تفاصيل جديدة ومفصلة، يكشفها تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، عن شركة فاغنر للمرتزقة الروس المقاتلين في سوريا، والذين كادوا أن يتسببوا في اندلاع حربٍ لا يُحمد عقباها بين روسيا الولايات المتحدة الأمريكية. في السطور التالية ننقل لكم التقرير مترجمًا بتصرف.


وقعت إحدى أكثر الحلقات تعقيدًا في حرب سوريا المتواصلة، في ليلة السابع من شهر شباط/فبراير الماضي، ففي تلك الحادثة، شن مئات المقاتلين الموالين للنظام السوري هجومًا على القوات الأمريكية وحلفائها بالقرب من مدينة دير الزور. ورد الأمريكيون بهجوم مضادٍ مدمرٍ، قالت الولايات المتحدة إنه خلّّف نحو 100 قتيل.

كشفت تقارير عن واحدة من أعنف الاشتباكات في سوريا، بين روسيا وأمريكا منذ الحرب الباردة، وقفت وراءها عناصر تابعة لشركة مرتزقة روسية

وسرعان ما ازداد الوضع تعقيدًا بسبب التقارير التي تفيد بأن المرتزقة الروس قد شاركوا في الهجوم، وأنهم كانوا من بين القتلى، ما يجعل تلك الحادثة بمثابة أشد الاشتباكات بين الولايات المتحدة وروسيا منذ انتهاء الحرب الباردة.

اقرأ/ي أيضًا: المرتزقة الروس.. سلاح بوتين السري لإدارة الصراع في سوريا

وشركة المرتزقة تلك تسمى "فاغنر"، وقد ارتبطت برجل الأعمال الروسي الثري "يفغيني بريغوجين"، وهو أحد الأوليغارك الروس، وقد اتُهم مؤخرًا من جانب المحقق الأمريكي الخاص روبرت مولر، بضلوعه في محاولة التدخل الروسي بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، والتي فاز فيها دونالد ترامب.

الأدهى أن تقارير المخابرات الأمريكية تشير إلى أن بريغوجين كان على اتصال بكلٍ من الكرملين والمسؤولين السوريين قبل فترة وجيزة من الهجوم وبعده. ويثير الوضع تساؤلات كبيرة حول الدور الذي تلعبه شركة المرتزقة الروسية، أو بالأحرى شركة "المرتزقة الزائفة" في الحرب السورية، وفقًا للخبير العسكري الروسي مارك جاليوتي.

1. متى أنشئت شركة فاغنر؟

حظيت شركة فاغنر باهتمام كبير للمرة الأولى بعد العمليات التي قامت بها في أوكرانيا، عام 2014، حيث أفادت التقارير بأن المرتزقة التابعين للشركة، ومعظمهم من قدامى المحاربين العسكريين والمتمردين، قاتلوا إلى جانب الانفصاليين المدعومين من روسيا في الجزء الشرقي من البلاد. ويعتقد أن المجموعة كانت تحت قيادة ديمتري أوتكين، الذي كان يعمل حتى عام 2013 في وكالة الاستخبارات العسكرية الأجنبية الروسية، المعروفة باسم "مديرية المخابرات الرئيسية".

وأفادت التقارير أنه بعد مغادرة الخدمة العسكرية الرسمية، عمل أوتكين مع شركة الأمن الخاصة "مجموعة موران الأمنية العالمية" ومع شركة "الفيلق السلافي"، وهي شركة مرتزقة روس تعمل في سوريا منذ 2013. 

ووفقًا لتحقيق أجرته صحيفة "فونتانكا" الإلكترونية الروسية المستقلة، فإن مؤسس شركة فاغنر هو أحد المتعاطفين مع النازية. وذكرت وسائل الإعلام الروسية أن أوتكين أطلق ذلك الاسم على مجموعته استلهامًا لاسم مؤلف الموسيقى والكاتب المسرحي الألماني، ريتشارد فاغنر، الذي استأثر هتلر بأعماله. وقد فرضت عليه وزارة الخزانة الأمريكية، في وقت لاحق، عقوبات بسبب تورطه في أوكرانيا.

وفي عام 2015، بعد تدخل الجيش الروسي لدعم الرئيس السوري بشار الأسد، بدأت شركة فاغنر بإرسال قوات إلى سوريا. واعتبارًا من شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 2015، بعد شهر واحد فقط من بدء الضربات الجوية الروسية، أفيد بأن مواطنين الروس قد لقوا مصرعهم وهم يقاتلون إلى جانب القوات الموالية للنظام السوري. وأشارت التقارير اللاحقة إلى إمكانية نشر المرتزقة التابعين لشركة فاغنر في السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى. 

وفي تشرين الأول/أكتوبر 2017، قالت وكالة أنباء رويترز، إن ما لا يقل عن 131 روسيًا قتلوا في سوريا، بالاستناد إلى وثيقة شهادة وفاة رسمية صادرة عن القنصلية الروسية في دمشق. 

وثيقة صادرة عن القنصلية الروسية بدمشق، تثبت مقتل ما لا يقل عن 131 روسيًا في سوريا
وثيقة صادرة عن القنصلية الروسية بدمشق، تثبت مقتل ما لا يقل عن 131 روسيًا في سوريا

2. ما هي علاقة بريغوجين بشركة فاغنر؟

سطع نجم بريغوجين وهو أحد الأوليجارك الروس، أولًا باعتباره صاحب مطعم، فقد كان يلقب بأنه "طباخ بوتين". وقد شهدت حياته تطورًا ملحوظًا، وأخذت مسارًا غير محتمل بدايةً من السجن، حيث قضى تسع سنوات بتهم تتعلق بالسرقة والبغاء، ليصبح بعد ذلك رجل أعمال تربطه علاقات وثيقة بالكرملين.

وقد ذاع صيته الآن بصفته الرجل الذي على استعداد للقيام بالمهام القذرة لصالح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفي الأسبوع الماضي، ورد في لائحة اتهام أمريكية تركز على شركة "أبحاث الإنترنت"، وهي شركة تتخذ من مدينة سانت بطرسبرغ مقرًا لها، ويزعم أنها استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي للتدخل في السياسة الأمريكية بما في ذلك الانتخابات الرئاسية لعام 2016.

وجاء في لائحة الاتهام أن بريغوجين أنفق من خلال شركة خدمات المطاعم "كونكورد" التابعة له، والتي كانت تنظم حفلات الاستقبال في الكرملين، "أموالًا طائلة" على هذا المشروع، وأن بريغوجين حضر جلسات إحاطة منتظمة حول عمله.

وفقًا لخبير عسكري روسي، فإن المرتزقة الروس أرسلوا إلى سوريا باعتبارهم يعملون لصالح الحكومة مباشرة وليس لصالح شركة وهمية

وتؤكد مصادر استخباراتية أمريكية، أن بريغوجين يسيطر على مرتزقة شركة فاغنر الذين يقاتلون في سوريا. ويجدر الإشارة إلى أن صحيفة "RBC" الروسية اليومية، أفادت العام الماضي بأن أوتكين يبدو أنه قد أُدرج بصفته المدير العام لإحدى شركات خدمات المطاعم التي يملكها بريغوجين.

3. ما الدور الذي تلعبه شركة فاغنر في سوريا؟

في البداية، كان يُعتقد أن مرتزقة شركة فاغنر يشاركون في تأمين القواعد الروسية وغيرها من المنشآت العسكرية في سوريا. غير أنه مع استمرار الحرب، لعبوا دورًا أكثر فاعليةً في القتال لاستعادة مدينة تدمر التاريخية، بين عامي 2016 و2017.

اقرأ/ي أيضًا: كيف صنعت روسيا طبخة الموت في سوريا اليوم؟

وربما يكون جزءٌ من الدور الذي يلعبه مرتزقة فاغنر، تجاري بحت، فقد ذكرت وكالة أنباء أسوشيتد برس في أواخر العام الماضي، أن شركة نفط تابعة للنظام السوري، قدمت لشركة فاغنر الوهمية، حصة من أرباح مصافي النفط المُحررة من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

ووفقا لما ذكرته صحيفة "فونتانكا" الروسية، فإن عدد قوات شركة فاغنر في البلاد قد يصل إلى ثلاثة آلاف مقاتل، كما أفادت أيضًا أن 73 شخصًا لقوا مصرعهم في سوريا، وهو تقدير متحفظ بحسب مجموعات المراقبة الأخرى. وقد اعترفت الحكومة الروسية بأن "عشرات" من الروس قُتلوا أو أصيبوا في الهجوم الأمريكي المضاد الذي وقع في يومي السابع والثامن من شهر شباط/فبراير الماضي.

4. هل هي شركة خاصة أم جزء من الجيش الروسي؟

وفقًا لبريد إلكتروني أرسله جاليوتي، تضفي روابط شركة فاغنر الغامضة بالحكومة عليها طابعًا فريدًا من نوعه. وأضاف: "استخدمت روسيا في الكثير من الأحيان المأجورين والمرتزقة، سواء من دول قوقازية تابعة لروسيا، أو متمردين شيشانيين غيروا انتماءاتهم"، مُوضحًا: "لكنهم (المرتزقة) عملوا لصالح الدولة مباشرة، وليس بصفتهم عملاء لشركة وهمية".

رغم ذلك، ورغم أن بوتين أبدى تأييدًا لفكرة شركات المرتزقة الخاصة، إلا أنّ هذه المشاريع لا تزال غير قانونية بموجب القانون الروسي، فقد أفيد بأنه، عندما عادت شركة "الفيلق السلافي" إلى روسيا من سوريا في عام 2013، اعتُقل بعضٌ من أعضائها.

ولكن يُمكن أن تخدم الشركات العسكرية الخاصة مثل شركة فاغنر غرضًا رئيسيًا لروسيا، إذ يحرص الكرملين على تجنب الخسائر الرسمية في سوريا كتلك التي تكبدتها روسيا خلال الحروب الدامية التي لا تحظى بشعبية، ولا سيما في الشيشان والغزو السوفيتي واحتلال أفغانستان. وكما شهدت موسكو خلال الصراع في أوكرانيا، يُمكن عن طريق استخدام المتعاقدين العسكريين من القطاع الخاص أن يمنحها ذلك قدرًا من الإنكار الظاهري عندما يتعلق الأمر بالصراعات الدولية المثيرة للجدل.

وقد احتضنت الحكومة الروسية بهدوء، حلفائها من المرتزقة في بعض الأحيان، والتقطت صورة فوتوغرافية لأوتكين وهو يتلقى جائزة من بوتين في عام 2016. ووفقًا لما ذكرته أجهزة الاستخبارات الأمريكية، فقد أخبر بريغوجين المسؤولين السوريين، بأنه "حصل على تصريح" من وزير روسي لم يحدده، لشن الهجوم الذي وقع في السابع من شهر شباط/فبراير.

ومع ذلك، ليس من الواضح إلى أي مدى تدير موسكو مهام شركة فاغنر بشكل مباشر، أو ما إذا كانت تتغاضى عنها دائمًا. ويعتقد يوري بارمين، الخبير في السياسة الخارجية الروسية بالشرق الأوسط، عبر تغريدة على موقع تويتر، أن عدم وجود دعم عسكري روسي لشركة فاغنر خلال الهجوم الأمريكي المضاد، يُمكن أن يوحي بوجود انقسام بين وزارة الدفاع الروسية ومجموعات المرتزقة.

5. ماذا يحدث لها الآن؟

قال ألكسي خلبنيكوف، مستشار المخاطر السياسية وخبير في شؤون الشرق الأوسط بمجلس الشؤون الدولية الروسي، إن شركة فاغنر تُمثل "سيفًا ذو حدين" بالنسبة لموسكو، موضحًا: "على الرغم من أنه من الواضح استعمالها للأغراض التكتيكية، فإنها تُعرض روسيا أيضًا للخطر".

وتتمثل المشكلة الكبيرة في أنه رغم المحاولات الرامية إلى الحفاظ على هدوء أنشطة شركة فاغنر في سوريا، فإن التفاصيل قد تسربت بطريقة أو بأخرى. على سبيل المثال، أصدر داعش في العام الماضي مقطع فيديو لمن قال إنهم مقاتلين روس تم أسرهم، واكتُشف في وقت لاحق أنهم من مرتزقة فاغنر.

وقد أسفر مقتل المرتزقة الروس على أيدي القوات الأمريكية عن المزيد من الحزن، فضلًا عن الغضب الناجم نتيجة لعدم اعتراف الحكومة الروسية بتضحياتهم.

ونقلت أسوشيتد برس عن فارخانور جافريلوفا وهي والدة أحد المرتزقة القتلى من شركة فاغنر، قولها إن "الحكومة الروسية ترسل هؤلاء، وبذلك تكون مسؤولة عن أفعالهم. فهم يرسلون القوات ذهابًا وإيابًا، ولكن في الواقع لا يزال بعض الروس هناك"، منتقدة أن "تلك العمليات سرية تمامًا".

يفضل نصف الروس إنهاء بلادهم لعملياتها العسكرية في سوريا، ويرى 32% منهم أن سوريا ستتحول إلى أفغانستان جديدة بالنسبة لروسيا

وقد يقوض رد الفعل هذا الدعم الشعبي للتدخل في سوريا، إذ إن استطلاع للرأي أُجري في العام الماضي أظهر أن ما يقرب من نصف الروس يعتقدون أن بلادهم يجب أن تُنهي عملياتها في سوريا، بينما يعتقد 32% منهم أن الحرب في سوريا ستتحول في نهاية المطاف إلى "أفغانستان جديدة" لروسيا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الفيلق الخامس اقتحام.. روسيا تزج برجال الأسد في المحرقة

كيف تحولت مكاسب روسيا في سوريا وأوكرانيا لخسائر