18-سبتمبر-2017

يعاني أطفال موريتانيا تهميشًا واسعًا (جورج غوبات/أ.ف.ب)

على أرصفة الشوارع وبين السيارات المزدحمة، في أماكن خطرة، يقف طفل صغير، يرتدي ثيابًا بالية ويحمل بيده "مسّاحة" وزجاجة، لا يبالي بالخطر ولا بحرارة الشمس، ينتظر الإشارة الحمراء التي تتوقف معها السيارات لينظف زجاج بعضها، فذلك ما لديه من دور في هذه الحياة على ما يبدو.

رغم إقرار الحكومة الموريتانية قانونًا لحماية أطفال الشوارع ومعاقبة من يشغلهم إلا أن الظاهرة زادت في الفترة الأخيرة

لا يتحدث لأحد لأنه لم يعتد أن يتحدث أحد عنه أو عن حاله، ولماذا هو مختلف عن بقية الأطفال؟ لماذا سرقوا طفولته منه وحرموه منها؟ منعوه من الالتحاق بالمدرسة وفرضوا عليه العمل  ليكسبوا من طفولته وصغر سنه. هم يأخذون كل شيء فيما بعد بينما هو يداوم طوال اليوم ليعود بالمحصول لمن أرسلوه. إنها قصة تشغيل الأطفال في معظم البلدان ومنها موريتانيا، أين الحال لا يختلف كثيرًا.

اقرأ/ي أيضًا: المغرب.. أطفال يُنتهكون في مهن الكبار

المشهد يومي ومتكرر للعشرات من الأطفال، يملؤون الشوارع بين متسول، فيما يطلق عليه بالعامية "ألمودات"، وبين عامل مجبر على العمل وإلا ناله عقاب المتحكمين في مصير حياته. وعلى الرغم من إقرار الحكومة الموريتانية في آذار/ مارس الماضي قانونًا لحماية أطفال الشوارع ومعاقبة من يشغلون الأطفال لحسابهم الخاص إلا أن الظاهرة ازدادت في الفترة الأخيرة وانتشرت.

حيث حذرت منظمات المجتمع المدني بموريتانيا من أن ربع أطفال البلاد مهددون بالعمل في سن مبكرة وأكدت ذات المنظمات أن عدد الأطفال الذين يتم تشغيلهم زاد بشكل مقلق حيث قدر بحوالي 2250 سنة 2016 حسب رابطة معيلات الأسرة  ليرتفع لما يقارب 5000 طفل.

"نحن نشغل أطفالنا لنستفيد منهم وليتعودوا على مواجهة صعوبات الحياة، أن يعمل خير من أن يذهب للدراسة ولا يجلب لنا أي نفع.. الفقر يجبرك على كل شيء"، هكذا ردت خديجة بنت محمد، ابنة الثلاثين، على سؤال "الترا صوت"، وهي تجر أبناءها الثلاثة خلفها والذين فرضت عليهم العمل.

من جانب آخر، الباحثة في الشؤون الاجتماعية ليلى محمد الأمين تحدثت لـ"الترا صوت" عن أسباب انتشار ظاهرة تشغيل الأطفال حسب رأيها، وقالت: إن "الظاهرة قد تقضي على أجيال بأكملها من الأطفال وأن لها أسبابًا متعددة من بينها الفقر وعدم مراعاة الحكومة الموريتانية لوضع الأسر الاجتماعي مما يجعلها تضحي بأطفالها، كما أن التعليم لا يحظى بتلك المكانة التي يحظى بها في بقية الدول العربية بسبب ارتفاع نسبة الأمية إضافة إلى غياب دور كافية لرعاية الأطفال وهي لا تتلقى دعمًا من الدولة".

اقرأ/ي أيضًا: العراق.. أطفال في مهن القسوة والعنف

حذرت منظمات المجتمع المدني بموريتانيا من أن ربع أطفال البلاد مهددون بالعمل في سن مبكرة

ووجب التمييز بين الأطفال المتواجدين في شوارع موريتانيا، فهناك الأيتام الذين لا أسر تعولهم وهناك الفقراء جدًا والمطحونون، وهناك في جانب ثان شيوخ يستخدمون تلاميذهم للتسول ويعاقبونهم في حال لم يأتوا بالمال وتلك ظاهرة فريدة في المجتمع الموريتاني وقد هزت المجتمع قبل فترة، حين أعدت منظمة دولية تقريرًا سنة 2016 صنفت فيه موريتانيا ضمن الدول المتاجرة بالبشر وأشارت في تقريرها إلى "استخدام الأطفال كبضاعة لجني الأموال".

"هذه حياتنا التي اعتدنا عليها أنا ورفاقي، نقف يوميًا على ناصية هذا الشارع ونحمل كيسًا لجمع بعض المساعدات من الأموال"، هكذا أخبرنا مامدو وهو يطلب بعض المال. سألناه "لماذا لست في المدرسة؟"، وكانت الإجابة لـ"الترا صوت" بتردد: "نحن نخشى بطش سيدنا إذا لم نأت بالمال.. ولديه سوط كبير ومؤلم لا نحب أن نجربه".

فارقنا مامادو ونحن نتساءل عن واقع ومستقبل هؤلاء الصغار الأبرياء، الذين لا تجد الدولة حلاً لوضعهم سوى بعض من القوانين غير المفعلة على أرض الواقع.

اقرأ/ي أيضًا:

"سرّيحة" القاهرة.. البحث عن الرزق في إشارات المرور

مصر.. اختطاف الأطفال كابوس مستمر