07-أغسطس-2020

من زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت (رويترز)

"عندما يدمع قلب بيروت فإن قلب فرنسا يدمع وفرنسا لن تتخلى عن لبنان أبدًا"، هكذا قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في نهاية زيارته إلى بيروت، بعد أن قام بجولة على مرفأ المدينة المدمر والمناطق المتضررة في محيطه كمنطقة الجميزة، ثم انتقل إلى القصر الجمهوري أين التقى الرؤساء الثلاثة (عون، دياب، بري)، وبعدها انتقل إلى قصر الصنوبر حيث التقى رؤوساء كتل الأحزاب النيابية بمن فيهم رئيس تكتل حزب الله النيابي محمد رعد.

بدا الرئيس الفرنسي كمن فقد الدور وجاء ليستعيده بعد سنوات، موبخًا المسؤولين اللبنانيين، ومتخليًا ربما عن نزعاته الدبلوماسة في وصف الفساد

بدا خطاب الرئيس الفرنسي عاطفيًا، وحمل في متنه كثيرًا من رسائل التضامن. لم يصافح المسؤولين لكنه عانق مواطنة لبنانية بحرارة. استقبله حشد من اللبنانيين في منطقة الجميزة التي تضررت كثيرًا جراء الانفجار، بينما تم الاحتجاج ضد وزيرة العدل ماري كلود نجم. ثم اختتم المشهد الرمزي، بجملة واحدة بالعربية "بحبك يا لبنان".

اقرأ/ي أيضًا: فورين بوليسي: انفجار مرفأ بيروت هو "تشيرنوبل لبنان" 

وفي حين كانت تقارير تشير إلى تطلعات "فرنسا الأم" إلى دور فاعل أكثر في المنطقة، يبدو أنه ينطوي على إعادة صياغة لعلاقتها مع لبنان على أنقاض العاصمة بيروت، تم تداول منشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ساخرة في حين وغير ساخرة في أحيان، تطالب بعودة "الانتداب الفرنسي"، بينما انتشرت رسائل استغاثة تطالب بتدخل فرنسا سياسيًا للتخلص من فشل الدولة، وهو ما بدا وكأنه يعكس حجم اليأس والانهيار الذين وصل إليهما اللبنانيون بسبب المنظومة الحاكمة.

الرئيس الفرنسي يعانق مواطنة لبنانية في شوارع بيروت (أ.ب)

تحدث ماكرون عن المساعدات الفرنسية. فريق إنقاذ مدني، عاملون في الإسعاف، مركز صحي متنقل، مستشفى ميداني، طائرة مليئة بالمساعدات، فريق من المحققين لمساعدة اللبنانيين للبحث عن الناجين والضحايا والتحقيق الجنائي والأمني، وحاملة طائرات ستأتي إلى لبنان حاملة أدوية ومعدات للطوارئ ومسعفين للاستجابة للحالة الطارئة والاعتناء بالجرحى. "لن تتخلى فرنسا عن لبنان" هكذا قال.

بدا الرئيس الفرنسي كمن فقد الدور وجاء ليستعيده بعد سنوات، موبخًا المسؤولين اللبنانيين، ومتخليًا ربما عن نزعاته الدبلوماسة في وصف الفساد. "سنقدم القمح ومعدات البناء وشركات لنقل كل هذه المساعدات وسنكون معكم على المدى الطويل وستكون فرنسا حاضرة لتنظيم المساعدات الدولية بالتعاون مع البنك الدولي والأمم المتحدة، وتنظيم مؤتمر دولي لمساعدة لبنان من كل بلدان العالم بهدف توفير كل ما هو أساسي للإيواء، وسنقوم بإنشاء حوكمة شفافة لكي تصل هذه المساعدات إلى المنظمات غير الحكومية والشعب، كي لا يكون هناك سوء استغلال لهذه المساعدات".

وفي لغة لا تبتعد كثيرًا عن سياق الوصاية، وتفتح الذاكرة على أيام مضت، أشار في خطابه إلى أهمية المعرفة ودعم المدارس والجامعات والشباب بالشراكة مع كل الجهات المانحة في القطاع الخاص. تصريح جاء للمفارقة، تاليًا لزيارة وزير الخارجية الفرنسي، إيف لودريان، في الـ23 من شهر تموز/يوليو الفائت، إلى المدينة التي سُتعلن منكوبة بعد أقل من أسبوعين. حيث أعلن لودريان أنّ بلاده خصّصت 15 مليون يورو لمساعدة المدارس الفرانكفونية، ومليونين للجامعات. وبجزم صارم، قال وزير الخارجية المقرب من ماكرون وقتها، إن بلاده "لن تسمح للمدارس الفرانكفونية في لبنان بأن تنهار"، مؤكدًا أن "قوة هذا البلد العطش للمعرفة ستأخذ لبنان إلى مصير جديد".

داعيًا اللبنانيين إلى "الابتعاد عن الطائفية والانعزالية السياسية" كما وصفها، وبشيء من التأنيب الخفيف للناس، قال الرئيس الفرنسي إنني "لست أنا من انتخب هؤلاء وأدخلهم إلى السلطة في لبنان، ويجب على اللبنانيين أن يكتبوا تاريخهم بأنفسهم، ففرنسا تستطيع المساعدة في تغيير النهج ولكن لا يمكنها تخطي السيادة اللبنانية".

من زيارة ماكرون إلى العاصمة اللبنانية بيروت (أ.ب)

"لن نقدم شيكًا على بياض لا سيما لقادة لم يعودوا يحظوا بشعبية اللبنانيين"، بكلمات مثل تلك وغيرها، شكك ماكرون بالشرعية التمثيلية للسلطة في لبنان، وبلغة الفاعل ومن يحدد المصائر، تحدث عن حكومة وحدة وطنية، وأعلن ضرورة تغيير السلطة في لبنان لنهجها وإجراء الإصلاحات المطلوبة في قطاعات سماها وحددها، كالكهرباء والمصارف والمصرف المركزي وغيرها، فيما بدا وكأنه يؤكد على اطلاعه على الأزمات اليومية للمواطنين.

اقرأ/ي أيضًا: استجابة دولية لانفجار المرفأ.. قوافل المساعدات الطبية تبدأ بالوصول إلى بيروت

أما أكثر ما أثار الجدل، فأنه طرح "ميثاقًا جديدًا" أو طرحًا جديدًا "لتغيير النظام السياسي" في لبنان، وهذا الميثاق يجب "أن تبرمه القوى اللبنانية مع الشعب اللبناني ولا يتم بعصا سحرية". والسؤال الجوهري، حسب ماكرون "كيف نخرج من خصخصة المصالح ونعيد بناء وحدة لبنانية وطنية؟". 

بدت الإشارة إلى ميثاق جديد غامضة، خاصة في سياق الانقسام الحاد بين الكتل اللبنانية. ظهر هذا الانقسام في مطالبة أحزاب مثل تيار المستقبل والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي بتحقيق دولي، وهو مطلب أيده ماكرون، رغم أن الرئاسات الثلاث في لبنان ترفضه.

كما أن دعوة ماكرون إلى ضروة "النأي بالنفس"، ستكون موضعًا أيضًا للخلاف السياسي بين المكونات اللبنانية. وهي مقولة ترددت كثيرًا في الأونة الأخيرة، وشكلت مادة  للجدال والردود المضادة الحادة من قبل حزب الله وأطراف أخرى. 

وصف ماكرون نقاشاته مع القيادات السياسية بأنها كانت "قوية وصريحة وحقيقية" لكنه لم يستثن العقوبات في حال فشلت الدولة اللبنانية في اتخاذ الإجراءات اللازمة

وصف ماكرون نقاشاته مع القيادات السياسية بأنها كانت "قوية وصريحة وحقيقية" لكنه لم يستثن العقوبات في حال فشلت الدولة اللبنانية في اتخاذ الإجراءات اللازمة. ثم علق قائلًا إن "التجارب أظهرت في بعض الأحيان أن العقوبات سلبية أكثر منها إيجابية". لغة حملت قليلًا من التهديد، لكنها جاءت صارمة، فـ"ما بعد 4 آب ليس كما قبله"، على حد قوله.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 "كأنها مدينة بلا سماء".. شهادات عن بيروت في لحظات الانفجار