03-مارس-2018

لا غضاضة لدى ماكرون أن يعتمد على الأخبار الكاذبة لتمرير سياساته (رويترز)

في مقال لها، تلقي مجلة "لوموند ديبلوماتيك" الفرنسية، الضوء على الكذبات التي يستند إليها إيمانويل ماكرون للترويج للوهم الذي يستبطن مساعٍ حثيثة لترسيخ السياسات النيوليبرالية تحت المسمى التقليدي "الإصلاح". في السطور التالية ننقل لكم المقال مترجمًا.


وصف وزير مالية سابق في ظل حكومة اشتراكية، الذي أسس لاحقًا حزب نيوليبرالي حسب رؤيته الخاصة، كيفية إنشاء مجتمع سوقي (قائم على اقتصاد السوق)، قائلًا: "لا تحاول التقدم خطوة واحدة في كل مرة. حدد أهدافك بوضوح واسعى تجاهها بقفزات هائلة. وإلا فإن جماعات الضغط سيكون لديها الوقت الكافي للتحرك والعمل على إضعافك".

بخطى حثيثة يمضي ماكرون بكافة الوسائل لتنفيذ إستراتيجية صادمة، تهدف إلى ترسيخ السياسات النيوليبرالية 

وأضاف: "تُعد السرعة أمرًا أساسيًا، غير أنه من المستحيل أن تمضي قدمًا بسرعة كبيرة. وحتى إن استطعت أن تمضي بأقصى سرعة، سيستغرق تنفيذ البرنامج الكلي بضع سنوات. ولكن لا تتوقف حتى الانتهاء من البرنامج. إذ إنه من الصعب على المعارضين إطلاق النيران بدقة على هدف يتحرك بسرعة. انطلق بأسرع ما يمكن". لم يقل إيمانويل ماكرون تلك الكلمات، ولكن قالها روجر دوغلاس في نيوزيلندا في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1989، موضحًا سمات الثورة النيوليبرالية المضادة في بلاده.

اقرأ/ي أيضًا: بعد الدور الأول من التشريعيات الفرنسية.. تخوفات من "دكتاتورية" ماكرون

وبعد ما يقرب من 30 عامًا، اعتمد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كافة الحيل لهذه الإستراتيجية الصادمة. إذ يجري "الإصلاح" في كل مكان، في الشركة الوطنية للسكك الحديدية الفرنسية، والخدمة المدنية، والمستشفيات والمدارس وتشريعات العمل والضرائب على رأس المال والهجرة، وفي البث الإذاعي والتلفزيوني العام، الذي وصفه ماكرون بأنه "عار وطني". يقوم ماكرون بما يقوم به بخطى واسعة وبتقدم حثيث إلى الأمام، بدعوى الكارثة وشيكة الحدوث أو الديون المتصاعدة!

وقد أعاد تقرير عن خطوط السكك الحديدية الفرنسية -الذي كلف به ماكرون، أحد الخبراء ذَوي التفكير المماثل، وهو رجل الأعمال جان سيريل سبينيتا- إحياء قائمة الرغبات النيوليبرالية التي لم تتحقق بعد، وتتمثل في: إنهاء الوضع المتميز لعمال السكك الحديدية، وتحويل الشركة الوطنية للسكك الحديدية إلى شركة عمومية محدودة، وإغلاق الخطوط الخاسرة.

وبعد خمسة أيام من نشر هذا التقرير، بدأت الحكومة في إجراء "المفاوضات" في محاولة لتمويه الإملاءات التي أرادت أن تفرضها على النقابات، إذ إنها في حاجة ماسة للاستفادة من مناخ الانفراج والوفاق السياسي، والانقسامات بين النقابات، وإحباط الركاب بسبب التأخيرات والحوادث والمسارات المتهالكة وارتفاع أسعار التذاكر. يُمثل ذلك "الضرورة الملحة للعمل" التي يطالب بها وزير النقل. وكما أكد روجر دوغلاس، عندما تسنح الفرصة، فـ"من المستحيل أن تمضي قدمًا بسرعة كبيرة".

تعتمد الحكومة الفرنسية أيضًا على وسائل الإعلام لنشر أخبار رسمية كاذبة، وابتكار الشعارات التي من شأنها أن تساعد على تنفيذ مخططاتها. تتشابه الفكرة (التي انتشرت بسرعة) بأن "الشركة الوطنية للسكك الحديدية تكلف كل مواطن فرنسي ألف يورو، حتى لو لم يستخدمو السكك الحديدية"، إلى حد كبير، مع الادعاء الشائن بأن "كل مواطن فرنسي سيتعين عليه دفع مبلغ قدره 735 يورو لسداد دين اليونان"، الذي ساعد الاتحاد الأوروبي في عام 2015 على تضييق الخناق المالي على اليونان.

أحيانًا تظهر الحقيقة، ولكن بعد فوات الأوان. وقد بُررت بعض الإصلاحات المتعلقة بالمعاشات التقاعدية على أساس أن متوسط ​​العمر المتوقع آخذ في الارتفاع، ولكن خلصت دراسة حكومية حديثة إلى أنه "بالنسبة لأولئك الذين ولدوا في عام 1951 أو بعد ذلك (يُمثلون 80% من سكان فرنسا)، فإن متوسط ​​العمر المتوقع بعد التقاعد سينخفض قليلًا بالمقارنة مع أولئك الذين ولدوا في عام 1950".

تعتمد الحكومة الفرنسية على وسائل الإعلام لنشر أخبار كاذبة وصناعة شعارات وهمية لتساعدها على تنفيذ مخططاتها

ويُعتبر ذلك تغيرًا للاتجاه الذي ساد لفترة طويلة وتمثل في زيادة الوقت التقاعدي (الوقت المستغرق في فترة التقاعد). غير أننا لم نسمع الكثير عن هذا. ويبدو أن ماكرون ليس على وشك تحذيرنا بضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة بشأن ذلك.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ماكرون وأردوغان.. التجارب السياسية الجديدة

ماكرون في معسكر موسكو وأبوظبي.. مع جرائم الأسد "للأبد"