06-أغسطس-2020

أمام مرفأ بيروت بعد الانفجار (مكسيم غريغوريف/Getty)

ألترا صوت – فريق التحرير

وصف محافظ بيروت مروان عبود ما وقع في مرفأ بيروت الرئيسي بأنه "كارثة وطنية"، مشبهًا الأمر بما شهدته اليابان في هيروشيما وناغازاكي عام 1945، قبل أن يبدأ بالبكاء أمام عدسات الصحفيين أثناء بحثه بين الأنقاض عن رجال الإطفاء المفقودين في منطقة الانفجار.

أوز قاطرجي: كارثة بيروت ليست مجرد حادثة بناء أدت إلى حدوث مآساة، بل هي قصة عن تحكم مجموعة من أمراء الحرب بالمؤسسات الرسمية في لبنان

غير أن الكاتب أوز قاطرجي يذهب في مقال نشر عبر مجلة فورين بوليسي الأمريكية، إلى أن هناك تشبيهًا ملائمًا أكثر لما حدث، واصفًا الانفجار الذي ضرب بيروت بأنه كان مشابهًا لـ"كارثة تشيرنوبل". وخلصت التحقيقات الأولية إلى أن الانفجار ليس متعمدًا أو ناجمًا عن صراع عسكري كما تقول المجلة، لكنه كان مثل الكارثة التي حصلت في الاتحاد السوفييتي في ثمانينات القرن الماضي، بسبب "عدم الكفاءة، الفساد، والإهمال"، وسط ترجيحات بأن يمتد تأثيره لما بعد حادثة الانفجار الأولى.

اقرأ/ي أيضًا: استجابة دولية لانفجار المرفأ.. قوافل المساعدات الطبية تبدأ بالوصول إلى بيروت

وكانت السلطات اللبنانية قد أعلنت بيروت مدينة منكوبة على خلفية انفجار مرفأ العاصمة الرئيسي، في الوقت الذي أعلن فيه عن ارتفاع عدد ضحايا التفجير إلى ما لا يقل عن 135 شخصًا، وإصابة ما يزيد عن 5000 آخرين بجروح، فضلًا عن وجود ما يقارب 300 ألف شخص بدون مأوى، بعدما تضررت منازلهم من شدة الانفجار، الذي تقدر الخسائر المترتبة عليه ما بين 3-5 مليار دولار أمريكي.

يشير كاتب المقال إلى أن الكارثة ستكون لها أعباء منهكة على لبنان، الذي يعاني سكانه أساسًا من صعوبة الحصول على فرص العمل لإعالة أسرهم، فقد كانت البلاد حتى ما قبل وقوع التفجيرات قد وصلت فعليًا إلى نقطة الانهيار الاقتصادي، بالإضافة إلى أزمة اللاجئين الذين فروا إلى لبنان بسبب الحرب السورية التي تدخل عامها العاشر.

مواطن لبناني أمام متجره في بيروت بعد انفجار المرفأ (مكسيم غريغوريف/Getty)

كما أعلن برنامج الأغذية العالمي أن نحو 50% من سكان لبنان يكافحون من أجل تلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية. بينما بين الأستاذ المساعد في برنامج الأمن الغذائي في الجامعة الأمريكية في بيروت مارتن كولرتس أنه "بحلول نهاية العام، سنشهد 75% من السكان يحصلون على معونات غذائية، ولكن السؤال هو ما إذا كان سيكون هناك طعام لتوزيعه".

وكان الاقتصاد اللبناني قد تأثر فعلًا بجائحة فيروس كورونا الجديد التي جاءت خلال الأزمة الاقتصادية، مما أثر على القطاع الصحي في البلاد، بالتزامن مع إعلان الحكومة اللبنانية عدم تمكنها من سداد الديون الخارجية، وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 247%.

فيما أبرز مقال قاطرجي  تخوفات من أن يصبح الوضع أكثر سوءًا بعد فقدان أطنان من مخزون القمح، المادة الغذائية الرئيسية للبنانيين، ودمار البنية التحتية لميناء بيروت الحيوي، مستعيدًا بذلك التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية اللبناني المستقيل ناصيف حتي قبل يوم واحد من وقوع الانفجار، عندما حذر في بيان استقالته من أن "لبنان ينزلق للتحول إلى دولة فاشلة". 

يوضح قاطرجي أنه رغم بعض التصريحات، ومنها تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي قفزت إلى فرضية أن يكون الإرهاب متورطًا، فإن العنف لم يكن هو السبب الذي أدى لانهيار لبنان خلال العقود الثلاثة الماضية، بل كان "الفساد". علمًا أن الرواية الرسمية تفيد بأن الانفجار ناجم عن انفجار شحنة من نترات الأمونيوم، كانت السلطات اللبنانية قد صادرتها في عام 2013، وتركت منذ ذلك الوقت مخزنة في ميناء بيروت.

يقول كاتب المقال إن 2750 طنًا من نترات الأمونيوم، وهي الكمية التي أعلنت السلطات اللبنانية عن مصادرتها، التي انفجرت في ميناء بيروت، تفوق مئات أضعاف الكمية التي استخدمها القومي الأبيض المتطرف تيموثي مك فاي (2 طن من نترات الأمونيوم) لتفجير مبنى حكومي في ولاية أوكلاهوما في عام 1995، مما أدى لمقتل 168 شخصًا وقتها.

ويضيف بصيغة استفهام هل كان إغراء المسؤولين اللبنانيين بالمال السبب وراء تخزين مواد خطيرة الانفجار في قلب العاصمة بيروت؟ بالأخص بعدما أظهرت صور عبر مواقع التواصل الاجتماعي أكياسًا تحوي على ألف كغ من نترات الأمونيوم كانت مختومة بـ Nitropril HD، والتي وصفها خبراء بأنها قد تكون علامة تجارية مزورة عن العلامة الأصلية المعروفة بـ Nitropril، ووفقًا للشركة المصنعة للمادة فإن الحد الأقصى لتخزين المادة هو 400 طن فقط.

أبرز مقال قاطرجي  تخوفات من أن يصبح الوضع أكثر سوءًا بعد فقدان أطنان من مخزون القمح، المادة الغذائية الرئيسية للبنانيين، ودمار البنية التحتية لميناء بيروت الحيوي

يشير قاطرجي إلى أن عمال الميناء لا يتحملون مسؤولية الانفجار، على الرغم من فشلهم في إجراء المعاينات الأساسية للمادة، نظرًا لأن الأشخاص الذين قاموا بتخزين المادة هم من يتحملون المسؤولية، بالإضافة للأشخاص الذي أنشؤوا نظامًا فاسدًا في لبنان. 

اقرأ/ي أيضًا: "كأنها مدينة بلا سماء".. شهادات عن بيروت في لحظات الانفجار

ويضيف لافتًا إلى تبديل أمراء الحرب خلال الحرب الأهلية اللبنانية لباسهم من العسكري إلى الأطقم الرسمية في عام 1990، وكيف انتقلوا إلى فرض سيطرتهم على مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد، مما ساهم بإفلاتهم شبه التام من العقاب، الأمر الذي جعلهم يواصلون فسادهم بشكل متزايد مرارًا وتكرارًا ما أثر سلبًا على المؤسسات الرسمية.

كما يمضي قاطرجي في المقال مذكرًا بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي عصفت باللبنانيين خلال الأعوام الخمسة الماضية، بدءًا من أزمة النفايات التي انتشرت رائحتها في أنحاء بيروت، وليس أخيرًا بارتفاع نسبة التضخم مما أوصل العائلات الفقيرة إلى حافة المجاعة، ومما ساهم بتأجيج الاحتجاجات التي خرجت تحت شعار "كلن يعني كلن" في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، لتطالب بإلغاء نظام الطائف، واستقالة الطبقة السياسية تمهيدًا لمحاكمتها.

وبعد أن صرح المسؤولين اللبنانيون، بمن فيهم مدير عام مرفأ بيروت حسن قريطم، والمدير العام لإدارة الجمارك بدري ضاهر، بأنهما حذرا من خطورة المادة المتفجرة مطالبين بنقلها من مكانها، وعقب إعلان السلطات اللبنانية وضع المسؤولين عن تخزين وحراسة المادة تحت الإقامة الجبرية، فإن السياسيين اللبنانيين وفقًا لما يرى قاطرجي سوف يستخدمون اللعبة التقليدية للسياسة اللبنانية المعاصرة "لست أنا". 

وسيقوم أمراء الحرب السابقون باتهام أي شخص بالوقوف وراء الانفجارين، دون أن يتهموا أنفسهم بذلك، ويضيف كاتب المقال متسائلًا كيف يمكن للطبقة السياسية أن تتجاوز الشعب اللبناني الذي وصل لنقطة متقدمة من الاحتجاجات، مشيرًا لظهور وسم "علقوا المشانق" عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الذي انتشر في أعقاب الانفجار الكارثي، في إشارة لمحاكمة أمراء الحرب الفاسدين.

يختم قاطرجي مقاله بالقول إن كارثة تشيرنوبل لم تكن اختبارًا لمحطة الطاقة النووية للاتحاد السوفييتي، إنما كانت بسبب عقود من الفشل السياسي والإهمال المصاحب لحقبة الاتحاد السوفييتي ما أدى لانهياره في نهاية المطاف، لكن قبل الانهيار قام الاتحاد السوفييتي بإدانة ومحاكمة مجموعة من المسؤولين المحليين بأنهم مذنبون في حصول الكارثة، فيما بقي المسؤولون الحقيقيون دون محاكمة.

وبالمثل، فإن كارثة بيروت ليست مجرد حادثة بناء أدت إلى حدوث مأساة، بل إنها قصة عن تحكم مجموعة من أمراء الحرب بالمؤسسات الرسمية في لبنان، مما أدى لإنتاج نظام محكوم بعدم الكفاءة واللامبالاة بكافة أشكالها، ومثل كارثة تشيرنوبل أيضًا، فإنه من غير المضمون أن يواجه الأشخاص المسؤولون فعليًا عن هذه الكارثة المحاكمة على جرائمهم، كما يوضح كاتب المقال. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد انفجار بيروت وتعطل المرفأ.. مخاوف على الأمن الغذائي والصحي

بيروت منكوبة: حملات عالمية على السوشال ميديا لدعم لبنان والتضامن مع بيروت