14-فبراير-2023
getty

منذ ثمانية أعوام والصين تسعى إلى بناء استثمارات واسعة في شرق أوروبا تعثرت نتيجة موقفها من الحرب على أوكرانيا (Getty)

تأثرت العلاقات الصينية ببلدان أوروبا الشرقية كثيرًا بسبب موقف بكين من الحرب في أوكرانيا، ويجادل عدد من المراقبين بأنّ الاستثمارات الصينية تعرّضت لنكسة كبيرة حتى في البلدان التي كانت تراهن عليها بكين لتكون بوابتها إلى أوروبا.

قبل ثماني سنوات، عرض الرئيس التشيكي ميلوش زيمان، في زيارة لبكين، أن تكون بلاده "بوابة الصين إلى أوروبا"

وكانت الصين تراهن على دولة مثل التشيك الواقعة في وسط أوروبا بين النمسا من الجنوب وألمانيا من الغرب وبولندا وسلوفاكيا من الشرق، خاصةً أن براغ سبق وأن حاولت خطب ود بكين على أمل جذب استثماراتها، لكنّ علاقات البلدين توترت مؤخرًا كما هو حاصل في العديد من البلدان وسط وشرق أوروبا، بحسب تقرير مطوّل لصحيفة نيويورك تايمز رصدت فيه تراجع العلاقات الصينية ببلدان أوروبا الوسطى والشرقية، وخاصة مع التشيك التي كانت الصين تطمح أن تكون بوابتها للغرب.

فقبل ثماني سنوات، عرض الرئيس التشيكي ميلوش زيمان، في زيارة لبكين، أن تكون بلاده "بوابة الصين إلى أوروبا". لكن تلك الآمال والتوقعات بتدفق الاستثمارات الصينية وتناميها في البلد الأوروبي المذكور تقلص، حسب تقرير نيويورك تايمز "إلى رقعة من الأرض الموحلة على حافة قرية تشيكية صغيرة"، تم شراؤها في عام 2018 من قبل شركة عقارية صينية مع خطط طموحة لمنتجع صحي مترامي الأطراف وتطوير سكني. حيث بدأ البناء بطيئًا لدرجة أن المزارعين المحليين يستخدمون الآن الممتلكات المملوكة للصين لزراعة الذرة.

وبدلاً من ضخ دماء جديدة في فكرة المشروع الواقع بمنطقة جنوب مورافيا التشيكية، تحوّل المشروع الصيني "إلى رمز لمخاطر نموذج الأعمال الصيني في الخارج وخاصة في الديمقراطيات الأكثر حيوية على غرار تشيكيا"، حيث غالبًا ما تكافح المشاريع الصينية، وتتعثر بسبب العقبات البيروقراطية، والضغط من النشطاء البيئيين والتغطية الإعلامية المنتقدة للتوغل الصيني، وجاءت الحرب الأوكرانية لتجهز على ما تبقى من جاذبية الاستثمارات الصينية بسبب موقف بكين الداعم لموسكو. 

وذلك ما أقر به إدوارد شو، رئيس المشروع المتوقف التابع لشركة RiseSun ، الذي صرح بأن "كل شيء تغير بسبب الحرب"، مردفًا القول "نأمل فقط أن تنتهي الحرب في أقرب وقت ممكن".

وذات النتيجة أعاد تأكيدها وزير الخارجية التشيكي يان ليبافسكي الذي قال في مقابلة حديثة في براغ ، "موقف الصين من أوكرانيا أجبرنا على إعادة التفكير في العلاقات السياسية والاقتصادية مع بكين"، منتقدًا في ذات الوقت "فشل بكين في الوفاء بتعهداتها الاستثمارية"، قائلًا: إنه "من الواضح أن المستثمرين الصينيين لم يفوا بما وعدوا به".

وفي هذا السياق نقلت نيويورك تايمز عن فيليب لو كوري الباحث في معهد سياسة المجتمع الآسيوي قوله "إن التحول الديمقراطي وتغيير الأجيال في البلدان التي كانت الصين تنظر إليها سابقًا على أنها صديقة قد عطل الدعم الموثوق به تجاه الصين في المنطقة الشرقية الشيوعية سابقًا"، متابعًا القول: "لقد خسرت الصين ، في رأيي ، أوروبا الشرقية"، مؤكدًا أن "حرب أوكرانيا عجّلت بفك اقتران المصالح بين بكين والعديد من دول أوروبا الشرقية والوسطى"، معتبرًا أنّه "كلما طالت الحرب في أوكرانيا زاد فقدان الصين لأصدقائها".

وزير الخارجية التشيكي يان ليبافسكي قال في مقابلة حديثة في براغ ، "موقف الصين من أوكرانيا أجبرنا على إعادة التفكير في العلاقات السياسية والاقتصادية مع بكين"

ولفت تقرير نيويورك تايمز الانتباه إلى أنّ توغل الصين في أوروبا الشرقية ارتبط بأسماء مسؤولين كانوا على صلة وثيقة ببكين ومتحمّسين للاستثمارات الصينية، فعندما طوّرت شركة RiseSun خططها الاستثمارية في جنوب مورافيا قبل سبع سنوات، كانت المنطقة يحكمها مشيل هاسك الداعم القوي للصين والذي كان أيضًا حليفًا سياسيًا وثيقًا لميلوش زيمان الرئيس التشيكي الذي زار بكين في عام 2015 وأعلنَه شي جين بينغ، "أفضل صديق له". وعندما زار الرئيس الصيني شي جين بينغ براغ في عام 2016 عرض عليه نظيره التشيكي زيمان أن تكون التشيك قاطرة الاستثمارات الصينية في أوروبا.

رحل السيد هاسيك كحاكم وذهب معه عدد من المشاريع الموعودة الممولة من الصين. والرئيس زيمان الآن في طريقه للخروج أيضًا، بعد أن انتخب الناخبون التشيك الشهر الماضي رئيسًا جديدًا مؤيدًا للغرب هو بيتر بافيل الجنرال المتقاعد الكبير في الناتو، حسب توصيف تقرير نيويورك تايمز، الذي أضاف أن بافيل الذي يتولى منصبه في آذار/ مارس أثار غضب بكين بالفعل من خلال التحدث مع رئيس تايوان وإخبار صحيفة فاينانشيال تايمز أن الصين "ليست دولة صديقة ولا تتوافق مع الديمقراطيات الغربية في أهدافها ومبادئها الاستراتيجية."

سنوات من العمل الدبلوماسي الصبور تتفكك

في ما اعتبره النقاد محاولةً لإنشاء "حصان طروادة" داخل الاتحاد الأوروبي أقنعت الصين في عام 2012، بالاستثمارات الواعدة بالمليارات، 16 دولة في أوروبا الوسطى والشرقية، 11 دولة منها في الاتحاد الأوروبي للانضمام إلى كتلة دبلوماسية واقتصادية جديدة بقيادة الصين تُعرف باسم "16 + 1"، وأصبح التجمع "17 + 1" في عام 2019، مع دخول اليونان.

لكن هذا النادي انخفض الآن إلى 14 عضوًا أوروبيًا بعد خروج إستونيا ولاتفيا العام الماضي، وكلتاهما نتيجة الغضب من موقف الصين بشأن أوكرانيا، ورحيل ليتوانيا عام 2021، وباتت مغادرة التشيك لهذا التجمع وشيكة.

إن الرحيل الوشيك للسيد زيمان كرئيس قد فتح الباب أمام احتمال أن تنفصل جمهورية التشيك الآن أيضًا، بعدما غادرت الشخصيات الداعمة لبكين المشهد، وقد بدأ ذلك بشكل واضح في عام 2018، عندما بدأت CEFC China Energy، التي أنفقت أكثر من مليار دولار على صفقات في البلاد، في الانهيار بعد اعتقال رئيسها زيمان، المستشار الاقتصادي الخاص للسيد Ye Jianming في الصين.

في محاولة لإنشاء "حصان طروادة" داخل الاتحاد الأوروبي أقنعت الصين في عام 2012، بالاستثمارات الواعدة بالمليارات، 16 دولة في أوروبا الوسطى والشرقية، 11 دولة منها في الاتحاد الأوروبي للانضمام إلى كتلة دبلوماسية واقتصادية جديدة بقيادة الصين تُعرف باسم "16 + 1"

عانت ثروات بكين من نكسة أخرى في عام 2021 عندما قُتل بيتر كيلنر رجل الأعمال التشيكي ذو المصالح التجارية الواسعة في الصين في حادث طائرة هليكوبتر. حيث أعلنت شركته PPF منذ ذلك الحين أنها تريد بيع أعمالها الرائدة في الصين محولة مركز أعمالها إلى أوروبا.