتها وبيروقراطيوها وزبائنها، اسمها صناعة الجوائز. يقول:

في عصر ثقافة الجوائز، تجيب الجائزة، قبل كل شيء، عن كافة الأسئلة الكبيرة: من هو الفنان؟ ما هو الإبداع؟ ما هي معايير الثقافة؟

"نظام كامل من رمزية الأخذ والعطاء، الإكراه والتفاوض، التنافسية والتحالف، الازدراء المتبادل والاحترام المتبادل، تمتدُّ فيه الجوائز، وهو نظام لا يشتمل فقط على طُرُق الانتقاء والاحتفالات التشريفية، وإنما أيضًا على ممارسات أقل مركزية، على وجه الخصوص الخطاب الصحافي المحيط بذلك كله - الدعاية والدعاية المضادة".

يرى إنغلش، استنادًا إلى بورديو، أن الجائزة بقدر ما "تعترف" بالفنان بقدر ما "تعرِّف" الفن، وأنه في عصر "ثقافة الجوائز"، تُجيب الجائزة، قبل كل شيء، عن كافة الأسئلة الكبيرة: من هو الفنان؟ ما هو الإبداع؟ ما هي -معايير- الثقافة؟

اقرأ/ي أيضًا: فكر علي شريعتي.. أدوار الضعف والقوة

على الرغم من صغر حجمها، تبدو صناعة الجوائز العربية، خصوصًا في الحقل الأدبي، نموذجًا لهذه الحالة. لطالما اشتكى فنانون وكتاب ونقاد وناشرون عرب من جوائز الدولة والمجالس الثقافية الرسمية وحساباتها السياسية وأحيانًا الأمنية، لكن لم يذهب بهم هذا النقد، على الأقل في نبرته الراديكالية، إلى الجوائز الخاصة أو "المستقلة".

كما اشتكى هؤلاء أنفسهم من تحيزات الجوائز العالمية، كـ "نوبل"، في حين صمتوا عن تحيزات جوائز عربية -هم جزء من شبكتها الفعلية والرمزية-، كـ "العويس" و"البوكر العربية (الجائزة العالمية للرواية العربية)" و"الشيخ زايد". صراخهم، هذه الأيام، في وجه جائزة الدولة التقديرية أو "أوسكار" أسهل منه في وجه "ساويرس" أو "نجيب محفوظ". أما أن يطال نقدهم فكرة الجائزة نفسها، فهذا ما يعد في مقام اللامفكر فيه.

يعني "الرأسمال الرمزي" أو "اقتصاد البرستيج" أن الكتب أو اللوحات أو الأفلام.. لا قيمة فعلية لها، وما يكسبها القيمة هو الاعتراف

يعني "الرأسمال الرمزي" أو "اقتصاد البرستيج"، باختصار، أن الكتب أو اللوحات أو الأفلام.. لا قيمة فعلية لها، وما يكسبها القيمة هو الاعتراف.

بكلمات أخرى، حين نسأل: من يستحق هذه الجائزة؟ نكون قد طرحنا السؤال الخطأ. فالسؤال الصحيح هو: من يمنح هذه الجائزة؟ في عالمنا العربي، مديرو الجوائز الخاصة و"المستقلة" و"شبه المستقلة" وبيروقراطيوها يمنحون الجائزة، أي الاعتراف.

هؤلاء ليسوا أحسن من الدولة، لأنهم جزء من صناعة، بالمعنى الاقتصادي، هي "تجارة القيمة الثقافية"، على حد تعبير إنغلش.

اقرأ/ي أيضًا:
سباتٌ ماركسي
أحمد زويل واليقين المراوغ