26-أغسطس-2020

طفل لاجئ من الروهينغا في بنغلاديش (Getty)

هناك أفكار شائعة تنم عن قلة معرفة لدى العديد من الناس حول مفهوم الأسرة حيث يعتبرون أن عناصر الأسرة هي ثلاث عناصر "الأم، الأب، الطفل" لكن هذه العناصر وحدها لا تكفي من منظور علم النفس الذي ينطلق في تحديده للأسرة من منظور واسع وشامل فيضيف إلى العناصر الثلاثة عنصرًا رابعًا هو "الحرارة العاطفية" بين أفراد الأسرة، إذ لا يمكن الحديث عن أسرة دون الحديث عن عنصر العلاقة العاطفية بين أفراد الأسرة الواحدة.

لا يمكن الحديث عن أسرة دون الحديث عن عنصر العلاقة العاطفية بين أفراد الأسرة الواحدة

العلاقات الأسرية جوهرية وهي من صلب تكوين الأسرة، إذ كيف يمكن الحديث عن "أسرة" إن كانت العلاقات بين أفرادها يسودها الكره والحقد والصراعات والإهمال والنبذ، فبناء علاقات سليمة تتطلب حوارًا دائمًا بين أفراد الأسرة، لا أن يكون أقطاب الأسرة منسلخون عن بعضهم البعض دون وجود أي روابط عاطفية واجتماعية وثقافية فيما بينهم تتجلى بالتكاتف والتضامن والتعاضد والحب المتبادل.

اقرأ/ي أيضًا: أطفال الشوارع في موريتانيا.. الطفولة الموءودة

ويتفاجئ العديد من الناس عند إضافة عنصر خامس إلى عناصر الأسرة ألا وهو "المنزل" لما يلعب من دور هام في عملية التربية. وبذلك نصبح أمام معادلة قوامها أن الأسرة تتألف من "الأم، الأب، الطفل،الحرارة العاطفية، المنزل" ولا يمكن الاكتفاء بالتعريفات التي تحيل الأسرة إلى جماعة اجتماعية تتكاثر في سكن واحد وتتعاون اقتصاديًا ويمارسان العلاقات الجنسية التي يقبلها المجتمع.

يضاف إلى كل ذلك الخطأ الشائع من عدم التمييز بين الزواج وبين إنشاء أسرة. فالرجل والمرأة حين يتزوجان أو يعيشان سويًا يطلق عليهما مصطلح زوجين أو شريكين، لكن لا يؤلفان أسرة لأن شرط بناء الأسرة هو وجود الطفل الذي تنبني حوله ومن أجله ولمصلحته الحياة الأسرية.

لنتخيل أن أسرة فقدت عنصرًا من عناصرها الخمسة، يصبح حينها من المتعذر أو من الصعوبة الحديث عن أسرة تؤدي دورها بشكل سليم وصحي في تربية الطفل. لنتخيل أسرة قوامها أب وأم وطفل وحرارة عاطفية لكن دون وجود منزل! أو لنتخيل أبًا وأمًا وطفلًا ومنزلًا دون وجود حرارة عاطفية! كل عنصر يفتقد من هذه المعادلة الخمسية يعني بالضرورة إنتكاسة في عملية التربية السليمة والصحية للطفل. وحتى أثناء موت أو غياب أحد الوالدين كالأم أو الأب فتصبح عملية التربية ناقصة إذ تفتقد، وفق المعايير النفسية، عنصرًا مهمًا وشرطًا جوهريًا في عملية تنشئة الطفل.

وداخل المنزل المحدد جغرافيًا وفق مساحة محددة، والمقسم وفق غرف محددة، ووفق قوانين محددة يتم وضعها من قبل الوالدين، ينشأ الطفل ويتبلور معه وعيه لذاته وللآخرين وللعالم ويكتسب تصوراته حول الحياة الإنسانية. ومن داخل هذا المنزل يستقي الأسس النفسية الأساسية لنشأته السليمة.

ومن العلاقات التي يستقي منها الطفل توازنه النفسي، حيث إنه يرى ويسمع ويحس بما يدور حوله من علاقات وهي على الشكل التالي:

- علاقة ثنائية خاصة مبنية بين الأب والطفل على حدة.

- علاقة ثنائية خاصة مبنية بين الأم والطفل.

- علاقة ثنائية خاصة مبنية بين الأب والأم ويجب أن يراها ويشعر بها الطفل ليدرك أن علاقة والديه وطيدة مما يولد لديه شعورًا بالطمأنينة، وبأن العالم بخير وبأن الأرض لن تهتز تحت أقدامه. مثال: أن يرى الطفل معاملة حسنة مليئة بالمودة بين والديه.

- علاقة ثلاثية خاصة بين الأب والأم والطفل حيث يجتمعان سويًا في كتلة واحدة: عناق ثلاثي- مشاهدة فيلم- الأكل سويًا وغيرها من الأمور.

- علاقة قوامها التعاون والحب بين الطفل وأخوته، ويلعب الأهل دورًا أساسيًا في توجيهها وتحصينها.

- علاقة بين الطفل وزملائه من الأطفال الأخرين سواء في الحي أو المدرسة تحت مراقبة وبإشراف الوالدين.

اقرأ/ي أيضًا:

بذلك يشكّل المنزل الحاضنة المادية التي يتشكل داخلها وعي الطفل بكل ما يحويه المنزل من أفراد وعلاقات، حيث هناك استحالة من قيامها دون وجود المنزل. فعند عتبة الباب ينتهي عالم الطفل، فالباب هو الممر إلى العالم الخارجي، ذلك العالم الذي لم يتهيأ الطفل بعد لمواجهته ومصارعته. وكل مرموزات الطفل الفكرة تنوجد بالضرورة داخل إطار هذا المنزل وجدرانه وغرفه وقاعاته وأدواته ومقتنياته وفروعه، حيث إن لكل جزء خاص من هذا المنزل قانونًا خاصًا يضعه الوالدين لينتظم الطفل وفق هذه القوانين: "لا تلمس الكهرباء- لا تدخل إلى الغرفة دون طرق الباب- الحمام له قواعده- التلفاز له أصول للمشاهدة- مواعيد السهر والنوم" وغيرها مئات القوانين.

ويتحرر الطفل من منزله تبعًا لنضوجه واكتسابه المناعة الكافية والاتزان النفسي والوعي لخوض غمار العالم الخارجي، لكن هذا الخروج لمواجهة العالم يأتي تدريجيًا وبمساعدة الأهل فلا يمكن لطفل عمره ست سنوات، على سبيل المثال، أن يقرر بنفسه الخروج من المنزل والرجوع إليه.

تتأتى الخطورة من كون كسر القوانين المنزلية في انعكاسها على تربية الطفل وفي تمرده على باقي القوانين الأخرى، ذلك أن التربية السليمة عملية كاملة متكاملة والنقص في مكان ما سيؤدي إلى تفسخ مجالات أخرى في هذه العملية. فالباب والمفتاح والقفل متى خرقهم الطفل سيؤدي إلى انفلات شخصيته على أصعدة أخرى. فالأبواب ترتبط بمخيلة الطفل كوسائل "للحماية والخصوصية" وتخطي هذه التصورات يؤدي إلى تحول كل ما هو ممنوع إلى مباح، والإباحة تفشل كل مساعي التربية السليمة.

يشكّل المنزل الحاضنة المادية التي يتشكل داخلها وعي الطفل بكل ما يحويه المنزل من أفراد وعلاقات

وينتج عن الفوضى في المنزل فوضى سلوكية ناتجة عن الضجة والاكتظاظ العشوائي وانعدام النظام داخل المنزل. فالمنزل الفوضوي الصاخب يصبح كالغابة بالنسبة للطفل بينما المنزل الهادئ المنظم ينعكس إيجابًا على شخصيته لناحية الإنتباه والتركيز. وبالاحتكاك مع أدوات المنزل يتعلم الطفل الحركة الميكانيكية وتطوير الذاكرة والبراعة العضلية. لكن في الوقت ذاته يجب التنبه لعدم جعل المنزل مرادفًا للحبس بالنسبة للطفل.

اقرأ/ي أيضًا: 6 علامات تدل على أن طفلك قد يكون عبقريًا!

الدلالة الكبرى التي تمثّل أهمية المنزل في التنشئة هو ما نشهده من تأثيرات نفسية سلبية على الصحة النفسية للأسرة أثناء الانتقال من منزل إلى منزل، وما يكون لهذا الانتقال من آثار القلق والتوتر وغيرها من المخاوف نتيجة الانتقال في الظروف السلمية. فكيف ما إذا جاء ذلك نتيجة نزوح أو هجرة في حالات الكوارث الطبيعية أو الحروب مما يهدد الاستقرار النفسي للطفل وللأسرة بكاملها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيفية علاج العدوانية عند الأطفال بطرق تربوية

رسومات الأطفال ودلالاتها النفسية