18-أكتوبر-2017

ترتبط الحمامات الشعبية في المغرب بطقوس نسائية عريقة (هولدي شنايدر/Bongarts)

في وقت من التاريخ كانت الحمامات الشعبية تنتشر في العواصم الإسلامية كانتشار المساجد، فقد كانت علامة بارزة في الحضارة الإسلامية يضاهي معمارها بناء بيوت الرحمن، لكن بعد ذلك بدأت تندثر شيئًا فشيئًا فيما يدخل بعضها متاحف التراث، ومن ثمّة اختفت تقريبًا هذه الفضاءات في دمشق وبغداد والقاهرة.

تحولت الحمامات الشعبية في المغرب إلى ثقافة اجتماعية وليست مجرد مكان للاستحمام الجماعي يرتاده عموم الناس في المناسبات

وعلى عكس كافة البلدان الإسلامية تقريبًا، لا تزال الحمامات الشعبية في المغرب مستمرة وتشهد إقبالاً كثيفًا، مثلها مثل باقي الفضاءات العمومية، رغم انتشار الحمامات المنزلية التي قد تعوضها، إذ أنها باتت ثقافة اجتماعية وليست مجرد مكان للاستحمام الجماعي يرتاده عموم الناس في المناسبات.

اقرأ/ي أيضًا: حمامات تونس.. متنفّس أجساد الفقراء

لمحة تاريخية عن الحمامات العامة

يعتبر الرومان أول من طوّر فضاءات للحمامات العامة، متأثرين بأفكار فلاسفة الإغريق الذين كانوا ينصحون بالنظافة للحفاظ على صحة الجسم وقوة الجنود، وكانت روما تحتوي على تسعة حمامات، العديد منها كان مصممًا بشكل فاخر، عبارة عن أحواض مائية تغطي أرضيتها مرايا مصطفة مع الرخام والفضة، وهندسة جدرانها تشبه معمار الكنائس، وكانت تنقسم إلى عدة باحات، تتدرج حرارتها من البارد إلى الأكثر سخونة، بالإضافة إلى غرف خاصة للتدليك.

وعندما دخل المسلمون إسبانيا وبنوا الأندلس، تأثروا بالإرث الروماني، واعتنوا بالحمامات العامة وأبدعوا في معمارها، فشاعت الحمامات الإسلامية في أرجاء مدن الأندلس، حتى أن  ابن حيان يروي قائلًا إن "عدد المساجد في قرطبة وصل إلى 1600 مسجد وعدد الحمامات بلغ 900 حمام، منها 300 للنساء"، لتنتشر بعد ذلك الحمامات في كافة المدن والعواصم الإسلامية، بدمشق وبغداد والقاهرة وإسطنبول.

أما بالنسبة للمغرب فقد عرف الحمامات العامة منذ حقبة الرومان، الذين جلبوا معهم البعض من إرثهم الحضاري والعمراني إلى شمال إفريقيا، خلال فترة استعمارهم المنطقة في القرنين الأولين من الميلاد، وازداد شيوع الحمامات في المغرب بعد تأسيس الأندلس، حيث عمل المرابطون والمرينيون على الاعتناء بالحمامات العامة، وأمروا ببنائها في أحياء المدن، خاصة بفاس.

واستمر تواجد الحمامات العمومية والإقبال عليها في المغرب إلى اليوم، وإن فقدت إبداع هندستها المعمارية وأصبحت مجرد صالونات للاستحمام الجماعي، باستثناء بعض الحمامات العامة المخصصة للأثرياء من الناس، التي لا يزال الاعتناء بها قائمًا سواء من حيث الخدمة أو المعمار.

اقرأ/ي أيضًا: متحف الصابون في صيدا.. باللون والعطر والأبجدية

سر بقاء الحمامات الشعبية في المغرب

تأسست الحمامات العامة في البلاد الإسلامية في البداية لأسباب دينية، كفضاءات للطهارة من الجنابة قبل دخول المسجد، ولذلك عادة ما كانت تُبنى قباب الحمامات بجانب صوامع المساجد، وعندما ظهرت الحمامات المنزلية فقدت الحاجة إليها، لكن في المغرب استمر تواجد الحمامات العامة كفضاءات شعبية تشهد إقبالًا واسعًا، وليس مجرد مواقع تراثية للزيارة أو أماكن مخصصة للخواص.

يُفسر ذلك بعض الباحثين السوسيولوجيين بأن الحمامات في المغرب اكتسبت مع الزمن أبعادًا اجتماعية وثقافية، تجاوزت البعد الصحي أو الديني، مكّنتها من البقاء والاستمرار، كفضاء يقوم بوظائف لا زال المجتمع في حاجة إليها، على سبيل المثال، الحمامات العامة المغربية توفر خدمات التدليك، ويسمى محليًا بـ"التكسال"، كما أن معظم الناس يجدون راحة نفسية أكثر في الاستحمام بالحمامات العمومية الساخنة والفسيحة، بالإضافة إلى أن هذا الفضاء يكاد يكون المكان العمومي الوحيد الذي يمكن التعري فيه كاملاً، باستثناء التبان، بدون قيود اجتماعية.

الحمام العمومي هو المكان الوحيد الذي تغيب فيه رقابة المجتمع وسلطة الرجل على النسوة، فلا غرابة إذن أن يرتبط المكان خاصة بالنساء

من جانب آخر، يرجع الفضل في بقاء الحمامات العمومية بالمغرب، في جزء كبير منه، إلى حضور هذا الفضاء الصحي بشكل قوي في عالم المرأة المغربية، ذلك أن النساء يجدن في الحمام العام فرصة ثمينة لممارسة حريتهن ولقاء شقائقهن في الجنس.

يمثل الحمام العمومي للمرأة المغربية فضاء للتعارف مع باقي النساء، هناك فقط يمكن للنساء تجاذب أطراف الحديث مع معارفهن، والكلام بحرية في أمورهن الشخصية والخاصة وتبادل الأخبار، إنه المكان الوحيد الذي تغيب فيه رقابة المجتمع وسلطة الرجل عليهن، فيصبحن سيدات هذا الفضاء العمومي كمجال لتحقيق الذات، فلا غرابة إذن أن الحمامات الشعبية ترتبط بصورة أقوى بالنساء.

كما أن هذا الفضاء العمومي يعد مكانًا مناسبًا للخطبة بالنسبة للنساء، إذ يسمح للخاطبة باكتشاف جمال العازبات ومطابقة أوصافهن الدقيقة مع شروط العريس، وفي مجتمع محافظ مثل المغرب حيث لا زال للوالدين سلطة في اختيار الزوجة، يسهل الحمام على الأمهات العثور على العروس المناسبة لأولادهن.

علاوة على أن الحمامات الشعبية في المغرب ترتبط بطقوس نسائية عريقة، مثل "حمام العروس"، حيث تحصل الفتاة قبل ذهابها لزوجها، على استحمام مطول في الحمام العام رفقة قريباتها وصديقاتها، اللاتي يسهرن على تجميلها بأحسن حلة، في أجواء من الفرح والزغاريد والبخور، ونفس الشيء أيضًا في مناسبة ازدياد المولود، تحظى الأم باستحمام في الحمام العمومي، ويسمى بـ"حمام النفيسة".

اقرأ/ي أيضًا:

الحمام المغربي.. فضاء للجمال ولقمة العيش أيضًا

5 أشياء في منازلنا لا نهتم بتنظيفها