26-أكتوبر-2016

التاريخ المتشابك بين روسيا وأوكرانيا لا يمكن إعادته فيما يتعلق بعلاقة روسيا مع سوريا (بولنت كيليك/أ.ف.ب)

من منظور أبراج الكرملين المبنية من الطوب الأحمر، تبدو كل من سوريا وأوكرانيا شديدتي الاختلاف.

في مقالٍ له بمجلة ناشيونال إنترست، يرصد ميكولا مرسكيج، زميل برنامج بلفر للشؤون الدولية والعالمية بمدرسة كيندي بجامعة هارفارد ومدير المشاريع بإحدى منظمات المجتمع المدني بأوكرانيا، الفروق التي تميز الصراعين السوري والأوكراني. لكن مع استمرار الحرب في كلا البلدين، يتابع مرسكيج، "يصبح البعض في الغرب معتادين على الجمع بين التدخل الروسي في البلدين باعتبارهما شيئًا واحدًا، ففي التحليل النهائي، تبحث روسيا عن مجال نفوذ يضم كلا البلدين. لكن خطوات روسيا ودوافعها في كلا البلدين مختلفة تمامًا، والخلط بينهما يخاطر بعرقلة الحلول الممكنة.

التاريخ المتشابك بين روسيا وأوكرانيا، لا يمكن إعادته فيما يتعلق بعلاقة روسيا مع سوريا، ودوافعها في كلا البلدين مختلفة تمامًا

اقرأ/ي أيضًا: حلب بانتظار ملحمتها..أوان الحسم؟

يرى مركسيج أن روسيا غذت صراعًا في منطقة الدونباس وضمت القرم باعتبارها مسألة مبدأ: يعتقد الكرملين أن أوكرانيا تنتمي عن حق إلى مجال نفوذه. أوكرانيا، من ناحيتها، ترى طموحاتها الأوروبية كجزءٍ من زحفها البطيء من تحت نير مضطهدها الاستعماري.

هيمنت روسيا سياسيًا على أوكرانيا منذ أوائل القرن الثامن عشر، مع انقطاعٍ وجيز لتلك الأمنية عقب الحرب العالمية الأولى. لثلاثمائة عام، عمل القادة السياسيون والثقافيون للبلدين في كلا الفضائين. كان ليونيد بريجنيف أوكرانيًا. في كييف الحالية، من الصعب أن تجد برنامجًا تليفزيونيًا أو إذاعيًا لا يبدل فيه المتحدثون اللغة باستمرار بين الأوكرانية والروسية، أحيانًا في منتصف الجملة. لذا فإن الرئيس فلاديمير بوتين يجد صعوبة في تصور أن بلدًا شديد الشبه ببلاده قد يفضل مستقبلًا أوروبيًا.

القرم تحديدًا قريبة من قلوب العديد من الروس، يضيف مركسيج. عندما كانت لا تزال جزءًا من الجمهورية الروسية السوفيتية الاشتراكية، رحّل جوزيف ستالين جميع السكان الأصليين لشبه الجزيرة المسلمين السنة البالغ عددهم 230,000، وهم تتار القرم، من أجل إفساح مجال للمستوطنين الروس.

إحياءً للذكرى الثلاثمائة لضم روسيا لأوكرانيا، نقل نيكيتا خروتشوف تبعية شبه جزيرة القرم من الجمهورية الروسية السوفيتية الاشتراكية إلى الجمهورية الأوكرانية السوفيتية الاشتراكية. بعد الاستقلال، عاد الكثير من تتار القرم وتم منحهم حق الحكم الذاتي من قِبل كييف. تغير كل ذلك بعد ضم روسيا لشبه الجزيرة في آذار/مارس 2014. بعد عامين من الاضطهاد المتصاعد لتتار القرم، أعلنت السلطات الروسية في نيسان/أبريل الماضي مجلس التتار، أو البرلمان، منظمةً متطرفة. لكن الروس يشعرون أن ضم القرم يصحح خطأ خروتشوف، وأصبح "القرم لنا" شعارًا حاشدًا من نوفوجرود إلى فلاديفوستوك.

بعد "الثورات الملونة" في جورجيا وأوكرانيا والإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، يرى الكرملين أن أمريكا هي سبب خسارته لأصدقائه 

اقرأ/ي أيضًا: بسبب سوريا..روسيا تقوم بأكبر عملية انتشار بحري منذ عقود

ذلك التاريخ المتشابك لا يمكن إعادته فيما يتعلق بعلاقة روسيا مع سوريا، يتابع مركسيج. أقام القيصر ألكسندر الثالث علاقاتٍ دبلوماسية مع سوريا العثمانية عام 1893، لكن روسيا لم تلعب دورًا كبيرًا في المنطقة حتى بداية الحرب الباردة. فقط في عام 1971، سمح حافظ الأسد للاتحاد السوفيتي بإنشاء مركز إمداد بحري على البحر المتوسط. قال الكرملين مرارًا إن أولويته الرئيسية هي منع وصول ما يراه حكومة تضعها الولايات المتحدة إلى حكم دولة أخرى، وأنه ليس لديه ارتباط خاص بعائلة الأسد.

بعد "الثورات الملونة" في جورجيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، يرى الكرملين أن الولايات المتحدة هي سبب خسارته لأصدقائه في المنطقة. لن يسمح الكرملين بالتأكيد بأن تصبح دولة أخرى تحت النفوذ الأمريكي. ربما الأكثر أهمية بالنسبة إلى الكرملين هو أن تدخل روسيا قد جلب لها مقعدًا على الطاولة، إلى جانب الولايات المتحدة، كطرفٍ وسيط في الصراع، رغم أن دورها في أزمة حلب يهدد بعزلها مجددًا. رغم ذلك، من الواضح أن الحملة في سوريا تقوم على مصلحة براجماتية، لا شرفًا تاريخيًا، حسبما يرى مركسيج.

أخيرًا فإن الفارق الأبرز بين الصراعين هو التفاوت في الحجم. حصدت الحرب الأهلية السورية أرواح ما يربو على أربعمائة ألف شخص، وتسببت في وجود حوالي 11 مليون مهاجر ونازح داخليًا، وأفسحت المجال لنمو "داعش". حصدت الحرب في أوكرانيا أرواح ما بين 10 إلى 15 ألف شخص وتسببت في نزوح 1.5 مليون شخص داخل أوكرانيا.

ودون الدعم الروسي العسكري واللوجيستي لجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين، يتابع مرسكيج، كانت الحرب في أوكرانيا لتنتهي في أب/أغسطس 2014، ثم مجددًا في شباط/فبراير 2015. بالمثل، إن لم تكن روسيا قد بدأت حملتها الجوية المكثفة في أيلول/سبتمبر 2015، كان يمكن أن يكون الرئيس الأسد مطاحًا به بحلول الوقت الحالي.

يختتم مركسيج قائلًا إن مشاركة روسيا هي شرط ضروري لاستمرار كلا الحربين، لكن حيث إن الدوافع خلف تلك المشاركة مختلفة، فإن المجتمع الدولي بحاجة إلى وضع استراتيجياتٍ لمواجهة كلا التجسيدين للتوسعية الروسية. زيادة العقوبات فقط لن تخرجنا من ذلك الوضع.

اقرأ/ي أيضًا:

كيف سيتعامل مرشحو الرئاسة الأمريكية مع سوريا

 لماذا ترامب هو مرشح الأحلام لداعش؟