23-مايو-2020

ترتبط مؤسسة مؤمنون بلا حدود بسيرة مثيرة للجدل (تويتر)

طوال الأسابيع السابقة والصحف، الدولية منها والمغربية، تتوارد الأخبار عن توتر دبلوماسي حاصلٍ بين المغرب والإمارات العربية المتحدة، وهو توتر يعيده محللون إلى اختلاف الرؤى بين البلدين حولَ عدد من القضايا الجيوسياسية، بينما تلافت حكومة البلدين الإفصاحَ جهرًا بما يجري. في خضم هذا المناخ المشحون، أعلنت بشكلٍ مفاجئ مؤسسة "مؤمنون بلا حدود"، المثيرة للجدل والمدعومة إماراتيًا والتي تتخذ من المغرب مقرًا لها، تجميد أنشطتها بالمملكة، الأمر الذي ربطه عدد من المراقبين بما سبقت الإشارة إليه من مستجدات وسمت علاقة الرباط بأبوظبي.

مطلع الأسبوع الجاري، أعلن مدير مؤسسة "مؤمنون بلا حدود"، محمد العاني، تجميد كلّ أنشطة المؤسسة بالمغرب "حتى إشعارٍ آخرَ"، ما فتح السؤال حول الأسباب

تجميدٌ حتى إشعار آخر

مطلع الأسبوع الجاري، بالضبط يوم الأحد 17 أيار/مايو، أعلن مدير مؤسسة "مؤمنون بلا حدود"، محمد العاني، تجميد كلّ أنشطة المؤسسة بالمغرب "حتى إشعارٍ آخرَ". معللًا ذلك التجميد، وحسب ما ورد في تصريحه لموقع باناصا المغربي، إلى الضرر الذي جرته جائحة كورونا على إنتاج مركز الدراسات الذي يديره.

اقرأ/ي أيضًا: فضيحة يونس قنديل.. كاذبون بلا حدود!

وقال العاني إن "استمرار العمل في ظل توقف معارض الكتب وإغلاق منافذ بيعها، وعدم إمكانية تنظيم المؤتمرات والمحاضرات والندوات، إضافة إلى إرجاء عمليات طبع الكتب إلى ما بعد انقضاء هذه الجائحة أمر صعبٌ". مضيفًا أن ما يزيدهُ صعوبة هو أن "لا أحد يستطيع التنبؤ بمآل الوضع الحالي ولا إلى متى ستستمر حالة الطوارئ الصحية قبل أن تستعيد الحياة إيقاعها السابق".

بهذه الخطوة وجدَ فريق العمل الذي يديرُ مقر المؤسسة بالمغرب، من يحمل جميع أعضائه الجنسية المغربية، أنفسهم في بطالة قسرية، بعد أن توقف صدور المجلات الأربع التي كانت تنتجها "مؤمنون بلا حدود"، والتي كانت تشغلُ عددًا من الصحفيين والباحثين، إضافة إلى عديد من الأنشطة.

أفراد فريق العمل، وحسبَ الموقع المغربي المذكور، كانوا يمارسون عملهم بشكلٍ طبيعي من داخل منازلهم، يوم 19 آذار/مارس الماضي، حتى أتتهم دعوة المدير العام لاجتماع عاجل، أعلمهم فيه بالعسر المادي الذي تعرفه المؤسسة، وعن اضطرارها للتوقف المؤقت إلى حين انجلاء الأزمة. بعد ذلكَ بأيام قليلة، فوجئ موظفو "مؤمنون بلا حدود" برسالة ثانية يطالبهم فيها بتقديم استقالات جماعية، وهنا بالضبط تبين أن الأمر لا يتعلق فقط بتوقف مؤقت للعمل، بل تصفية كاملة للفريق، ذلك الذي استثار حفيظة الموظفين ورفضهم لتقديم الاستقالة، فيما استعملت إدارة المؤسسة مستحقات العاملين كورقة إرغام على الامتثال لقراراتها.

المؤسسة ليست ربحية وكورونا بريئة من قرار التجميد

الأمرُ لا يتعلقُ بعسرٍ مالي، يقول تصريح أحد موظفي مؤسسة "مؤمنون بلا حدود"، مشككًا في الذرائع التي احتمى خلفها مديرها العام لإعلان قراره. مظيفًا أن "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث" لم تكن في يوم من الأيام مؤسسة ربحية ولم تعتمد إطلاقًا في تنظيم أنشطتها على مبيعات الكتب ولا على المعارض، بل كل المنتوج الذي تقدمه، والمؤتمرات وغيرها من الأنشطة كلها بتمويل إماراتي. مرجحًا أن للقرار علاقة بالتوتر الحاصل بين المملكة المغربية ودولة الإمارات التي تدعمُ المؤسسة، ومؤكدًا أن "النية مبيتة من قبل، خاصة بعد التوتر الكبير الذي تعرفه العلاقات المغربية الإماراتية، وعدم رضوخ المغرب للكثير من الإملاءات الخارجية، الشيء الذي يجعل المؤسسات الثقافية والفكرية تؤدي ثمنه".

هذه الفرضية التي اعتبرها العديد من المحللين المغاربة الجوابَ الأمثل لتفسير القرار المفاجئ بتجميد النشاط الذي أقدمت عليه مؤسسة " مؤمنون بلا حدود"؛ أي أنه ناتج عن أمر موجه من أبوظبي، وآت في نطاق التوتر بين البلدين. على رأس هؤلاء المحللين القيادي بحزب العدالة والتنمية، عبد العزيز أفتاتي، الذي قالَ في تصريح له لموقع "نون بريس" المغربي، إن "مؤسسة مؤمنون بلا حدود وغيرها من المؤسسات الهدامة التي تقودها الإمارات فشلت في جميع الدول بعدما فطنت الشعوب لمخطط زرع الفتن داخل أوطانها وإرباك وحدة أقطارها باستعمال لغة المال".

وأضافَ معلّقًا على قرار المؤسسة تجميد نشاطها، بأنها منيت بفشل ذريع في المغرب، حيث "لم يكن يتصور من كانوا يراهنون على اختراق البلاد من بوابة الثقافة والفكر أن يلاقوا ما لاقوه من يقظة أبادت مخططاتهم ومشاريعهم التبشيرية بالرغم من الإمكانيات المالية الرهيبة التي كانت تصرف في سبيل إيجاد موطئ قدم داخل المملكة". وختمَ عبد العزيز أفتاتي حديثه قائلًا "إن الإمارات أصبحت منبوذة من طرف الجميع بعدما انكشفت مؤامراتها على الشعوب والقيادات معًا، وآخرها محاولتها جعل القضية الفلسطينية مطية للتطبيع مع الكيان الصهيوني".

الكيان الصهيوني الذي، ومحاباة له، حاولت الإمارات التحرش بالمغرب ديبلوماسيًا في ما بات يعرف بقضية "الإسرائيليين العالقين في المغرب"، حينما حاولت الإمارات نقل 26 إسرائيليًا علقوا في المغرب بعد إغلاق الحدود بسبب تفشي وباء كورونا، علمًا أن أغلب أولئك العالقين حاملٌ للجنسية المغربية، الأمر الذي أغضب الرباط. كما أنه ومن شهر يطبع علاقة المملكة بالإمارات توترٌ صامت، لم يعبر عنه بشكلٍ رسمي، لكن تفشيه حملة التشويش التي شنها الذباب الإلكتروني الإماراتي على المغرب عبر موقع تويتر، مستهدفة جهوده في مكافحة الحالة الوبائية الأخيرة، والخبر الزائف الذي أذاعته قناة العربية السعودية ويدعي وجود "مئات القتلى بسبب كورونا في المغرب"، فيما الرقم الصحيح لضحايا الفيروس التاجي بالبلاد لم يتعد الـ 197.

ويذكرُ أن العلاقات المغربية الإماراتية بدأت في التأرجح منذ اتخاذ المغرب موقف الحياد الإيجابي من حصار قطر، ويرجح سبب التوتر الأخير إلى تدخل الإمارات في ليبيا، ودعمها المشير خليفة حفتر ضد الحكومة الليبية المعترف بها دوليًا، والناتجة عن اتفاق الصخيرات التي كانت المملكة داعمًا له، ما يحمل هذا التدخل من تبخيس لجهود المملكة المغربية ودورها في إيجاد حل سلمي للاقتتال الدائر في البلد المغاربي.

اقرأ/ي أيضًا: كيف خلقت الإمارات مجتمعًا ثقافيًا مواليًا لأجندتها؟

كاذبون بلا حدود

ليست هذه المرة الأولى التي تمنى بها مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" بفضيحة، بعد أن تواردت عدة قضايا أظهرت دورها كذراع أيديولوجي سياسي إماراتي، كما يقول عدد من الناشطين. ترتبط السيرة المثيرة للجدل للمؤسسة، المسرحية التي حاكها أمينها العام سابقًا يونس قنديل.

ليست هذه المرة الأولى التي تمنى بها مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" بفضيحة، بعد أن تواردت عدة قضايا أظهرت دورها كذراع أيديولوجي سياسي إماراتي

عودة إلى تشرين الثاني/نوفمبر 2018، كانت المؤسسة عازمة على إقامة مؤتمرها بالعاصمة الأردنية عمان، إلا أن سلطات المملكة منعت هذا المؤتمر بدعوى "الاستفزاز" الذي تضمنته عناوين الندوات المبرمجة خلاله، وإثارتها حفيظة عدد من النشطاء الذين اعتبروا فيها آنذاك مساسًا بالذات الإلهية. قرار المنع هذا صحبه تضامنٌ عربي واسع مع المؤسسة، غير أنه لم يكف، يونس قنديل أمينها العام، الذي عمد إلى إضافة لمسة هوليودية عليه. حيث فبركَ هذا الأخيرُ عملية اختطافٍ وتعذيب كان ضحية مزعومة لها، خالقًا جوًا من الهلع داخل الشارع الأردني،  ومثيرًا فتنة لم يخمدها إلا تحري السلطات الأردنية الذي كشف أحابيلَ المؤامرة التي هدفت حسب بيانها لـ "الافتراء على الآخرين، وإثارة النعرات".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الإمارات بين محاربة الإخوان وفوبيا الثورات