24-يونيو-2017

ماكرون يستقبل محمد بن زايد في قصر الإليزيه (جون فان هاسلت/Getty)

فاجأ الرئيس الفرنسي المنتخب حديثًا، إيمانويل ماكرون، المجتمع الدولي قبل أيّام قليلة برأي إدارته المتعلق بالأزمة السورية التي تتصدر المشهد العالمي منذ ستة أعوام، بعد نفيه مطالبته أن يكون رحيل رئيس النظام السوري بشار الأسد عن السلطة شرطًا من أجل الوصول لحل سياسي في البلاد التي مزقتها قوات الأسد والمليشيات الأجنبية المدعومة من إيران إلى جانب القوات الروسية.

"لا بديل شرعي عن الأسد"

على عكس التصريحات السابقة أثناء حملته الانتخابية في سباق الوصول لقصر الإليزيه، اعتبر ماكرون في حوار مع ثماني صحف أوروبية قبل أيام قليلة، أن بلاده لديها التزام تام بـ"محاربة الجماعات الإرهابية وضمان ألا تصبح سوريا دولة فاشلة"، نافيًا أن يكون قد دعا في وقت سابق إلى رحيل الأسد: "لم أقل إن رحيل بشار الأسد شرط مسبق لكل شيء، لأني لم أر بديلًا شرعيًا"، وأن نقاطه الأساسية واضحة بكونها تشترط "حربًا كاملة ضد الجماعات الإرهابية، فهي عدونا".

على عكس هولاند الذي كانت لديه مواقف حازمة من التدخل الروسي في سوريا، فإنّ ماكرون عبّر لوتين عن رغبته في "العمل سويًا"

وعكست تصريحاته الأخيرة مضمون اللقاءات التي عقدها في قصر "الإليزيه" خلال الأيام الـ20 الأخيرة مع ثلاث دول فاعلة في الشأن السوري، كان أولها في 29 من شهر أيار/مايو الماضي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي تدعم بلاده قوات الأسد عسكريًا منذ 30 أيلول/سبتمبر 2015، وبعدها مع العاهل الأردني عبدالله الثاني، وختمها بلقاء مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، حيثُ أدرجت الأزمة السورية على جدول الاجتماعات، وجاء تصريحات ماكرون عن الأسد التي وصفت بأنها مثيرة للجدل، عقب ذلك اللقاء الأخير ببن زايد.

اقرأ/ي أيضًا: ماكرون والشرق الأوسط.. ماذا ترك رجل الوسط لأهل اليمين؟

وعلى خلاف إدارة الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، التي كان لديها مواقف حازمة من التدخل العسكري الروسي في سوريا، أو على الصعيد الأوروبي من ناحية شبه جزيرة القرم؛ فإن ماكرون عبّر لبوتين عن رغبته بـ"العمل سويًا" على مكافحة الإرهاب. كما أوضح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، الأربعاء الماضي، خلال لقاء جمعه بنظيره الروسي سيرغي لافروف، أن "روح الثقة للتفاهم بين باريس وموسكو بطريقة أفضل كانت مفقودة"، وأنهم بعد اجتماعهم يمكنهم مواصلتها.

وخلال لقائه بمحمد بن زايد، شدد ماكرون على أنّ أولوية بلاده هي محاربة التطرف الإسلامي في المنطقة، إذ تتخذ الإمارات موقفًا سلبيًا من الثورة السورية التي بدأت سلمية بتظاهرات خرجت في آذار/مارس 2011، كما أن الإمارات عملت خلال العامين الماضيين على دعم منصتي موسكو والقاهرة اللتان لا تعتبران أنّ رحيل الأسد شرطًا أساسيًا للمرحلة الانتقالية، في حال تم التوصل إليها.

وأشارت تقارير صحافية سابقة إلى أن الإمارات اتفقت بشكل سري مع الأردن ومصر، على دعم العمليات الروسية في سوريا. وفي تصريحات ترجع لـ30 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، أكد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، أنه "لن يستاء" أحد من القصف الروسي لتنظيمي الدولة أو القاعدة، وذلك لأنه "قصف لعدو مشترك"، رغم أن العمليات العسكرية التي نفذتها القوات الروسية ضد المناطق المتواجد فيها التنظيمين المتشددين، جاءت محدودة مقارنًة بقصفها لمناطق سيطرة فصائل المعارضة المنضوية ضمن تشكيلات الجيش السوري الحر، إذ جاء تدخلها عسكريًا في الوقت الذي فقد سيطرته على أكثر من 60% من مساحة البلاد.

 ماكرون.. الحليف الروسي الجديد

حصل الشاب الوسيم منذ إعلانه ترشحه للانتخابات الرئاسية الفرنسية، على دعم من شرائح مختلفة في المجتمع الفرنسي، اعتقدت أنه الرجل الذي سيقف في وجه زعيمة اليمين المتطرف ماري لوبان، التي لم تخفي تقاربها مع رؤية روسيا للأزمات الدولية، وأكدت على أنها ترغب في بناء استراتيجية مع موسكو في حال نجاحها بالانتخابات لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، كما قال إنّ الأسد هو الشخص الوحيد الذي يمكن أن يحدث تعاون معه في سوريا ضد داعش.

جاء التقارب الروسي الفرنسي متزامنًا مع الأزمة بين موسكو وواشنطن بعد إسقاط التحالف الدولي لمقاتلة تابعة للنظام السوري في ريف الرقة

هذا ويُشار إلى أنّه منذ الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها باريس في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، تعيش فرنسا تحت ظل قانون الطوارئ حتى اليوم، في الوقت الذي يحاول فيه ماكرون أن يسن قانونًا مشابهًا للصلاحيات التي يسمح بها قانون الطوارئ، مثل تنفيذ عمليات تفتيش للشقق المشتبه في إيوائها أفرادًا قد ينفذون اعتداءات إرهابية، أو توقيف الأشخاص المشتبه بهم بدون مذكرة رسمية من القضاء الفرنسي.

اقرأ/ي أيضًا: هجمات باريس.. تعليق على ما حدث

ويأتي التقارب الروسي الفرنسي في ظل تفاقم الأزمة الدبلوماسية بين موسكو وواشنطن، بعد إسقاط مقاتلات التحالف الدولي مقاتلة للنظام السوري بريف مدينة الرقة التي تدور فيها معارك عنيفة ضد تنظيم الدولة، عُلّقت على إثرها اتفاقية السلامة الجوية، واعتبرت موسكو أن أي أجسام غريبة للتحالف الدولي في الأجواء السورية غربي الفرات، ستكون أهدافًا مشروعة، ما حدا ببعض دول التحالف لتعليق عملياتهم العسكرية في المنطقة.

وحاولت فرنسا خلال إدارة الرئيس السابق هولاند، أن تستعيد مكانتها كقوة عظمى في الشرق الأوسط، باتخاذها موقفًا حازمًا من تدخلات الكرملين في سوريا، وإصرارها على رحيل الأسد عن السلطة. 

ولطالما شدد هولاند على أن الأسد لن يكون جزءًا من الحل السياسي، وأنه يعمل على استغلال وجود الجماعات الإسلامية المتشددة للبقاء في الحكم، لكن ذلك لم يُخرِج باريس من عزلتها الدولية بسبب الموقف السلبي الذي اتخذته الدول الداعمة للمعارضة من رحيل الأسد، وصمتها عن استخدامه الأسلحة الكيميائية لأول مرة في آب/أغسطس 2013.

ترامب يدفع باريس إلى أحضان موسكو

منذ استلامه لمهامه في الإليزيه، اتخذ ماكرون موقفًا صارمًا من نظيره الأمريكي دونالد ترامب، الذي ظهر واضحًا في مناسبتين جمعتمها على هامش اجتماع دول حلف الشمال الأطلسي (الناتو) في أيار/مايو الفائت، وتعمقت الخلافات بين إدارتي الرئيسين المستلمين حديثًا مهامها، بعد إعلان ترامب مطلع الشهر الجاري انسحاب بلاده من اتفاقية باريس لتغير المناخي، الذي كان سلفه أوباما من أبرز المهندسين لبنودها. ورد ماكرون على انسحاب واشنطن من الاتفاقية بشعار "لنجعل كوكبنا عظيمًا من جديد"، في محاكاة لشعار ترامب الذي رفعه أثناء حملته الانتخابية "لنجعل أمريكا عظيمة من جديد".

لا يُستبعد أن تلعب باريس دورًا في رأب الصدع بين الولايات المتحدة وروسيا، بعد تفاقم الأمور بينهما مُؤخرًا

ورغم أن ماكرون وجه انتقادات حادة لنظيره بوتين أمام جموع الصحفيين على خلفية عملية القرصنة التي تعرضت لها حملته الانتخابية، وحذر بأن بلاده سترد بشكل فردي وفوري على أي استخدام للسلاح الكيميائي من جانب النظام السوري؛ إلا أنه أيضًا أكّد على أنّ محاربة الإرهاب لا يمكن أن تكون بمعزل عن روسيا، ما يدل على تقارب في وجهات النظر بعد أن أذابا جبل الجليد بينهما في لقاء استمر لأكثر من ساعة.

اقرأ/ي أيضًا: روسيا تقتل القتيل وتمشي في جنازته

ولا يُستبعد أن تلعب باريس، وهي إحدى الدول الفاعلة في التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، دورًا في رأب الصدع بين قطبي الحرب الباردة، بعد تزايد الخطر من حدوث مواجهة مباشرة بينهما، عقب إظهارها ليونة في موقفها المتشدد من موسكو، وإدلاء ماكرون بتصريحات مقاربة لوجهة النظر الروسية في سوريا، عكسها حديثه الأخير حول مصير الأسد الذي جاء مساويًا للمواقف الإماراتية والمصرية والروسية، حول الوصول لحل سياسي لا يضع رحيل الأسد على سلم أولوياته.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد الرئاسة.. "المد الماكروني" يكتسح البرلمان الفرنسي

نقلة أوروبية نوعية في وجه حلفاء الأسد