14-فبراير-2023
getty

ما يقلق أمريكا أن تكون هذه الأجسام مرسلة من الصين أو روسيا (Getty)

دافع البيت الأبيض عن إسقاط  ثلاثة أجسام مجهولة الهوية في الأيام الأخيرة، وحتى مع اعترافه بأنه ليس لدى المسؤولين ما يشير إلى أن الأجسام كانت مخصصة للمراقبة بنفس طريقة المنطاد الصيني الذي اجتاز المجال الجوي الأمريكي في وقت سابق من هذا الشهر.

بدأت قصة المناطيد والأجسام المجهولة التي تحلق في سماء الولايات المتحدة وكندا، في  أواخر الشهر الماضي، عندما اخترق منطاد صيني ضخم المجال الجوي الأمريكي

وقال المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي، إن الأجسام الثلاثة، بما في ذلك واحدة أسقطت يوم الأحد فوق بحيرة "هورون"، كانت تتحرك على ارتفاع منخفض بحيث تشكل خطرًا على حركة الطيران المدني.

واردف إنه إلى الحين، فإن إدارة بايدن ليس لديها دليل على أن الأجسام كانت مجهزة لأغراض التجسس، أو حتى أنها صينية، إلا أن المسؤولين لم يستبعدوا ذلك.

وبدأت قصة المناطيد والأجسام المجهولة التي تحلق في سماء الولايات المتحدة وكندا، في  أواخر الشهر الماضي، عندما اخترق منطاد صيني ضخم المجال الجوي الأمريكي، لكن القصة لم يكشف عنها في وسائل الإعلام حتى بداية الشهر الجاري، عندما تحدثت وسائل إعلام أمريكية عن منطاد تم رصده في الأجواء الأمريكية.

ومنذ اللحظة الأولى، كان هناك إصرار من جانب إدارة الرئيس جو بايدن على أن المنطاد الصيني، الذي كان يحلق على ارتفاعات شاهقة تبلغ 60 ألف قدم، هو أداة تجسس صينية متقدمة، مما فتح ملف التجسس المتبادَل بين البلدين وأدواته المختلفة.

getty

وأمرت الحكومة الأمريكية بوقف الرحلات الجوية من وإلى ثلاث مطارات في ولاية ساوث كارولينا، بسبب "جهود تتعلق بالأمن القومي" لم تكشف عنها، ولم يجرِ استئناف الرحلات إلا بعد إسقاط المنطاد.

وقال مسؤول عسكري أمريكي كبير إن العديد من الطائرات المقاتلة وطائرات إعادة التزود بالوقود شاركت في مهمة إسقاط المنطاد، لكن واحدة فقط، وهي طائرة مقاتلة من طراز "F22"، نفذت المهمة بصاروخ واحد من طراز "إيه.آي.إم-9إكس"، وأضاف المسؤول أن المنطاد أُسقط على بُعد 6 أميال بحرية قبالة الساحل الأمريكي.

وكان وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، أول من أعلن إسقاط المنطاد، قائلًا إن "الصين استخدمته في محاولة لمراقبة مواقع استراتيجية في الولايات المتحدة". 

كما قال بايدن، إن "الولايات المتحدة ستتولى أمر ما يشتبه بأنه منطاد تجسس صيني جرى تعقبه في أثناء تحليقه في سماء الولايات المتحدة"، ووصفت واشنطن تحليق المنطاد بأنه "انتهاك واضح للسيادة الأمريكية".

ويوم الجمعة الماضي، قامت الطائرات الأمريكية بإسقاط "جسم طائر" آخر اخترق الأجواء الأمريكية فوق ألاسكا،  وبحسب بيان للجيش الأمريكي، جاء فيه، إن "الجسم الطائر كان يحوم فوق الأجواء والمياه الإقليمية الأمريكية".

من جهة أخرى، قال مسؤولون في البنتاغون إن "الجسم الطائر لم تكن لديه أية أنظمة سيطرة أو توجيه ظاهرة".

وبعدها بيوم أسقطت طائرة أمريكية من طراز "F22"، بناءًا على أوامر مشتركة، صادرة من الولايات المتحدة وكندا، جسمًا طائرًا يحلق على ارتفاعات شاهقة فوق منطقة "يوكون" الكندية، على بُعد نحو 160 كلم من الحدود الأمريكية. وقالت السلطات في البلدين إن الجسم الطائر كان يمثل "خطرًا على حركة الطيران المدني في المنطقة".

ووصفت كندا الجسم الطائر بأنه "أسطواني وأصغر من المنطاد الصيني"، في إشارة إلى المنطاد الأول الذي أسقطته واشنطن، ورفضت وزيرة الدفاع الكندية، أنيتا أناند، تأكيد أو نفي أن يكون الجسم الطائر الذي تم إسقاطه صينيًا.

getty

من جانبه، قال زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأمريكي تشاك شومر، في مقابلة مع محطة "ABC" التلفزيونية بأن مسؤولي الأمن القومي يعتقدون أن الأجسام الطائرة التي أسقطت فوق أمريكا وكندا كانت مناطيد، وأضاف شومر "يمكنكم الاطمئنان بأنه إذا كانت أي مصالح أمريكية يكون فيها الناس عُرضة للخطر فسيتخذون الإجراء المناسب"، وتابع شومر "واثق من أن المحققين الأمريكيين الذين يمشطون المحيط قبالة سواحل ولاية ساوث كارولينا لاستعادة الحطام والأجهزة الإلكترونية من المنطاد الأصلي سيخلصون إلى سبب استخدام المنطاد". 

بدوره، قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي مايكل مكول، لمحطة "Fox News"، إن "المنطاد الذي أسقط فوق ساحل ساوث كارولينا كان في مهمة للحصول على صور لمواقع نووية أمريكية حساسة، وأضاف "يريدون الحصول على صور، والحصول على معلومات عن قدرتنا العسكرية، وبالتحديد النووية".

ويحاول مسؤولو البنتاغون والمخابرات معرفة حقيقة هذه الأجسام، خاصة مع طرح فرضيات غريبة للأمر، في ظل استخدام  مصطلحات مثل "جسم طائر مجهول" و"جسم طائر"، في الإشارة إلى عمليات الإسقاط الثلاثة، على عكس مصطلح "منطاد التجسس الصيني" الذي كان معتمدًا للإشارة إلى المنطاد الأول الذي تم إسقاطه.

أجسام فضائية؟

قائد القيادة الشمالية الأمريكية وقيادة الدفاع الجوي الفضائي لأمريكا الشمالية الجنرال جليندي فانهيرك، قال الأحد إنه "لا يستبعد أن تكون هذه الأجسام من خارج كوكب الأرض أو أي تفسير آخر"، بحسب وكالة "رويترز" للأنباء، عندما سُئل عن صلة الأجسام الطائرة الثلاثة التي أسقطتها الطائرات الحربية الأمريكية بالكائنات الفضائية، قال "لا أستبعد أي شيء، سأترك الأمر لمجتمع المخابرات للكشف عن حقيقة ذلك"، وأضاف "في هذه المرحلة نواصل تقييم كل تهديد أو أي خطر محتمل غير معروف يقترب من أمريكا الشمالية بمحاولة التعرف عليه".

في المقابل، رفضت مصادر مسؤولة في في أمريكا طروحات قائد المنطقة الشمالية، متحدثةً عن أن هذا "الأجسام" مصنوعة على الأرض.

وكان رئيس وزراء كندا جاستن ترودو، قد قال إن طائرة مقاتلة أمريكية من طراز "F22"أسقطت "جسمًا غير معروف"، مضيفًا أن "القوات الكندية ستنتشل وتحلل حطام الجسم المجهول الهوية".

وأدى تكرار مصطلح "جسم مجهول" إلى تعزيز التكهنات بشأن طبيعة تلك الأجسام الطائرة، خصوصًا أن واشنطن لم تصفها بأنها صينية، كما أن بكين أيضًا لم تصدر أي بيانات بشأنها، عكس ما حدث مع المنطاد الأول إذ قالت إنه ليس لديها معلومات عن أحدث ثلاثة أجسام أسقطتها الولايات المتحدة.

getty

وبناء على طلب من الكونجرس، كثف البنتاغون ووكالات الاستخبارات دراستهم للحوادث غير المبررة بالقرب من القواعد العسكرية في السنوات الأخيرة، وقالت الدراسات حول ما يسميه مجتمع المخابرات بـ"الظواهر الجوية غير المحددة"، قد حددت بدقة جهودًا لم يتم اكتشافها سابقًا لإجراء مراقبة على التدريبات العسكرية والقواعد العسكرية الأمريكية، العديد من هذه الحوادث غير المبررة كانت بالونات، ويعتقد الآن أن بعضها كان عبارة عن محاولة مراقبة من قبل الصين أو قوى أخرى، باستخدام كل من البالونات وطائرات المراقبة المُسيّرة.

بالمقابل، أعلنت بكين عن رصد "جسم طائر مجهول" في أجواء مقاطعة "شاندونغ" شرقي البلاد، بحسب ما نقلته صحيفة "Global Times".

وبحسب تقرير لشبكة "Foxnews" الأمريكية، فإن مسؤولين صينين قالوا إن الجسم الطائر تم رصده محلقًا بالقرب من قاعدة "جيانغ زوانغ" البحرية، وهي قاعدة رئيسية لبحرية جيش التحرير الشعبي، وإن الاستعدادات كانت جارية لإسقاطه.

والإثنين قالت الصين إن مناطيد أمريكية حلقت على ارتفاع كبير فوق مجالها الجوي دون إذن أكثر من 10 مرات منذ بداية عام 2022، وأشارت المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وين بين، في إفادة صحفية من بكين، "منذ العام الماضي، قامت مناطيد أمريكية بأكثر من عشر رحلات جوية غير مشروعة على ارتفاعات عالية في المجال الجوي الصيني دون موافقة الجهات الصينية المعنية".

لماذا زاد التقاط "الأجسام الطائرة"؟

ما يمكن أن يفسر زيادة الحديث الأمريكية والكندي، عن "الأجسام الطائرة"، هو إعلان القيادة العسكرية الأمريكية (NORAD)، التي تراقب المجال الجوي الأمريكي والكندي، عن تعديل نظام الرادار خاصتها، بجعله أكثر حساسية، أي أن الرادارات حاليًا تقوم بإلتقاط المزيد من الأجسام الطائرة، لأن عملها أصبح أكثر نشاطًا.

وبحسب مصادر أمريكية، فإن أجهزة الاستشعار والرادارات، تلتقط الآن العديد من الإشارات، حول أجسام طائرة، بما في ذلك أسراب من الطيور المهاجرة، والطائرات الشراعية.

لماذا تم إسقاطها سريعًا؟

انتظرت الإدارة الأمريكية، خمسة أيام من أجل اتخاذ قرار بإسقاط المنطاد الصيني، مشيرةً باستمرار إلى أن هناك خطرًا من إسقاطها فوق مناطق مأهولة بالسكان. ولكن هذه المرة، يسقط الجيش الأمريكي "الأجسام الطائرة"، بشكلٍ سريع، وذلك لأنها بحسب المصادر الأمريكية والكندية تحلق على ارتفاعات تتراوح بين 20 ألف قدم و40 ألف قدم، أي أقل بكثير من المنطاد الصيني، وذلك تشكل خطرًا محتملاً على حركة الملاحة الجوية.

وبالطبع حرصت، أمريكا وكندًا، على عدم تسمية أي جسم بـ"المنطاد"، وطوال الوقت فقدمت وصفًا، حيث أشير للجسم الذي أسقط فوق بحيرة هورون بعد دخوله ميتشيجان بأنه هيكل مثمن الأضلاع مع خيوط متدلية.

أمّا عن سبب الإسقاط المباشر،لأن الأجسام تواجدت فوق مناطق قليلة السكان، مثل ألاسكا ويوكون الكندية، أو كانت تحلق فوق الماء.

وقال مسؤولو البنتاغون إن الحطام المتساقط من المنطاد الصيني كان يمكن أن يصيب الناس على الأرض، لكن الأجسام الأخرى سقطت فوق الماء أو مناطق قليلة السكان، مما يقلل من مخاطر سقوط الحطام.

فرضيات بدون أجوبة

وبحسب النيويورك تايمز، واعتمادًا على تقرير أمريكي، قالت أجهزة المخابرات إنه من بين 366 حادثة جوية غير مفهومة، تم تحديد 163 فيما بعد على أنها مناطيد. وقالت وثيقة سرية ذات صلة نشرت صحيفة نيويورك تايمز نتائجها هذا الشهر إن حادثين على الأقل في قواعد عسكرية أمريكية يمكن أن يكونا أمثلة على التكنولوجيا الجوية المتقدمة، التي ربما طورتها الصين.

وتمتلك أمريكا عدة فرضيات عن الأمر، لكن الفرضة الأكثر إثارة للقلق، وهي قيد الفحص، هي أن "الأجسام الطائرة" التي يتم إرسالها من قبل الصين أو قوة أخرى، وهي محاولة لمعرفة المزيد عن الرادار الأمريكي أو أنظمة الإنذار المبكر.

بحسب مصادر أمريكية، فإن أجهزة الاستشعار والرادارات، تلتقط الآن العديد من الإشارات، حول أجسام طائرة، بما في ذلك أسراب من الطيور المهاجرة، والطائرات الشراعية

قال مسؤول أمريكي كبير لـ"نيويورك تايمز" إن إحدى النظريات -وشدد الشخص على أنها مجرد نظرية- هي أن الصين أو روسيا أرسلت الأجسام لاختبار قدرات جمع المعلومات الاستخباراتية الأمريكية. وأضاف المسؤول أنه من المتوقع أنهم تم إرسالهم لمعرفة مدى سرعة إدراك الولايات المتحدة للتدخل ومدى سرعة رد الجيش على مثل هذا التوغل. فيما تعمل القوات الأمريكية على جمع حطام هذه "الأجسام" من أجل فحصها.