"هناك أشخاص حكم عليهم بالسجن، وآخرون لم يجدوا عملًا أو لا يملكون المال في وطنهم، ومنهم من كان متطوعًا سابقًا جاء للتدريب العسكري في مدينة روستوف الروسية"، هكذا وصف أحد المرتزقة الروس الأسباب التي دفعته وغيره للسفر إلى سوريا، للقتال إلى جانب قوات رئيس النظام السوري بشار الأسد، بحسب ما ورد في تقرير نشرته صحيفة ديلي ميل البريطانية.
اتضح أن روسيا تعتمد في حربها بسوريا على مرتزقة روس غير نظاميين ولا ترد أسماؤهم في قوائم وزارة الدفاع الروسية
آلاف الروس متعاقدون مع شركات خاصة للقتال في سوريا
وبُعيد إعلان روسيا تدخلها العسكري بشكل رسمي في سوريا نهاية أيلول/سبتمبر 2015، نُشرت عشرات التقارير التي تحدثت عن اعتماد موسكو على آلاف المقاتلين المرتزقة لإدارة جبهات القتال في مختلف المناطق السورية. وتضمنت التقارير شهادات لأشخاص خاضوا معاركًا ضد مقاتلي المعارضة، أو عوائل مقاتلين قُتل أبناؤهم خلال الاشتباكات، رغم أن موسكو تنفي بشكل مستمر وجود أي من المقاتلين المرتزقة الذين يقاتلون في الشرق الأوسط لحماية مصالح بوتين في المنطقة.
اقرأ/ي أيضًا: شبيحة الأسد.. تعرف على أبرز المليشيات الأجنبية المقاتلة مع النظام السوري (3-3)
ونقلت واشنطن بوست، ما كشفته وكالة أسوشيتد برس منتصف هذا الأسبوع، أن معظم المقاتلين المرتزقة الذي يقتلون في سوريا، لا ترد أسماؤهم في قوائم وزارة الدفاع الروسية، مستندًة في ذلك إلى عدم ورود اسم الروسي إيفان سليشكين الذي قُتل في سوريا دون أن يرد اسمه في أي من القوائم المرتبطة بذلك.
ويرتبط اسم المرتزقة الروس المقاتلين في سوريا غالبًا بشركة فاغنر التي توازي في عملها شركة بلاك ووتر الأمريكية التي تتعاقد الإمارات مع مرتزقيها لتنفيذ عملياتها العسكرية في اليمن. وعلى الرغم من عدم وجود إحصائية واضحة تحدد حجم المرتزقة الروس المتواجدين في سوريا، فإن أسوشيتد برس تقول إن قرابة ثلاثة آلاف من مرتزقة فاغنر يقاتلون في سوريا. كما أشار التحقيق أن فرقة واحدة يجري إرسالها في وقت محدد تضم حوالي 1500 مرتزق.
قطع الرأس مقابل 17 دولارًا أمريكيًا!
وذكر تقرير ديلي ميل، أن المرتزقة الروس ارتطبوا بفظائع أثناء قتالهم في سوريا، وغالبًا تكون في المناطق التي تشهد تواجدًا لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والتي غالبًا بدورها ما تكون مناطق انتشار حقول النفط والغاز الطبيعي.
ووفق أحد المتحدثين في التحقيق، ويدعى سيرغي، فإن المرتزقة يحصلون على مكافأة تقدّر بـ17 دولارًا أمريكيًا مقابل إحضار رأس مقاتل من داعش بعد قتله في الاشتباكات، حيث إنهم يُفضلون قطع الرؤوس على سحب الجثث في الصحراء. فيما تحصل عائلات المرتزقة الذين قُتلوا في سوريا على تعويض مالي يصل إلى 52 ألف دولار أمريكي.
إضافة لذلك، تحدث المرتزِق في التقرير عن أنه يمكنهم شراء زوجة عذراء من عائلتها بمبلغ 100 دولار أمريكي، وفي حال قرر بقاءها معه للأبد، يتراوح سعرها من ألف ونصف إلى ألفي دولار أمريكي، فيما يتقاضى المُرتزِق نفسه راتبًا شهريًا يصل لـ2600 دولار أمريكي. يقول المرتزِق: "لا نحصل على أي جوائز. هدف رحلتنا هو الراتب، لا الوطنية".
ورغم كل التقارير التي أكّدت تواجد المرتزقة الروس في سوريا، إلا أنّ موسكو لطالما نفت ما ورد في مضمونها. ومطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بثت وكالة أعماق، الذراع الإعلامي لتنظيم داعش، مقطعًا مصورًا يتحدث خلاله جنديان روسيان، يُسميان: زابالوتني رومان، وتسوركانوف غريغوري. كان عناصر التنظيم قد أوقعوهما في الأسر أثناء المعارك التي كانت دائرة بريف دير الزور. وأفادت تقارير صحفية لاحقًا بأن التنظيم قام بقتلهما.
ما حقيقة عدد القتلى الروس في سوريا؟
وحاولت موسكو منذ إرسال قواتها إلى سوريا، التستر على حجم خسائرها البشرية. لكن وكالة رويترز قالت في تشرين الأول/أوكتوبر الماضي، إن ما لا يقل عن 131 "مدنيًا" روسيًا قتلوا في سوريا، وذلك بالاستناد لوثيقة شهادة وفاة رسمية صادرة عن القنصلية الروسية في دمشق، اطلعت عليها رويترز. وتكشف هذه الوثيقة أيضًا أن من بين هؤلاء القتلى عسكريين متقاعدين.
وقبل أيام، نشر موقع روسيا اليوم إحصائية تقول إن عدد قتلى الجنود الروس في سوريا بلغ 39 جنديًا، وذلك بعد ساعات من إصدار بوتين الأوامر بسحب القوات الروسية إلى ما اسماه "نقاط مرابطتها الدائمة". ويلاحَظ وجود فارق كبير بحجم الخسائر البشرية بين الوكالتين الإخباريتين. ولطالما أنكرت روسيا إيفادها متعاقدين عسكريين إلى سوريا. كما لطالما روّجت روسيا اليوم للادعاءات الروسية المُضللة.
يتقاضى المُرتزِق الروسي الواحد شهريًا نحو 2600 دولار أمريكي، ويُكافأ على قطعه رأس داعشي بـ75 دولار
وتنهج موسكو نهجًا حذرًا في تجنيدها المرتزقة الذين يقاتلون مقابل المال لصالحها في المناطق التي تسعى لتوسيع نفوذها فيها، إذ يمنع القانون الروسي عقود العمل المصنفة كـ"عسكري خاص" في دول أخرى. لكنها في عام 2014 قامت بإرسال أعدادًا كبيرة من المقاتلين الخاصين إلى أوكرانيا لدعم الانفصاليين، ونفى الكرملين ذلك زاعمًا أن المقاتلين تطوعوا من تلقاء أنفسهم بالذهاب إلى الدولة المحاذية لروسيا.
اقرأ/ي أيضًا: المرتزقة الجدد.. الجيوش الخاصة والنظام العالمي
وبحسب سيرغي، المتحدث بتقرير ديلي ميل، فإن لدى روسيا جيشين من المرتزقة، الأول يعمل تحت اسم شركة فاغنر، أما الثاني فهو يتبع لشركة توران، ولا تربط الشركتين أية علاقة رسمية مع المؤسسة العسكرية الروسية، لكنهما يقاتلان لصالح بوتين في سوريا. ويقول سيرغي إن العقود تتضمن بندًا يفرض عليهم عدم الحديث عن عملهم، أو الأماكن التي يتواجدون بها.
وفي حادثة قلّما تتمكن وسائل الإعلام من الحصول على وثائق تثبت وقوعها، ذكرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية أن واحدة من مجموعات المرتزقة "الغامضة" تُعرف باسم "الفيلق السلافي"، أُرسلت من هونغ كونغ إلى سوريا، جرى اعتقال أفرادها حين عادوا إلى روسيا بسبب "انتهاكهم قوانين ضد خدمة المرتزقة". وجاءت أسباب عودتهم بسبب عدم تلقيهم المعدات الحربية التي كانوا وعدوا بها، ومقتل عدد من الأعضاء في المعارك الدائرة.
لماذا استعان بوتين بالمرتزقة؟
وبحسب المجلة الأمريكية فإن مجموعات المرتزقة لعبت دورًا حاسمًا في السيطرة على مدينة تدمر وحقول الغاز الطبيعي المحيطة بالمدينة في ريف حمص الشرقي من قبضة تنظيم داعش. ولإضفاء مسحة من الشرعية على تواجد المرتزقة الروس في سوريا، صدر في تشرين الأول/أكتوبر الماضي مرسومًا يُجيز للأجانب خدمة ما أطلق عليه "بعثات مكافحة الإرهاب وبعثات حفظ السلام"، دون أن يصادق عليه البرلمان الروسي.
ووفقًا لفورين بوليسي، يرى ألكسي خلبنيكوف المحلل لدى مجلس الشؤون الدولية الروسي، أن اعتماد بوتين على المرتزقة في حروبه الخارجية مثل سوريا وأوكرانيا، يساعده على تخفيف أصوات المعارضة الداخلية، كما أنها تمهد الطريق لعملية اندماجهم ضمن الجيش الروسي.
وكان بوتين قد أعلن قبل أيام عزمه الترشح عام 2018 للانتخابات الرئاسية في روسيا، وقد يساعده عدم وجود إحصائية رسمية على عدد القتلى الروس في سوريا بتجنب الأصوات المعارضة، كون كافة المرتزقة الروس الذي يقاتلون في سوريا يشاركون في عمليات عسكرية غير معترف بها من الحكومة الروسية بشكل رسمي رغم أنها تتم بالتنسيق مع الضباط الروس المتواجدين على الأرض.
ويتولى المرتزقة الروس إلى جانب العمليات القتالية، مهامًا أخرى من بينها حماية حقول النفط والغاز الطبيعي المستعادة من قبضة داعش. وقالت أسوشيتد برس إنها حصلت على عقد مكون من 48 صفحة بين شركة إيفرو بوليس -التي تتخذها فاغنز غطاءً لأعمالها غير الشرعية- والمؤسسة العامة للنفط التابعة للنظام السوري ينص على أن الشركة الروسية ستحصل على 25% من عائدات إنتاج حقول النفط والغاز المستعادة من داعش.
إلى جانب القتال، يتولى المرتزقة الروس مهام أخرى كحماية حقول النفط والغاز الطبيعي التي سيطرت عليها القوات الروسية من يد داعش
ويكشف حجم المعلومات التي أظهرتها التقارير السابقة، فضلًا عن تقارير أخرى أن مقاطع الفيديو التي تظهر إرسال مقاتلين من الجيش الروسي إلى سوريا كانت مجرد تضليل للرأي العام الدولي في مقابل العدد الكبير من المرتزقة الذين تعتمد عليهم موسكو في حروبها الخارجية دون أن تسمح بمعرفة العدد الحقيقي لهم، والذي يقدر بالآلاف، لكنهم بشكل أو بآخر ساعدوا بوتين على تحقيق ما كان يرمي إليه حين استلم مقاليد السلطة 1999 بإعادة روسيا إلى الساحة الدولية كقوةٍ مركزية تحرك العبث بالملفات الدولية إلى طرفها.
اقرأ/ي أيضًا:
روسيا تقتل القتيل وتمشي في جنازته
هل يعيد داعش بناء نفسه بعد إعلان روسيا "المضلل" الانسحاب من سوريا؟